ARTICLE AD BOX
"الحرب الأهلية اللبنانية: لماذا اندلعت ومتى بدأت؟ الدوافع والروافع وتزوير الواقع"، عنوان الكتاب الصادر حديثاً، عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر" في عمّان وبيروت، للباحث والكاتب صقر أبو فخر. والذي يوافق صدوره الذكرى الخمسين لاندلاع تلك الحرب الدموية البشعة التي كانت فاتحة لحروب أهلية عربية اشتعلت، في ما بعد، في العراق وسورية وليبيا والسودان واليمن، وسبّاقة في طرائق القتل بحسب الهويات الطائفية.
ويُفنّد الكتاب، الواقع في 213 صفحة، الروايات الزائفة عن بدايات الحرب وعمّن أشعلها، ويدحض السرديات المفبركة عن مراحل الحرب الأهلية التي يستعيد اليمين اللبناني حكاياتها اليوم، بعد نصف قرن على بداياتها والذي كان هو نفسه المفجّر الرئيس لها، والأداة الاستعمالية التي كانت تأمل من تفجير الحرب استدراج تدخّل أميركي وفرنسي في لبنان لمؤازرته في مشروعه السياسي.
كان في الإمكان تفاديها لولا الانسياق اليميني للسياسات الأميركية والإسرائيلية
يؤرّخ الكتاب لوقائع الحرب الأهلية ومجرياتها المتقلّبة وجوانبها السياسية والأمنية والعسكرية، ويحاول الإجابة عن الأسئلة التي ما برحت تتوالى حتى بعد مرور نصف قرن على بداياتها، وبعد أكثر من ثلث قرن على وقفها. وتدور تلك الأسئلة، عمن أشعل تلك الحرب، وهل كان في الإمكان تفاديها؟ ويجيب الكاتب بالقول: نعم، كان في الإمكان تفادي الحرب لأن الخلافات الداخلية والمنافسات المحلية والتناقضات الاجتماعية والصراعات الأيديولوجية لا تؤدي، بالضرورة، إلى الاحتراب الأهلي. لكن السياسة الأميركية العليا، والسياسة الأمنية الإسرائيلية، وانسياق قوى اليمين اللبناني مع هاتين السياستين، حال، ذلك كله، دون تجنب الحرب وأهوالها ونتائجها التي ما برحت تتفاعل حتى اليوم.
وفي هذا الميدان التاريخي يكشف صاحب كتاب "تحوّلات النخبة الفلسطينية" جوانب كثيرة من تزوير الوقائع السياسية والعسكرية التي وردت في كُتب السِيَر التي نشرها بعض مَن شارك في تلك الحرب، ويُصحّح حوادثها، ويقوّم استنتاجاتها، ويفضح دوافعها استناداً إلى عشرات المراجع المتينة والمصادر العِلمية والوثائق الصحيحة. ولا يكتفي الكاتب بهذه الجوانب وحدها، بل يورد، إلى جانب ذلك كله، التواريخ الصحيحة لبدايات الحرب في لبنان، ويكشف أسماء تجار السلاح وارتباطاتهم الاستخبارية، والدول التي كانت تزوّد المليشيات اللبنانية بالأسلحة والأموال، ويسرد فصولاً من أدوار الفصائل الفلسطينية في مراحل القتال المختلفة، ويتناول النهج السياسي لياسر عرفات في الشأن اللبناني، الذي كان يفترق عن نهج حليفه كمال جنبلاط بأشواط.
كذلك يروي الكاتب قصة دخول الجيش السوري إلى لبنان والموقف الأميركي المعارض في البداية، ثم الموافق بعد أن أصبح اليمين اللبناني على وشك الهلاك. ويكشف الكتاب وقائع مسكوتاً عنها كالنهب والمخدرات وحلف الأقليات والوكالة اليهودية وعملائها التاريخيّين، والموساد وعملائه المتجدّدين، علاوة على أفكار الفيدرالية التي راحت تنتعش في صفوف اليمين اللبناني اليوم وتستعيد "شبابها" السياسي الزائل.
وفي الكتاب فصل مهمّ عن دحض مرويّات كتب الاعترافات ونقض سِيَر بعض قادة المليشيات وسردياتهم، وهو يفضح التزوير في كتب هذيانية من طراز "أنا الضحية والجلاد أنا" (2009) لجوزف سعادة، و"مذكرات الأباتي بولس نعمان" (2009) لأنطوان سعد، و"بشير الجميل: تاريخ في رجل" (2009) لجورج حايك، و"من الفياضية حتى واشنطن" (2015) لأنطوان بركات، و"صليب الحرب" (2018) لمارون مشعلاني.
