صوماليلاند... هل اقترب حلم الدولة من عتبة اعتراف واشنطن؟

1 week ago 3
ARTICLE AD BOX

<p>تتميز باستقرار سياسي نسبي، ونظام ديمقراطي فعال، إضافة إلى رفضها القاطع أي تعاون مع الصين&nbsp;(أ ف ب)</p>

كشف موقع "لي ديبلومات" الإيطالي المتخصص في العلاقات الدولية، عن أن الولايات المتحدة تجري مراجعات عميقة لمواقفها السابقة تجاه الصومال في ما يتعلق بإقليم صوماليلاند غير المعترف به دولياً. 

ونقل الموقع في تقرير أعده الكاتب أوليفييه دوزون أن مواقف واشنطن تشهد تحولاً استراتيجياً مدفوعاً بتغير موازين القوى في القرن الأفريقي، وسط تصاعد النفوذ الصيني والتركي بمنطقة خليج عدن والبحر الأحمر.

وأشار إلى أن تغييراً دبلوماسياً هادئاً على وشك الحدوث في واشنطن حيال إقليم صوماليلاند، موضحاً أنه على رغم أن واشنطن دافعت على مدى ثلاث عقود مضت عن مبدأ وحدة الدولة الصومالية، رافضة الاعتراف بإقليم صوماليلاند (وهو إقليم أعلن استقلاله من جانب واحد عام 1991)، فإن التحولات الجيوسياسية في المنطقة، فضلاً عن التوازنات الاستراتيجية المتغيرة في القرن الأفريقي قد تدفع الإدارة الأميركية إلى إعادة النظر في مواقفها السابقة.

وأوضح الموقع أن صوماليلاند، على رغم عدم الاعتراف بها من المجتمع الدولي، فإنها تتميز باستقرار سياسي نسبي، ونظام ديمقراطي فعال، إضافة إلى رفضها القاطع أي تعاون مع الصين، بل إنها تقيم علاقات دبلوماسية رسمية مع تايوان منذ عام 2000، مما يجعلها تقع ضمنياً في سياق المصالح الاستراتيجية الغربية، في وقت تسعى بكين إلى توسيع نفوذها في أفريقيا، وبخاصة في منطقة القرن الأفريقي.

وكشف عن أن الوضع الحالي لصوماليلاند يكسر منطق المركزية الصينية في أفريقيا، ومن ثم يجذب انتباه واشنطن إليها باعتبارها بديلاً موثوقاً ديمقراطياً وذا صدقية، في وقت تبتعد الحكومة الفدرالية في مقديشو بصورة متزايدة من دوائر النفوذ الغربي، وتقترب من المصالح التركية والمصرية.

وتشير تقارير أخرى ذات صلة إلى زيارات لأعضاء في الكونغرس الأميركي إلى عاصمة صوماليلاند خلال الفترة الماضية، مما يوحي بتزايد الاهتمام الأميركي بهذا الإقليم الذي ظل يعاني العزلة، فضلاً عن وجود تحالفات تجارية وأمنية واستخبارية مع عدد من الدول الحليفة لواشنطن في منطقة الخليج العربي، علاوة على التعاون الإثيوبي مع هرجيسا. فهل تمضي واشنطن نحو الاعتراف الرسمي بهذا الإقليم؟ وما أثر ذلك في الاستقرار الإقليمي في هذه المنطقة، التي تضم أحد أهم الممرات الدولية للملاحة التجارية؟

لحظة تاريخية 

الناشط السياسي من صوماليلاند عبدالقادر يبال يرى أن هرجيسا تعيش لحظة تاريخية غير مسبوقة لجهة استثمار المتغيرات الجيوسياسية في منطقة القرن الأفريقي، والاضطرابات الأمنية والسياسية في حوض البحر الأحمر، لانتزاع اعتراف المجتمع الدولي بها كدولة مستقلة ذات سيادة بعد قرابة ثلاثة عقود ونيف من إعلان الانفصال عن مقديشو. 

ويضيف أن الاستقرار الكبير الذي شهده الإقليم منذ انفصاله الفعلي عن الصومال، والسياسات التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة في هرجيسا من تقديم نموذج ديمقراطي في الحكم، واتباع نظام الحكم الراشد، والتداول السلمي للسلطة عبر انتخابات نزيهة وشفافة شهد لها مراقبون دوليون، تمثل رصيداً مهماً وفاعلاً لتحقيق حلم الاستقلال الآن، لا سيما بعد أن أضحت الدولة الأكثر استقراراً وديمقراطية في المنطقة الملتهبة بالقرن الأفريقي. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويشير يبال إلى أن جميع دول القرن الأفريقي، باستثناء صوماليلاند، تشهد إخفاقات واضحة في تبني نظام سياسي ديمقراطي، موضحاً أن "الاستحقاقات الانتخابية كافة التي شهدتها هرجيسا، سواء الرئاسية منها أم البرلمانية، خلت عن أي مظاهر عنف، وقدمت نموذجاً متحضراً للتبادل السلمي للسلطة بصورة لم تشهدها أي من دول القرن الأفريقي كما هي الحال في كينيا وإثيوبيا، التي كثيراً ما رافقت استحقاقاتها الانتخابية مظاهر عنف واتهامات بالتزوير، فيما يشهد السودان حرباً ضروساً، بينما تتميز جيبوتي بنظام حكم مركزي قوي ظل في السلطة لأكثر من ثلاثة عقود، ويحكم إريتريا ذات الرئيس منذ الاستقلال (1993) من دون انتخابات رئاسية أو برلمانية، أما الصومال فلا يزال يعيش تداعيات الحرب الأهلية وحال من عدم الاستقرار، بالتالي فإن تجربة صوماليلاند تمثل استثناء ديمقراطياً في هذه المنطقة، مما دفع دولاً عربية عدة للتفكير ملياً بإمكان دعم هذه التجربة من خلال الاعتراف باستقلال الإقليم". 

إدارة أكثر حماسة 

يزعم يبال أن الولايات المتحدة، بخاصة في ظل قيادة الرئيس الجمهوري دونالد ترمب، قد تكون على استعداد تام للاعتراف بصوماليلاند خلافاً لمواقف الإدارات السابقة، وبخاصة الديمقراطية منها. ويرى أن العامل الرئيس الذي أخر عديداً من الدول الغربية في الاعتراف يتمثل في العرف المتبع بضرورة الحفاظ على وحدة الدول الأفريقية، مشيراً إلى أن المتغيرات الجيوسياسية أضحت الآن أكثر إلحاحاً من اتباع تلك الأعراف، لا سيما وأن صوماليلاند تلتزم بميثاق الاتحاد الأفريقي، الذي ينص على قدسية الحدود الموروثة عن الاستعمار، بل وتدعو إلى ضرورة تفعيله في الحال الصومالية، فالواقع أن الحدود الاستعمارية تفرق بين الحدود الصومالية الموروثة عن الاستعمار الإيطالي، وحدود صوماليلاند الموروثة عن الاستعمار البريطاني، كما أن الاتحاد الأفريقي (منظمة الوحدة الأفريقية سابقاً) كانت اعترفت باستقلال صوماليلاند عام 1960، واعترف بها أكثر من 34 دولة عضو في الأمم المتحدة قبل أن تضم طوعاً إلى الصومال. 

ويضيف أن اللحظة الحالية تمثل فرصة تاريخية لتحقيق حلم الاستقلال المؤجل لأسباب موضوعية عدة، منها المتعلق بالمتغيرات الداخلية، فضلاً عن الظروف الدولية المواتية، مشيراً إلى أن قراراً كهذا على المستوى الأميركي لن يجد ظروفاً أكثر مواتاة من سياسة إدارة ترمب، إذ كشفت منذ بداية ولايته الثانية عن عدم ركونه للتعريفات الكلاسيكية المتعلقة بقضايا السيادة والحدود المقدسة، لا سيما بعد كشفه عدداً من الخطط المتعلقة بإعادة رسم الحدود في أكثر من منطقة في العالم، من بينها ضم كندا للولايات المتحدة، وإعادة تعريف خليج المكسيك، فضلاً عن خطته في شأن غزة.

وينوه إلى أنه على رغم المعارضة الكبيرة التي شهدتها خططه تلك، فإن ذلك يكشف عن جانب من سياساته الجريئة البراغماتية، مما قد يجعله أكثر حماسة تجاه استقلال صوماليلاند، لا سيما في ظل توفر الظروف الدولية المواتية لذلك، بخاصة في ما يتعلق بخطته تجاه محاصرة التمدد الصيني في القارة السمراء، إذ ترتبط كل من تايوان وصوماليلاند بعلاقات دبلوماسية متقدمة منذ عقدين من الزمن. 

دعاية سياسية 

من جهته يرى المحلل السياسي الصومالي عيدي محمد أن التقارير الصحافية التي نقلتها بعض الصحف العربية تفتقد الصدقية وتندرج ضمن سياق الدعاية السياسية، بخاصة أنها ترتبط بمخطط تهجير فلسطينيي غزة إلى إحدى الدول الأفريقية بعد اعتذار حكومات كل من مصر والأردن، مشيراً إلى أن بعض التقارير ذكرت أن صوماليلاند قد تكون مستعدة لقبول الغزيين في مقابل الاعتراف بها كدولة مستقلة.

ويضيف عيدي أن هذا المخطط لن ينجح في ظل المعارضة الدولية، بما فيها الأوروبية، لفكرة التهجير أو الوطن البديل، كما أن هناك معارضة شعبية داخلية في الصومال بما فيه إقليم صوماليلاند، مؤكداً أن القبول باستقلال هذا الإقليم سيمثل سابقة خطرة قد تؤدي إلى تفكك عشرات الدول الأفريقية، كما سيمثل مساساً بميثاقي الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية. 

ويرجح أن التقارير الصحافية التي تشير إلى إمكان اعتراف الولايات المتحدة باستقلال صوماليلاند قد تكون بمثابة جس النبض وممارسة مزيد من الضغط على الحكومة الفيدرالية في الصومال لتقليص علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع عدد من الدول وعلى رأسها الصين وتركيا ومصر، إذ تسعى الولايات المتحدة إلى تحجيم الأدوار التجارية والاستثمارية لبكين في القارة الأفريقية، فضلاً عن تقليص الحضور التركي في الصومال. 

في غياب المضمون 

ويضيف عيدي "حتى في حال اعتراف إدارة ترمب باستقلال الإقليم، فإنه لن يكون استقلالاً فعلياً في ظل معارضة غالب الدول الأعضاء بالأمم المتحدة، بخاصة أن الاتحاد الأفريقي اتخذ موقفاً موحداً تجاه وحدة الأراضي الصومالية خلال مناقشته أزمة مذكرة التفاهم الموقعة بين هرجيسا وأديس أبابا، كذلك الأمر بالنسبة إلى المجموعة العربية، إذ للجامعة العربية مواقف معلنة تجاه سيادة الصومال الموحد، كما أن مواقف معظم دول الاتحاد الأوروبي مؤيدة لوحدة الدولة الصومالية المتعارف عليها بحدودها البرية والبحرية". 

ويرجح أن الصين كدولة عضو في مجلس الأمن، لن توافق على استقلال صوماليلاند، ليس من واقع علاقاتها المميزة مع مقديشو فحسب، بل لجهة موقفها المبدئي من استقلال تايوان، بالتالي فإن الاعتراف لن يمر في الأمم المتحدة، وسيظل اعترافاً أحادياً من الولايات المتحدة، وعلى رغم أنه قد يجر بعض الاعترافات من الدول الحليفة لواشنطن، فإن ذلك لن يكفي لتحول الإقليم إلى دولة مستقلة ذات سيادة، لا سيما في حال معارضة إحدى الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، ومن المرجح أن تعارض كل من الصين وروسيا لأسباب ذاتية وموضوعية".

ويتابع "كما أن الاعتراف الدولي في الأمم المتحدة يشترط موافقة الصومال كدولة ممارسة للسيادة على الإقليم منذ عام 1960"، موضحاً أن اعتراف الولايات المتحدة وبعض الدول الحليفة لها بصوماليلاند لن يغير شيئاً حيال تبعية الإقليم للصومال وحقه في ممارسة السيادة عليه، ومشيراً إلى تجربة إقليم الصحراء الغربية الذي اعترفت به نحو 84 دولة حول العالم من دون أن يتمكن من الاستقلال الفعلي أو يتحول الى دولة ذات سيادة، مما أدى في نهاية المطاف إلى سحب نحو 44 دولة اعترافها به.

من جهة أخرى، يرى عيدي أن اعتراف الولايات المتحدة أو الدول الغربية الموالية لها باستقلال صوماليلاند سيضاعف من مشاعر الغضب لدى الصوماليين ضد المصالح الغربية، ويعزز من احتمالات عدم الاستقرار في المنطقة، إذ سيمنح المتطرفين من شاكلة "حركة الشباب" ذريعة إضافية لتصعيد أعمالها، كما سيشجع على نشوء حركات أخرى قد تكون أكثر تطرفاً في استهداف المصالح الأميركية مدعومة بالمد الشعبي الصومالي، بخاصة أن للولايات المتحدة تجربة مريرة في الصومال خلال تسعينيات القرن الماضي. 

subtitle: 
تقارير عن تحول استراتيجي مدفوع بتغير موازين القوى في القرن الأفريقي ومراقبون: الاعتراف وحده لا يكفي
publication date: 
الثلاثاء, مايو 13, 2025 - 15:30
Read Entire Article