ARTICLE AD BOX
فجأة، راحت العناوين تفتقر إلى اسم ترامب. للأفضل أو الأسوأ، بات سلفه جو بايدن مركزها. والسبب مزدوج.
في الشق الأول، هناك الكشف الإعلامي عن سرطان البروستات العدواني الذي أصيب به بايدن وعلامات الاستفهام عن إصابة رئيس ترك منصبه حديثاً وقد خضع للفحوصات الدورية. "التستر" كان من الاحتمالات المتداولة. في الشق التالي، كتاب يخبر كيف غطى الديموقراطيون تراجع قدراته الذهنية. لم يهنأ الرئيس السابق بتقاعده، لا صحياً ولا سياسياً.
فضائح متنقلة
ثمة الكثير للإضاءة عليه في كتاب "الخطيئة الأصلية: ضمور الرئيس بايدن، التستر عليه وقراره الكارثي بالترشح مجدداً" لجيك تابر من "سي إن إن" وأليكس تومبسون من "أكسيوس". لكن جوهر التفاصيل والأحداث – أي تراجع الحضور الذهني لبايدن – كان واضحاً منذ فترة. يبدو أنّ الكتاب أكّد ما لم تخطئه العيون، وأضاف بعض ما حجبته الجدران.
لكن في الوقت نفسه، ثمة ضرورة للعودة إلى حادثة شبيهة حصلت في ولاية بايدن: اختفاء وزير دفاعه لويد أوستين عن السمع لمدة 72 ساعة تقريباً مطلع 2024. حينها، دخل غرفة العناية الفائقة للعلاج من تداعيات عملية لمعالجة سرطان البروستات قبل أسابيع قليلة.
عُرف ما جرى مع أوستين بـ "هوسبيتال غيت" أو فضيحة المستشفى. لاحظوا تسارع وتيرة الـ "غيتات" أو الفضائح في أميركا. فصلت بين "ووترغيت" و"إيران غيت" مثلاً نحو 10 أعوام. بين "هوسبيتال غيت" و"سيغنال غيت" فقط عام ونصف. طبعاً ليس المقصود بهذه الأرقام رسم اتجاه مستقر طويل الأمد، خصوصاً مع اختلاف خطورة الفضائح. لكن ما حصل في السنوات الأخيرة – مع ذكر أيضاً "فضيحة" رسائل كلينتون و"فضيحة" ضغط ترامب على أوكرانيا لتحقق في قضايا تتعلق ببايدن – أمر معبّر.
مشكلتان
حين فُقد الاتصال بأوستين، قال البعض إن "النظام انهار" في الولايات المتحدة. كان يتوجب على بايدن التواصل مع أوستين في الحالات الخطرة كما هي الحال، على سبيل المثال لا الحصر، مع حرب نووية. المشكلة الأولى، بحسب "الخطيئة الأصلية"، أن بايدن نفسه راح "يغيب عن العالم" في بعض الأحيان، بحلول آذار/مارس 2023. إذاً، هل كانت القوة العظمى بين 1 و4 كانون الثاني/ يناير 2024 مفتقرة إلى حضور شخصيتين من أبرز قادتها؟
المشكلة الثانية هي أنّ أوستين رفض التنحّي حينذاك عن منصبه تحمّلاً للمسؤولية. وكان بايدن ليرفضها حتى لو أقدم أوستين عليها، بحسب ما قاله أربعة مسؤولين لمجلة "بوليتيكو". على افتراض أنّ بايدن كان هو الرافض – لا هؤلاء المسؤولين وغيرهم (بحسب "الخطيئة الأصلية" كانوا خمسة) – فهذا يضعه في مصافّ ترامب الذي رفض معاقبة وزير دفاعه بيت هيغسيث بسبب فضيحة مناقشة قضية حساسة على تطبيق "سيغنال" للمراسلة. صحيحٌ أنّه خفّض رتبة مستشاره لشؤون الأمن القومي مايك وولتز الذي دعا عن طريق الخطأ الصحافي جيفري غولدبرغ إلى الدردشة، لكن من المحتمل أن يكون ذلك لأسباب فكريّة لا وظيفيّة.
حنين؟
يحب ترامب أن ينتقد "المحافظين الجدد". بصرف النظر عن ارتباط هذه الأسماء بالحروب، يمكن أن تقودنا قصة أوستين إلى وزير الدفاع الأسبق دونالد رامسفيلد الذي كان يعدّ من "المحافظين الجدد". لم يجد الأخير حرجاً في نقل صلاحياته إلى نائبه، قبيل دخوله لإجراء عملية جراحية في الكتف، لمدة ساعتين وحسب. قارنوا ذلك بنائبة أوستين التي لم تعلم بحالة ومكان وزيرها إلا بعد نحو 48 ساعة على دخوله العناية المركّزة. علاوة على ذلك، هي كانت في إجازة ببورتوريكو.
يظهر أن زمن الالتزام بالقوانين والشفافية، بحده الأدنى، يكاد ينتمي إلى زمن مضى. بشكل متزايد، يخضع التعامل مع الخضات أو الفضائح في الولايات المتحدة بحسب المسؤول عنها. يضخّم الجمهوريون ارتكابات خصومهم ويقلّلون من أخطاء رئيسهم ومسؤوليهم. والعكس صحيح. بهذا المعنى، كان "التستّر" على الوضع الصحّيّ لبايدن جزءاً من نمط أوسع في السياسات الأميركية الحديثة.
الخلاصة الوحيدة
لا تنحصر القضية في القضايا السياسية البحتة. كما يذكّر المعلّق السياسيّ بيل ماهر، كان الجمهوريون ينتقدون السيارات الكهربائية قبل سنوات قليلة وحسب. بعدما دعم إيلون ماسك ترامب، راح الديموقراطيون يشترون سيارات "تيسلا" فيما راح الديموقراطيون، أو على الأقل أقصى اليسار، يقوم بتخريبها. هذا على الرغم من ملاءمتها المفترضة للبيئة، وهي إحدى قضاياهم المفضلة.
الآن، بات الديموقراطيون على استعداد للتخلي عن بايدن بعد الخسارة. وكان الجمهوريون على وشك التخلي عن ترامب بعد أحداث 6 يناير، لو توفر بديل حيويّ وفشل المرشح الجمهوري من تحقيق عودة سياسية قوية. وهي عودة ربما لم تكن ممكنة لولا قول نحو ثلثي الأميركيين إنّ ترامب لم يكن حاداً ذهنياً.
الخلاصة الوحيدة التي بإمكان المرء استخراجها من الأعوام القليلة الماضية في البيت الأبيض هي أنه يندر إيجاد "راشدين في الغرفة". أكانت تلك الغرفة ديموقراطية أم جمهورية.