ARTICLE AD BOX
يخوض رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، غمار الانتخابات المقبلة مُستنداً إلى تحالف انتخابي يحمل اسم "تحالف الإعمار والتنمية"، وهو تحالف يعكس من حيث بنيته وتكوينه طبيعة اللحظة السياسية الراهنة في العراق، حيث تتشابك المصالح الفردية مع الحسابات الفئوية، في ظلّ غياب مشروع وطني جامع قادر على فرض سردية موحّدة أو حتى برنامج انتخابي متماسك.
رغم كونه الذراع الانتخابية المباشرة لرئيس الحكومة، يعاني التحالف من تباينات داخلية عميقة وضعف في الانتشار الجغرافي، ما يجعله عرضة للتشظي والاختراق في المراحل اللاحقة. فعلى المستوى السياسي، يفتقر التحالف إلى الانسجام الإيديولوجي أو الرؤية الاستراتيجية طويلة الأمد، حيث يضم في طياته شخصيات وتيارات متباينة، اجتمعت تحت مظلّة السوداني بدافع المصلحة الانتخابية الآنية، لا بدافع الالتقاء حول مشروع إصلاحي أو تنموي واضح المعالم.
واحد من أبرز الإشكالات التي تواجه تحالف السوداني، محدودية انتشاره الجغرافي. فبينما تتركّز قوّته في بغداد وكربلاء – حيث نجح في نسج تحالفات محلية مع شخصيات ذات وزن اجتماعي وانتخابي، مثل محافظ كربلاء السابق نصيف الخطابي – يفتقر التحالف إلى أذرع تنظيمية فعّالة في باقي المحافظات، ما يقلّل من فرصه في الحصول على تمثيل واسع على مستوى البلاد. وفي غياب شبكات محلية قوية، يبقى التحالف محصوراً في مناطق نفوذ رئيس الوزراء وشركائه المباشرين.
واحدة من أبرز الإشكالات التي تواجه تحالف السوداني هي محدودية انتشاره الجغرافي
أحد أبرز الأمثلة على الطابع المصلحي لهذا التحالف يتمثّل بمشاركة إياد علاوي، الشخصية السياسية المخضرمة، التي طالما ارتبطت باسم "القائمة العراقية" في العقد الأول بعد 2003. إلا أنّ انضمامه الحالي لا يبدو نتاجاً لتفاهم سياسي معمّق أو تقاطع في البرامج، بل يأتي أقرب إلى ترتيب شخصي يهدف إلى ضمان وصول ابنته، سارة علاوي، إلى البرلمان، ما يسلّط الضوء على أزمة عميقة في طبيعة التحالفات الانتخابية التي باتت تُبنى على أساس الروابط العائلية أو المصالح الضيّقة، لا على أسس البرامج والمواقف.
هذا النوع من الترتيبات يعكس هشاشة البنية السياسية لتحالف السوداني، ويضع علامات استفهام حول مدى قدرته على التحوّل إلى كيان سياسي متماسك بعد الانتخابات، في ظلّ احتمالية انسحاب القوى المتحالفة بمجرّد زوال الدافع الانتخابي المؤقت.
على الرغم من أنّ السوداني هو الشخصية الأبرز في هذا التحالف، إلا أنّ القراءة الأولية لتوزيع القوّة تشير إلى أنّ الرابحين الحقيقيين هما فالح الفياض وأحمد الأسدي. الفياض، الذي يترأس هيئة الحشد الشعبي، يتمتّع بقاعدة شعبية ثابتة في عدد من المحافظات الجنوبية، وهو قادر على تأمين مقاعد انتخابية، مستنداً إلى مكانته الرمزية لدى شرائح من الجمهور الشيعي، إضافة إلى شبكة الحشد الشعبي ذات الحضور العسكري والاجتماعي الكبير.
السقف المتوقّع لتحالف السوداني لا يتجاوز حدود التأثير المتوسط، وهو سقف لا يتناسب مع طموحاته
أما أحمد الأسدي، وزير العمل الحالي، فقد وظّف موقعه الوزاري بشكل انتخابي صريح. تشير تقارير ميدانية إلى أنّ وزارته كثّفت من توزيع رواتب الرعاية الاجتماعية قُبيل الانتخابات، مع ربط الحصول على هذه المستحقات بمرشحيه بشكل غير مباشر. هذا الاستخدام المكثّف لأدوات الدولة في الحملات الانتخابية يعكس طبيعة الممارسات التي تشوب الانتخابات العراقية منذ سنوات، حيث تتحوّل المؤسّسات الخدمية إلى أدوات تعبئة سياسية، ما يطرح أسئلة جوهرية عن عدالة التنافس وفرص المرشحين المستقلين.
تشير التقديرات إلى أنّ تحالف الإعمار والتنمية قد ينجح في حصد ما بين 35 إلى 40 مقعداً على مستوى العراق. ورغم أنّ هذا الرقم يبدو مقبولاً إذا ما قورن ببعض التحالفات الأخرى، إلا أنه لا يرقى إلى طموحات السوداني، خصوصاً إذا ما قورن بالمكانة التي يفترض أن يتمتّع بها رئيس الوزراء القائم، القادر نظرياً على استثمار موقعه الحكومي لتعزيز حضوره الانتخابي.
في بغداد، يُتوقّع أن يحصل التحالف على أكثر من 15 مقعداً، وهي النسبة الأعلى من إجمالي مقاعده المتوقّعة. أما في كربلاء، فقد يحصد نحو 5 مقاعد بفضل التحالفات المحلية. في ميسان، لا يُستبعد حصوله على مقعدين. لكن في باقي المحافظات، من غير المرجّح أن يتجاوز سقف المقعدين في كلّ واحدة، ما يعكس تراجع الانتشار الوطني للتحالف وافتقاره إلى بنية تنظيمية قوية على الأرض.
أزمة عميقة في طبيعة التحالفات الانتخابية التي باتت تُبنى على أساس الروابط العائلية أو المصالح الضيّقة، لا على أسس البرامج والمواقف
ما يزيد من هشاشة التحالف، طبيعته "الهجينة"، إذ إنه خليط غير متجانس من شخصيات وقوى ذات ولاءات ومصالح متضاربة. ومن المرجّح أن يشهد هذا التحالف تفكّكاً سريعاً بعد الانتخابات، خصوصاً إذا لم يحقّق النتائج المرجوة. في حال حصول الفياض والأسدي على عدد مناسب من المقاعد، فإنّ من المرجح عودتهما إلى "البيت الشيعي" التقليدي، في إطار تنسيق مع قوى مثل الإطار التنسيقي، ما سيترك السوداني في موقع هش، مع كتلة نيابية محدودة لا تسمح له بتجديد ولايته أو فرض رؤيته السياسية داخل البرلمان.
السوداني، الذي حاول أن يقدّم نفسه وجهاً إصلاحياً قادراً على تخطي انقسامات القوى الشيعية التقليدية، يبدو اليوم محاطاً بتحالف انتخابي هشّ، يحوي تناقضات بنيوية تضعف من قدرته على التحرّك بعد الانتخابات، خصوصاً في حال تحوّله إلى كتلة معزولة داخل مجلس النواب.
تحالف الإعمار والتنمية، بقيادة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، يعكس الواقع السياسي العراقي الراهن، حيث تتقدّم التحالفات المصلحية على التحالفات البرنامجية، وتغيب الرؤى الوطنية الشاملة لصالح الحسابات الفردية والانتخابية. ورغم أنّ السوداني نجح في جمع عدد من الشخصيات ذات النفوذ، إلا أنّ غياب الانسجام وضعف القاعدة التنظيمية، إضافة إلى اعتماد بعض أطراف التحالف على أدوات الدولة لحصد الأصوات، كلها عوامل تجعل من هذا التحالف كياناً مؤقّتاً قد لا يصمد أمام استحقاقات ما بعد الانتخابات.
وفي ظلّ هذه المعطيات، يبدو أنّ السقف المتوقّع لهذا التحالف لا يتجاوز حدود التأثير المتوسط، وهو سقف لا يتناسب مع طموحات السوداني، ولا يمنحه القدرة على قيادة كتلة قادرة على فرض نفسها لاعباً رئيسياً في التوازنات المقبلة.