ARTICLE AD BOX

<p class="rteright">تصاعد دخان كثيف فوق مبانٍ مدمرة خلال قصف إسرائيلي على قطاع غزة المدمر (أ ف ب)</p>
بعد قرار إسرائيلي برفع درجة القتال واتساعه في غزة كمرحلة ثانية من العملية العسكرية "عربات جدعون" بالتوازي مع عودة الوفد المفاوض من قطر وإعلان فشل الجهود للتوصل إلى صفقة أسرى، انتقل النقاش إلى درجة أعمق وأكثر حدة وخطورة حتى على إسرائيل، لم تصلها منذ بداية حرب القطاع.
الشرارة الأولى التي أطلقها نائب رئيس الأركان السابق ورئيس حزب الديمقراطيين يائير غولان، أبقت الأجواء مشتعلة بل فتحت الأبواب أمام أمنيين وعسكريين سابقين وكذلك سياسيون، للدخول إلى جبهة صراع داخلي وضعت إسرائيل أمام مفترق خطر، بل وحذر البعض من الانحدار إلى هاوية محلية ودولية ستحتاج أعواماً طويلة للخروج منها.
وعاد النقاش من جديد، أمس السبت، مع الصور التي نشرت للطبيبة الغزاوية آلاء النجار وهي تحتضن جثث أطفالها التسعة الذين قضوا حرقاً داخل البيت إثر غارة جوية إسرائيلية لتتعالى الدعوات لوقف الحرب فوراً، خشية تداعيات نتائج قرار توسيع العمليات في غزة، وما أصر البعض على اعتبارها جرائم في حق مدنيين، على رغم المعارضة الواسعة والانتقادات وحملة التحريض التي تعرض لها يائير غولان بعدما عد أن الجيش الإسرائيلي يمارس هواية قتل الأطفال الغزاويين.
وفي ذروة الاحتجاجات والهجوم على غولان، فوجئ الإسرائيليون بانضمام مجموعة ذات قيمة ومكانة عسكرية وسياسية إلى موقف غولان أبرزهم رئيسا أركان الجيش السابقان موشيه يعالون وإيهود باراك، ورئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت، ورئيسة حزب "ميرتس" السابقة زهافا غلئون وغيرهم.
تشويه صورة إسرائيل
مواقف هؤلاء من حرب غزة واستمرارها والارتفاع المتواصل لعدد القتلى الأبرياء من الأطفال والنساء والمسنين، استقطبت دعماً حذراً إزاء موجة التحريض غير المسبوقة في إسرائيل من قبل اليمين وأحزاب الائتلاف ضد من يعد الحرب على غزة ونشاطات الجيش التي لم تحقق أهداف القضاء على "حماس"، تسهم في تشويه صورة إسرائيل في العالم ونبذها.
ذهب رئيس أركان الجيش السابق موشيه يعالون إلى أبعد من يائير غولان ومن اعتباره قتل الأطفال هواية، فقال في سياق حوار فاجأ كثيرين، "إنها ليست هواية بالتأكيد! هذه أيديولوجية مسيانية وقومية وفاشية، مدعومة بفتاوى حاخامية بينها ’لا يوجد أبرياء في غزة’، و’القضاء على نسل العماليق’ و’عقيدة الحسم’ لبتسلئيل سموترتيش، إلى جانب تصريحات سياسيين من أحزاب اليمين مثل القول ’ستكون غزة نظيفة من العرب وسنستوطنها باليهود’". وأضاف يعلون "كل هذا ليست هواية، بل سياسة حكومية، هدفها النهائي هو الاحتفاظ بالسلطة. وتقودنا إلى الهلاك. لذلك يجب استبدال هذه الحكومة".
وعلى رغم استعجال غولان في عقد مؤتمر صحافي ليعلن أنه لم يقصد في حديث الجيش الإسرائيلي، فإن وزير الدفاع يسرائيل كاتس رد على تصريحات غولان ويعالون وتجاوب مع مطلب وزراء ونواب كنيست من أحزاب الائتلاف بالإعلان عن اتخاذ إجراءات فورية لسحب درجتي غولان ويعالون العسكريتين، وأصدر أوامر للجيش بعدم السماح ليائير بارتداء الزي العسكري والانضمام لجنود الاحتياط مهما كانت الحاجة إلى ذلك ومنعه من دخول معسكرات الجيش.
وغولان كان قد انضم للاحتياط مع انطلاق حرب غزة، في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، ودخل إلى القطاع إلى جانب وحدات من الاحتياط للقتال.
قوانين عقابية
وانتقل الصراع الإسرائيلي إلى أروقة الكنيست حيث قدم النائب أريئيل كلنر من حزب الليكود اقتراح قانون ينص على سحب الرتب والحقوق من ضباط كبار في الجيش وفي أذرع الأمن المختلفة، من رتبة مقدم وما فوق، ممن يطلقون تصريحات تسيء للجيش والأمن الإسرائيليين ويدعون إلى رفض الخدمة في الجيش.
كما قدم عضو الكنيست عبد عفيف من الليكود مقترح قانون يتضمن تعديلاً على قانون أساس الكنيست، يوسع من الأسباب التي تتيح منع الترشح للانتخابات، وينص على أن "اتهام دولة إسرائيل بقتل أبرياء أثناء الحرب" سيمنع الترشح للانتخابات.
في الوقت نفسه بدأ عضو الكنيست نيسيم فاتوري، بجمع توقيعات أعضاء كنيست على دعوة إلى سحب الرتب العليا من غولان ويعالون. وقد وقع عدد غير قليل من الأعضاء على العريضة، ويتوقع أن يوقع وزراء من مختلف أحزاب الائتلاف اليوم الأحد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يائير غولان رد على هذه الخطوات ومختلف التحركات ضده داخل حزب الليكود الحاكم وأحزاب اليمين بوصفه إياهم بالمجموعة البائسة، التي لا تستحق الالتفات إليها، مضيفاً "هذا دليل آخر على أن هذه العصابة لا تفهم ما هي الديمقراطية، وتتصرف كعصابة إجرامية".
وأوضح أنه لن يمتنع عن أي حديث يعكس الحقيقة التي تعيشها إسرائيل وسياسة الحكومة التي تجعلها دولة منبوذة ومعزولة عالمياً، ثم عاد ليؤكد أنه "عندما يحتفل وزراء في حكومة نتنياهو بموت وتجويع الأطفال في غزة، يجب قول الحقيقة والتحدث عن ذلك".
جرائم حرب واضحة
عملية واشنطن التي أدت إلى مقتل إسرائيليين اثنين، هي الأخرى دخلت في إطار هذا النقاش، فلم يتردد عدد من الوزراء وأعضاء الكنيست بتحميل مسؤولية تنفيذها ليائير غولان والإسرائيليين الذين يدعمون مواقفه وعدوا أن مثل هذه التصريحات تدعم الحملة الدولية ضد السامية.
وعد رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت، حملة الدفاع عن الحكومة والعمليات التي تنفذ في غزة، هي من تقود إلى تحريض المجتمع الدولي ضد إسرائيل، واصفاً ما ينفذ في غزة بـ"جرائم حرب".
ورأى أن النتيجة الواضحة لعملية "عربات جدعون" هي قبل أي شيء آخر، فوضى في عمليات وحدات الجيش التي تنتشر في أرجاء القطاع. وتابع "ما يحدث في قطاع غزة في الأسابيع الأخيرة ليست له صلة بهدف حرب مشروع. المقاتلون والجنود يرسلون من قبل قيادة الدولة، وقيادة الجيش الخاضعة لها، من أجل ارتكاب أعمال وحشية في أحياء مدينة غزة وجباليا وخان يونس، في عملية عسكرية غير شرعية. الآن هذه حرب سياسية خاصة، ونتيجتها الفورية هي تحويل القطاع إلى منطقة كارثة إنسانية".
ونبه إلى أن العدد الكبير من المدنيين الذين قتلوا في غزة كان غير معقول وغير مبرر وغير مقبول، لكنهم جميعاً "كانوا نتيجة حرب وحشية. هذه الحرب كان يجب أن تنتهي في بداية عام 2024، ولكنها استمرت من دون مبرر أو هدف معين أو رؤية سياسية لمستقبل قطاع غزة وكل منطقة الشرق الأوسط. وحتى لو أن الجيش المخول، الذي يجب عليه تنفيذ تعليمات المستوى السياسي، عمل في حالات كثيرة بتهور ومن دون حذر وبعدوانية مفرطة، فقد فعل ذلك من دون أمر أو توجيه من مستوى قيادي كبير للمس بالمدنيين من دون تمييز".
إبادة جماعية وجرائم حرب هي مصطلحات قانونية تتطرق بصورة كبيرة إلى إدراك ومسؤولية من توجد في يده الصلاحية لتحديد أهداف الحرب، وسيرها وحدود القتال وقيود استخدام القوة، كلمات أخرى حذر بها أولمرت من محاولي شرعنة العمليات في غزة.
وتابع، "ما نفعله في غزة هو حرب تدمير، قتل المدنيين من دون تمييز أو حدود، قتل وحشي وإجرامي. نحن نفعل ذلك ليس بسبب فقدان سيطرة طارئة في قطاع معين، وليس بسبب اندفاع عديم التوازن لجنود وحدة ما، بل نتيجة سياسة أملتها حكومة بنيامين نتنياهو عن قصد وبصورة متعمدة وإجرامية وخبيثة وبإهمال. نعم، نحن نرتكب جرائم حرب".
وكان لوقع كلمات رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق تداعيات أوسع والرد عليها أخطر من الرد على تصريحات غولان، حيث عدها قانونيون أدلة للمحكمة الدولية في إدانة جنود ومسؤولين، خصوصاً بعدما راح أولمرت يشرح أيضاً ما أنكرته حكومة نتنياهو من تجويع في غزة.
وقال، "في هذه القضية موقف جهات رفيعة في الحكومة مكشوف وواضح. نعم، نحن نمنع الغذاء والدواء ووسائل العيش بالحد الأدنى عن سكان القطاع كجزء من سياسة معلنة. نتنياهو يحاول كالعادة طمس طبيعة التعليمات التي يعطيها من أجل التملص من المسؤولية القانونية والجنائية في المستقبل. نعم، نحن نقوم بتجويع غزة. لا يوجد أي قيد أخلاقي أو عملياتي لتدمير مليوني فلسطيني".
ولم تسلم وسائل الإعلام أيضاً من أولمرت الذي عد أن معظمها تحاول تلطيف صورة ما يحدث في غزة، مؤكداً أن الصورة التي تظهر في العالم هي أكثر اتساعاً وفي الأساس صادمة "فلم تعد أي إمكانية للتجاهل وهز الرأس وكأن رد العالم على ما يحدث هناك هو بالإجمال اندفاع واسع لـ’اللاسامية’، وأن الجميع في نهاية المطاف يكرهوننا وكلهم لا ساميون".
وحذر أولمرت من تداعيات ارتفاع عدد الدول التي تتخذ إجراءات ضد إسرائيل "هذه الأصوات ستزداد، وهناك خطر من أنه إضافة إلى خطوات محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، في نهاية المطاف، سيجري اتخاذ خطوات حقيقية من العقوبات ضد دولة إسرائيل، التي ثمنها الاقتصادي والسياسي، والعسكري في بعض الحالات، سيكون قاتلاً".