ARTICLE AD BOX

<p>تتولى "مؤسسة غزة الخيرية" مهمة توزيع الغذاء على الغزيين بدلاً من الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة التقليدية (أ ف ب)</p>
قبل نهاية شهر مايو (أيار) الجاري تبدأ "مؤسسة غزة الخيرية" بتوزيع المساعدات الإنسانية على سكان القطاع، بطريقة جديدة تمنع إسرائيل من خلالها حركة "حماس" من السيطرة على المعونات، وفي الوقت نفسه تتجاوز منظمات الأمم المتحدة وتحتكر صلاحيات التحكم بالمستفيدين من الطعام.
طريقة جديدة
وبعد 75 يوماً من فرض حصار محكم على غزة ومنع تدفق الغذاء والمياه والدواء مما تسبب في انتشار الجوع بين السكان، وافقت الحكومة الإسرائيلية ليل أمس الأربعاء على استئناف إيصال المساعدات الإنسانية للقطاع، وستدخل المساعدات إلى غزة وتوزع على سكانها بطريقة جديدة كلياً لم يسبق وأن جرت في أي مكان من العالم، إذ عملت إسرائيل والولايات المتحدة على خلق مبادرة إنسانية تهدف إلى إعادة تنظيم تسليم المعونات بآليات مبتكرة.
وتمثلت المبادرة الإنسانية بتأسيس مؤسسة اسمها "غزة الخيرية" سُجلت في سويسرا ومقرها جنيف، ومهمتها تطبيق نظام جديد لتوزيع المساعدات في القطاع بطريقة تضمن وصول المعونات إلى مستحقيها وعدم استفادة حركة "حماس" منها.
سرقة المساعدات وسوء التوزيع
ولم تولد "غزة الخيرية" من فراغ، إذ إن لبدايتها قصة طويلة بدأت بحظر إسرائيل أنشطة وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) المسؤولة عن حشد التمويل وشراء المساعدات الإنسانية وتوصيلها إلى غزة وتوزيعها على السكان هناك، ومع وقف إسرائيل عمل "أونروا" على خلفية اختراقها من حركة "حماس"، تولت منظمات الأمم المتحدة الأخرى، مثل "برنامج الأغذية العالمي" و"يونيسف"، إضافة إلى مؤسسات إغاثية أخرى توزيع المساعدات على سكان غزة، لكن هذه المعونات كانت تتعرض للسرقة والنهب وتباع في الأسواق بأسعار خيالية، بعدما انهار النظام والقانون وحظرت تل أبيب عمل الشرطة المدنية لأنها تابعة لـ "حماس".
ووجهت إسرائيل على مدى 19 شهراً اتهاماً مباشراً لحركة "حماس" بسرقة المساعدات وبيعها لتحصل على أموال وتعيد تأهيل نفسها عسكرياً، كما اتهمت منظمات الأمم المتحدة بعدم الفعالية في تسلّم وتأمين المعونات وتسليمها، وبعد انهيار اتفاق وقف إطلاق النار الأخير أغلقت إسرائيل معابر غزة ومنعت تدفق الغذاء، وقررت إنشاء طريقة جديدة لتوزيع المساعدات تهدف إلى منع "حماس" من سرقتها، إذ تعتقد تل أبيب أن المساعدات التي تُسرق تعني تمويلاً لـ "حماس"، وهذا يعني حرب للأبد، ومنعها من سرقة المساعدات يعني انهيارها ونهاية قريبة للحرب.
حشد التمويل وشراء المساعدات
وبعد مشاورات مع الولايات المتحدة وضعت إسرائيل خطة مساعدات إنسانية جديدة تقوم على تولي "مؤسسة غزة الخيرية" مهمة حشد التمويل لشراء المساعدات ونقلها للقطاع، وتخزينها وتأمينها ثم توزيعها بآليات مبتكرة تضمن عدم استفادة "حماس" منها،
وتقوم على جمع التبرعات من الراغبين في تقديم العون للغزيين، وحتى الآن ساهمت دول عدة في دفع تبرعات، كما قدمت جمعيات أميركية مساهمات، إذ تستقبل هذه المنظمة أموالاً أو أغذية معلبة.
وبعد حشد التمويل تشتري "مؤسسة غزة الخيرية" المساعدات من الأردن لقربها من غزة، كي تمر الشاحنات من الأراضي الإسرائيلية وتكون تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي ومراقبته، وعندما تصل إلى معبر كرم أبو سالم تدخل إلى القطاع بعد تنسيق مع "مكتب تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية".
مراكز توزيع
ووفقاً لوثيقة "مؤسسة غزة الخيرية" فإنها تعمل على إنشاء أربعة مراكز لتخزين وتوزيع المساعدات في مختلف أنحاء القطاع، الأول في "محور موراغ" والثاني في منطقة "كيسوفيم" والثالث في "محور نتساريم" والرابع في منطقة الشجاعية، وتفيد وثيقة المؤسسة بأن هذه المواقع ستوفر الغذاء والدواء والماء ومستلزمات النظافة والوقود وتوزّع على 1.2 مليون نسمة، إذ يخدم كل مقر 300 ألف شخص، حيث يجري تجهيز كشوف مسبقة بأسماء المستفيدين من المساعدات تُفحص أمنياً في تل أبيب.
وستخصص "مؤسسة غزة الخيرية" نحو 400 نقطة توزيع للمساعدات داخل القطاع، ومن المقرر أن يستخدم عمال الإغاثة سيارات مصفحة وأسلحة خلال نقل المساعدات الإنسانية من مراكز التخزين إلى نقاط التوزيع لمنع المجرمين أو عصابات مرتبطة بـ "حماس" من السيطرة على المعونات.
خبراء للإدارة
وعندما تبدأ عملية توزيع المساعدات تصل رسالة إلى الغزيين تطالبهم بالتوجه إلى مكان التسليم، وهناك لن يحضر الجيش الإسرائيلي لكنه سيكون قريباً من المكان ويراقبه، بينما تتولى شركات أمن خاصة مهمة تأمين الموقع ويشرف عمال إغاثة أجانب على تسليم الحصص الغذائية، ويُشترط أن يُدخل المستفيد بصمة عينه قبل الحصول على الغذاء.
ويدير "غزة الخيرية" مجموعة من الخبراء والمستشارين في إدارة الأزمات، ومن بينهم المدير العام جيك وود، وهو في الأساس محارب قديم في مشاة البحرية الأميركية، والرئيس التنفيذي السابق لـ "المطبخ العالمي الأميركي"، نيك موك، والمدير التنفيذي السابق لـ "برنامج الغذاء العالمي"، ديفيد بيزلي، والذي يتولى الآن منصب المدير التنفيذي لـ "منظمة غزة الخيرية".
لا وقت لانتظار الظروف المثالية
ويقول بيزلي إن "غزة الخيرية" مستقلة ويقودها مدنيون وتهدف إلى إكمال عمل الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة التقليدية لا أن تحل محلها، مضيفاً "هدفنا المساعدة في ضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بأمان وفعالية وعلى نطاق واسع، فلا وقت لانتظار الظروف المثالية، ولدينا مسؤولية أن نتحرك دون أن نتخلى عن قيمنا، وقد طلبنا من إسرائيل توسيع نطاق مراكز توزيع المساعدات لتشمل مناطق غزة كافة، وتوفير حلول لتوصيل المساعدات للمدنيين غير القادرين على الوصول إلى نقاط التوزيع مثل المرضى".
ويوضح بيزلي أن "غزة الخيرية" ترفض سياسة الإخلاء، موضحاً للجيش الإسرائيلي أن "أية عملية إجلاء للفلسطينيين إذا ما اُعتبرت ضرورية نتيجة عمليات عسكرية وشيكة أو جارية، فيجب أن تكون موقتة وطوعية وتهدف فقط لحماية المدنيين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الأمم المتحدة تعارضها و"حماس" ترى فيها خرقاً للقانون الدولي
وتعد فكرة "مؤسسة غزة الخيرية" حلاً بديلاً مختلفاً عن آليات توزيع المساعدات الإنسانية في أي مكان من العالم، إذ تتولى منظمات الأمم المتحدة هذه المهمة عادةً ولكن ليس بالطريقة التي تعمل بها المنظمة الجديدة، ولذلك رفضت الأمم المتحدة التعامل معها.
وتقول مديرة الاتصالات في "أونروا" تمارا الرفاعي إن "الخطة غير قابلة للتنفيذ من الناحية اللوجستية، فهذه الأفكار من شأنها أن تستخدم المساعدات كسلاح من خلال فرض قيود على من يحق له الحصول عليها، ولا يمكنها بأي حال من الأحوال تلبية حاجات سكان غزة، كما أنها ستجبر أعداداً كبيرة على النزوح من خلال دفعهم إلى الانتقال لأماكن أقرب إلى مراكز الإغاثة".
أما نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة فرحان حق فيقول إنه "لا يمكن للأمم المتحدة الانضمام إلى أي جهد لا يحترم مبادئها لتوزيع المساعدات الإنسانية، ومن الخطر أن نطلب من المدنيين الذهاب إلى المناطق العسكرية للحصول على حصصهم الغذائية".
أما السفير الأميركي لدى إسرائيل مايك هاكابي فأكد "ألا أحد يهتم بمساعدة 'حماس' ولذلك ستتدفق المساعدات بطريقة تضمن عدم وصولها إليهم"، ومن جانبه يوضح الممثل الدائم لإسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون أن "حماس" لن تتمكن من الاستفادة من المساعدات الإنسانية.
المتحدث باسم "حماس" سامي أبو زهري قال إن "هذه أداة ابتزاز سياسي، والآلية المطروحة تمثل خرقاً للقانون الدولي وامتداداً لسياسة التجويع والتشتيت التي تمنح إسرائيل وقتاً إضافياً لارتكاب جرائم".