"فراديس" سمير التريكي.. رحلة بين الأرض والجنة

1 week ago 5
ARTICLE AD BOX

في معرضه "فراديس" الذي يُفتتح عند الخامسة من مساء السبت المقبل في فضاء كونسبت ستور بتونس العاصمة، ويستمر حتى 17 يونيو/ حزيران 2025، يواصل الفنان التونسي سمير التريكي بحثه عن جمال مطلق يمزج بين الحساب الهندسي والحدس الفني. المعرض، الذي يحمل عنواناً متعدد الدلالات، يقدم نموذجاً للفن باعتباره جسراً بين الثقافات، حيث تلتقي العربية بالإغريقية واللاتينية في كلمة واحدة تحتضن حلم البشرية بالجنة، حيث يعود الفنان إلى شغفه بالمربع، ذلك الشكل الهندسي الذي لا يفارق أعماله منذ الثمانينيات. 

يتخذ المربع هنا أبعاداً جديدة، إذ يتحول إلى بوابة للمقدس. فكما أن المربع حين يدور حول مركزه يصبح دائرة، فإن الأرضي في أعمال التريكي يدور ليلامس السماوي، من خلال ثلاث عشرة لوحة تقدم تنويعات على هذه الثيمة، إذ تتحول مجموعة المربعات المرصوصة في صيغ شبه عشوائية، إلى عوالم بصرية تذكرنا بحدائق الجنة الموعودة، لتظهر براعة التريكي في تحويل البسيط إلى معقد، والمحسوب إلى عشوائي، مع الحفاظ على تلك التركيبة المقبولة بصرياً.

تظهر الأعمال المعروضة كيف يمكن للتجزئة أن تكون طريقاً إلى الوحدة، وكيف أن الفراغ الفاصل يصبح جزءاً عضوياً من العمل الفني. بعض لوحات المعرض تظهر أيضاً كيف يحوَّل التشظي إلى لغة بصرية للارتقاء، فتتحول القطع المتناثرة إلى ما يشبه درجات سلم يصعد بها المتلقي من الأرضي إلى السماوي.

ويقدم المعرض نموذجاً للعلاقة بين العنوان والمحتوى في أعمال الفنان، فالعنوان قد لا يشير بالضرورة إلى محتوى اللوحات. وهذه المفارقة المتعمدة تخلق حواراً بين المرئي والمقروء، وهو حوار كان التريكي قد خصص له كتاباً كاملاً بعنوان "بين المرئي والمقروء". أما عناوين اللوحات، فتعمل كبوابات تأويلية، تفتح المجال لقراءة العمل الفني وفق تأويلات متعددة.

يبرز في المعرض بعد آخر من تجربة الفنان، وهو اشتغاله على ما ينتقل من حضارة إلى أخرى، ومن لغة إلى لغة. كلمة "فراديس" نفسها، بجذورها العربية والإغريقية واللاتينية واليونانية، تصبح في المعرض نموذجاً لهذا التبادل الحضاري، والأعمال لا تحكي قصة فردوس بعينه، بل تقدم رموزاً بصرية قابلة للقراءة في سياقات ثقافية متعددة. هذه الرؤية الكونية تتجسد في تكرار العناصر الأساسية التي تظهر وكأنها لغة بصرية عالمية، تترجم حلم البشرية المشترك بالجمال والكمال.

أعمال تجمع بين دقة العالم وحدس الفنان، تذكرنا بأن الفردوس قد لا يكون مكاناً، بل حالة ذهنية يمكن تحقيقها عبر إدراك الوحدة الكامنة خلف التنوع، والانسجام الكامن خلف التشظي، كما يقدّمها التريكي عبر مربعاته التي تتحول إلى دوائر، فإن طريق الفردوس يبدأ من إدراك أن كل شيء في هذا الكون مترابط، وأن الفن قد يكون أقرب اللغات إلى هذا الفهم.

Read Entire Article