ARTICLE AD BOX
في عالم رياضة المُلاكمة، تتعدى بعض المنافسات حدود الحلبة، لتتحول إلى صراع ثقافي وأيديولوجي، وهذا ما حدث في العداوة الغريبة بين أسطورة الملاكمة، محمد علي، والمغني الأميركي الشهير، فرانك سيناترا، في قصة نزالات لم تُحسم فقط باللكمات، بل بالكلمات والمواقف، وحتى بالكاميرا.
وحسب تقرير موقع قناة "تي واي سي" الأرجنتينية، أمس الاثنين، بدأت فصول هذه العداوة في عام 1965، عندما واجه محمد علي منافسه فلويد باترسون، في نزال احتدم فيه الصراع بين رؤيتين لأميركا: واحدة يمثلها علي، بعد إسلامه وتبنيه الخطاب الأسود المتحرر، وأخرى يجسدها باترسون، الذي كان أكثر "قبولاً" لدى التيار الأبيض في البلاد.
وبيّن التقرير، أن سيناترا، إلى جانب رجالات المافيا مثل جوزيف "دوك" ستاشر وتشارلز "بيب" بارون، استدعى باترسون إلى جناحه الفخم في لاس فيغاس وأمره: "عليك أن تستعيد اللقب لأميركا"، فسيناترا، الذي كان يرفض إسلام علي وتخليه عن اسمه القديم "كاسيوس كلاي"، رأى في الأخير تهديداً للهوية الأميركية، التي يؤمن بها، أما علي فلم يُخفِ رأيه في باترسون، وسماه في المؤتمرات الصحافية "العم توم"، في إشارة إلى الشخصية التي ترمز لمن يتقبل التبعية البيضاء من السود، وقد علّق علي حينها: "أنا جزء من أميركا، الذي لا ترغبون برؤيته، أسود، واثق ومتعجرف. تعوّدوا عليّ، باسمي وديني".
وكان النزال عنيفاً، وفاز علي بالضربة الفنية القاضية في الجولة الـ 12، لكنه اعترف لاحقاً في سيرته الذاتية "الأعظم"، بأن كلّ لكمة وجّهها إلى باترسون كانت موجهة أيضاً لكل المشاهير والصحافيين البيض، ولـ"فرانك سيناترا" تحديداً، أما باترسون فخسر داخل الحلبة وخارجها، إذ صعد بعد النزال إلى جناح سيناترا معتذراً، ليقابله الأخير بالصمت والازدراء، مديراً له ظهره، ولكن القصة لم تنتهِ هناك، ففي عام 1971، عاد العداء ليتأجج من جديد في نزال "القرن" بين محمد علي وجو فريزر، وكان علي وقتها رمزاً للرفض الشعبي لحرب فيتنام، بينما فريزر هو الملاكم "المقبول" لدى التيار الأبيض، كما كان الحال مع باترسون.
ورغم نفوذه، لم يتمكن سيناترا من الحصول على تذكرة، لكن عبقريته في "التحايل" ظهرت مرة أخرى، بعدما اتصل بمجلة لايف الأميركية الشهيرة، وعرض عليهم أن يعمل مصوراً معتمداً لتغطية النزال، وهو الطلب الذي قبلته المجلة، لتمنحه بطاقة اعتماد رسمية. وفي واحدة من مفارقات التاريخ، التقط سيناترا صورة حصرية من جانب الحلبة، ظهرت لاحقاً على غلاف المجلة الشهير، مصحوبة بخمسة أسطر فقط: إشادة بالصورة وترويج لتقرير الكاتب نورمان ميلر، وانتهى النزال بخسارة علي، في أول هزيمة له بعالم الاحتراف، ولينجح فريزر في الاحتفاظ باللقب، سيناترا، وعلى بُعد خطوات من الحلبة، شهد اللحظة التي انتظرها طويلاً، مختتماً "عداوته" مع علي بفوز رمزي: 2-1، خسارة في 1965، انتصار في 1971، ولقطة تاريخية خلّدته بصفته مصوراً في نزال أسطوري.
