ARTICLE AD BOX
خيّم الاضطراب على أسواق المال الأميركية والعالمية مجدداً، إذ سادت المخاوف بشأن تفاقم فقاعة الدين العام الأميركي، بعدما شهدت هدوءاً نسبياً خلال الأيام الماضية، في أعقاب رسائل الهدنة الاضطرارية التي بعث بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن حرب الرسوم الجمركية الواسعة التي شنّها في إبريل/ نيسان الماضي، ولا سيّما على الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وشهدت الأصول الأميركية انخفاضاً حاداً، أمس الاثنين، مع تصاعد المخاوف المالية عقب تجريد البلاد من أعلى تصنيف ائتماني "AAA"، وتجاوز مشروع قانون الضرائب الذي أصدره الرئيس دونالد ترامب عقبة رئيسية في الكونغرس، يوم الأحد الماضي، والذي من المتوقع أن يؤدي إلى زيادة العجز الفيدرالي وإضافة الولايات المتحدة المزيد من الديون، إذ يتضمن مئات المليارات من الدولارات من التخفيضات الضريبية الجديدة التي لا تُعوّض بتغييرات في الإنفاق.
وارتفع عائد سندات الخزانة الأميركية لأجل عشر سنوات، أمس الاثنين، إلى 4.51% في التعاملات الآسيوية، بعد أن أغلق عند 4.44% يوم الجمعة، كما ارتفع عائد سندات الخزانة لأجل 30 عاماً إلى أكثر من 5%، بزيادة تبلغ نحو 0.06 نقطة مئوية، وهو أعلى مستوى لها منذ 9 إبريل/ نيسان الماضي، عندما أثارت رسوم ترامب الجمركية موجة بيع عالمية للأصول الأميركية، كذلك انخفضت العقود الآجلة للأسهم الأميركية لمؤشري "ستاندرد آند بورز 500" و"ناسداك" بنسبة 1% و1.3% على التوالي، وارتفعت أسعار الذهب بنسبة 0.5% لتصل إلى 3216 دولاراً للأونصة (الأوقية)، وانخفض الدولار الأميركي بنسبة 0.3% مقابل سلة من العملات.
ترامب يدعو لتمرير مشروع قانون الضرائب "الجميل"
قال رئيس استراتيجية أسعار الفائدة الأميركية في بنك سوسيتيه جنرال، سوبادرا راجابا، لصحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، أمس، إن مشروع قانون الضرائب يساهم في رفع المديونية طويلة الأجل. ويوم الجمعة الماضي، صوّت خمسة نواب جمهوريين من لجنة الميزانية في مجلس النواب ضد مشروع القانون، ما أدى إلى عرقلة تقدمه. لكن بعدها بيومين جرى تمرير مشروع القانون بفارق ضئيل في تصويت اللجنة، يوم الأحد. وضغط ترامب على نواب حزبه للتصويت لصالح مشروع القانون، وكتب ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي، يوم الجمعة: "يجب على الجمهوريين أن يتّحدوا وراء مشروع القانون الكبير والجميل... لسنا بحاجة إلى متباهين في الحزب الجمهوري. كفوا عن الكلام، وأنجزوا الأمر".
ومن المتوقع أن يؤدي التشريع، إلى زيادة العجز الفيدرالي، الذي بلغ 6.4% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، وهو أعلى بكثير من المستويات التي يراها الاقتصاديون مستدامة على المدى الطويل. ويعني العجز الأكبر ارتفاع معدلات الاستدانة عبر طرح المزيد من سندات الخزانة. وبينما تعتقد إدارة ترامب أن التخفيضات الضريبية ستعزز النمو، وتزيد الإيرادات، وتخفض عجز الولايات المتحدة، فإنّ لجنة الموازنة الفيدرالية تتوقع أن فاتورة الضرائب قد تضيف ما يصل إلى 5.2 تريليونات دولار إلى الدين الوطني على مدى 10 سنوات، ويبلغ الدين الحكومي نحو 36.2 تريليون دولار، في حين يبلغ عجز الموازنة الفيدرالية حوالى تريليوني دولار سنوياً.
ويأتي قلق أسواق المال من تمرير قانون الضرائب، متزامناً مع تجريد وكالة "موديز" الولايات المتحدة من تصنيفها الائتماني الممتاز "AAA" للمرة الأولى في التاريخ، محذّرة من ارتفاع مستويات الدين الحكومي، وتفاقم عجز الموازنة في أكبر اقتصاد عالمي، وتتوقع الوكالة أن يرتفع عبء الدين الفيدرالي إلى حوالى 134% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2035، مقارنة بنحو 98% في عام 2024، كما تتوقع أن ينمو العجز الفيدرالي إلى 9% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بحلول عام 2035.
وقالت كبيرة استراتيجيي الاستثمار في "ساكسو ماركتس" في سنغافورة، تشارو تشانانا، لوكالة بلومبيرغ، إنّ "خفض موديز رمزي أكثر مما هو تحول جوهري"، مضيفة أنه "يضعف الثقة، خاصة في ظل تصدّر المخاوف من الدين والعجز للمشهد... هناك خطر من أن يتحول هذا إلى قضية سياسية".
وبهذا تنضم "موديز" إلى وكالتَي "فيتش" و"ستاندر آند بورز" في تصنيف أكبر اقتصاد في العالم دون الدرجة الثلاثية الممتازة، ورغم اعتراف "موديز" بالقوة الاقتصادية والمالية الكبيرة للولايات المتحدة، إلا أنها لم تعد ترى أن هذه العوامل تعوّض بالكامل تدهور المؤشرات المالية، بحسب ما قالت شركة التصنيف.
من جانبه، قلل وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت من أهمية القلق بشأن ديون الحكومة الأميركية والتأثير التضخمي للرسوم الجمركية، قائلاً إنّ إدارة ترامب عازمة على خفض الإنفاق الفيدرالي وتنمية الاقتصاد، لكنّ خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة والمخاوف بشأن الديون الناجمة عن تشريع خفض الضرائب قد يؤدي إلى المزيد من التأثيرات السلبية على أسواق المال، لا سيّما إذا تزعزعت مكانة سندات الخزانة الأميركية ملاذاً آمناً، ومن المرجّح أن يحفز ذلك المستثمرين العالميين على طلب علاوات أعلى مقابل شراء الديون الأميركية.
فقدان الثقة في السياسات الأميركية
وقالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد في مقابلة نُشرت مع صحيفة "لا تريبيون ديمانش" يوم السبت، إن تراجع الدولار مؤخراً مقابل اليورو يعكس "حالة من عدم اليقين وفقدان الثقة في السياسات الأميركية" في بعض أوساط الأسواق المالية. وشهدت الأصول الأميركية عمليات بيع مكثفة الشهر الماضي بعد قرار ترامب في الثاني من إبريل/ نيسان بفرض رسوم جمركية شاملة على شركاء تجاريين، منهم حلفاء استراتيجيون رئيسيون مثل اليابان قبل أن يعلن بعدها بأسبوع تعليق العمل بهذه الرسوم لمدة 90 يوماً، وقلّصت الصين حيازاتها من سندات الخزانة الأميركية في مارس/آذار الماضي، لتحل المملكة المتحدة مكانها كثاني أكبر مالك أجنبي لهذه السندات.
وتمتد المخاوف من تداعيات عدم السيطرة على الديون الأميركية وارتفاع العوائد عليها إلى الأسواق العالمية، إذ فتحت الأسهم الأوروبية على انخفاض، أمس، لتقطع سلسلة من المكاسب استمرت خمسة أسابيع، كما أغلق المؤشر "نيكاي" الياباني متراجعاً بنسبة 0.68% إلى 37498.63 نقطة، وانخفض المؤشر توبكس الأوسع نطاقاً 0.08% إلى 2738.39 نقطة.
عندما تجفّ منابع المال يبدأ الغضب الشعبي
أشار المحلل الاقتصادي روبرت بيرغيس في مقال رأي نشرته "بلومبيرغ" إلى أنّ ارتفاع أسعار الفائدة دفع أميركا لإنفاق 1.13 تريليون دولار على خدمة الدين في 2024، أي ضعف السنوات السابقة، وأضافت الولايات المتحدة منذ عام 2019 نحو 13 تريليون دولار إلى دينها العام لدعم الاقتصاد خلال جائحة فيروس كورونا وتمويل أجندات الرئيسَين الحالي دونالد ترامب والسابق جو بايدن، وتتمثل المخاوف في أن يصل الدين الفيدرالي إلى مستويات تجعل عائدات الضرائب غير كافية لتغطية فوائد الديون، ما سيُضطر الحكومة إلى الاقتراض من جديد لسداد الفوائد، وهو سيناريو يُعرف بين الاقتصاديين بـ"قنبلة الدين" وفق بيرغيس.
وأعلنت وزارة الخزانة، يوم الجمعة الماضي، أن المستثمرين الأجانب أضافوا 233 مليار دولار إلى حيازاتهم من السندات الحكومية الأميركية في مارس/آذار، بعد أن أضافوا 257 ملياراً في فبراير/شباط، في أكبر شهرَين متتاليَين من حيث حجم الشراء على الإطلاق.
ووفق بيرغيس "تُظهر دروس التاريخ العديد من الأمثلة التحذيرية لإمبراطوريات ودول عظمى اندثرت بسبب استهتارها المالي، وعندما تجف منابع المال، يبدأ الغضب الشعبي"، وقال: "من المؤسف أن قلّة من السياسيين في واشنطن تأخذ هذه الأزمة على محمل الجد، مفضلين إدارة الشؤون اليومية من دون اعتبار لمستقبل البلاد، ومجرد كون الولايات المتحدة القوة الاقتصادية الأولى في العالم حالياً، لا يعني بالضرورة أنها ستحتفظ بهذه المكانة في المستقبل".
