فلسطينيو غزّة يحرقون الأحذية والملابس والبلاستيك لطهي الطعام

1 week ago 7
ARTICLE AD BOX

وسط ركام المنازل وغياب أدنى مقومات الحياة، يحرق عشرات آلاف الفلسطينيين في قطاع غزة العديد من المواد التي تشمل الأحذية والأقمشة البالية وقطع النايلون والبلاستيك لطهي الطعام، في ظل عدم توفر أية بدائل، نتيجة ندرة الحطب ومنع إدخال غاز الطهي منذ ما يزيد على 19 شهراً.

لا يأبه هؤلاء للأضرار الصحية الناجمة عن إشعال هذه المواد التي تنبعث منها أدخنة سوداء وروائح سامة تحتوي على مواد كيميائية، ما ينذر بمخاطر كبيرة على صحة أفراد عائلاتهم، خصوصاً الأطفال وكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة. ويتزامن ذلك مع استمرار إغلاق الاحتلال المعابر مع القطاع منذ الثاني من مارس/ آذار الماضي، ومنع دخول المساعدات الإغاثية والغذائية، ما يدفعهم إلى تناول الأطعمة المُعلبة التي تحتوي على المواد الحافظة التي تسبب الأمراض، ما يجعل الضرر الصحي مضاعفاً.
في صبيحة كل يوم، يخرج الشاب يوسف مطر مع طفله للبحث عن الأحذية المهترئة وأكياس النايلون وأي قطع بلاستيكية بين أكوام القمامة المكدسة في الشوارع من أجل استخدامها في إشعال النار لطهي الطعام. يقول الفلسطيني الذي نزح من بيت حانون شمالي القطاع إلى حي الشيخ رضوان غربي مدينة غزة لـ"العربي الجديد": "نجمع بعض القطع البلاستيكية والأحذية لإشعال نار الطهي نظراً لعدم قدرتي على شراء الأخشاب نتيجة ارتفاع أسعارها، إذ وصل سعر كيلو الحطب الواحد إلى أربعة شواكل". ويضيف مطر الذي يعيل أسرة مكونة من ستة أفراد: "تزداد الأوضاع صعوبة مع كل رحلة نزوح جديدة، وأعيش حالياً أوضاعاً قاسية كوني أعتمد على المساعدات الإغاثية والتكيات الخيرية، وقد أصبحت مجبراً على طهي الطعام أمام الخيمة، ولا أجد سوى أكياس النايلون وقطع البلاستيك التي تبث الدخان الضار. أصبحت لا أهتم بالأوضاع الصحية في سبيل توفير لقمة طعام تسد جوع أطفالي، ومع استمرار إغلاق المعابر، لم يعد يتوفر لدينا عيدان الكبريت الخاصة بإشعال النار، وإذا توفرت يصل سعر العلبة الواحدة إلى سبعة شواكل، وهذه معاناة إضافية".
الحال نفسه يعيشه المُسن الفلسطيني مصطفى عبد الله، والذي يتكئ على عكازه لقضاء احتياجات أسرته. ويقول لـ "العربي الجديد" والحسرة ترافق صوته: "تزداد الأوضاع صعوبة كل يوم بسبب استمرار إغلاق المعابر، وبالكاد نستطيع توفير الطعام. أنا مُصاب بالسرطان، والأكل المتوفر لا يمكّنني من مقاومة المرض، وكل يوم أرسل ابنتي للبحث عن النايلون والأحذية البالية أو أي شيء يمكن استخدامه في إشعال النار، رغم أن هذه المواد تخلف أضراراً كبيرة على صحتي. نأكل المرض والسموم".

تجلس الفلسطينية حليمة حمد أمام خيمتها في أحد مخيمات النزوح في مدينة غزة، تطهو القليل من العدس المتوفر لديها، والدخان الأسود والروائح الكريهة تنبعث من النار المشتعلة أمامها، وتقول لـ "العربي الجديد": "نعيش هذه المعاناة يومياً، إذ لا تتوفر الأخشاب، ولا نقدر على شرائها، فنضطر لإشعال النايلون والبلاستيك، رغم أنها مصدر أساسي للأمراض". تشير إلى مجموعة من الأحذية البالية وخراطيم المياه البلاستيكية من حولها، وتضيف: "منذ نزوحنا الأخير بعد استئناف الحرب، تزايدت معاناتنا، خصوصاً في ظل عدم توفر الطعام، والعيش على القليل من المُعلبات، وبعض العدس والأرز، ويزيد ذلك طهي الطعام على نار نشعلها بواسطة مواد تنشر السموم والأمراض في أجسادنا".
ويُعد حرق البلاستيك أحد أخطر الممارسات المنزلية، إذ يؤدي إلى تلوث الهواء داخل البيوت، وتسرّب السموم إلى الطعام، ما يُسبب التهابات حادة في الجهاز التنفسي، خصوصاً لدى الأطفال وكبار السن. ويُحذر مدير دائرة الصحة والبيئة في وزارة الصحة، أيمن الرملاوي، من خطورة حرق الأحذية والبلاستيك والمواد البترولية، لما له من آثار خطرة على الصحة.
يقول الرملاوي لـ "العربي الجديد": "حرق هذه المواد يُنتج أبخرة وغازات سامة تؤثر مباشرة على الجهاز التنفسي، وقد تؤدي إلى الإصابة بأمراض مزمنة، أو سرطانات على المدى البعيد، لا سيّما أن غالبية هذه المواد البلاستيكية تُصنع من مشتقات البترول، وتحتوي على مركبات هيدروكربونية شديدة السمُية، مثل أول وثاني أكسيد الكربون، إضافة إلى مركبات عضوية تتطاير عند الاحتراق، خاصة عند استخدام الأوعية القديمة أو الملابس المصنعة من البوليستر في إشعال النار".

ويضيف أن "حرق البلاستيك لتسخين المياه أو إعداد الطعام يسبب تسرب الأبخرة السامة إلى الطعام والماء، ما يؤدي إلى تراكم السموم داخل الجسم، ويُشكل خطراً حقيقياً على الأعضاء، إذ تتسبب هذه السموم في التهابات صدرية حادة، وأزمات في الشعب الهوائية، وضيق تنفس مستمر، والتأثيرات لا تقتصر على الآثار اللحظية، بل إن الاستخدام المتكرر، واستنشاق هذه الغازات لفترات طويلة قد يؤدي إلى أمراض مثل السرطان، خاصة مع تدهور النظام الغذائي وضعف المناعة الناتج عن سوء التغذية، والسيدات اللواتي يستخدمن البلاستيك لإشعال النار معرضات أكثر لهذه المخاطر".
ويبين الرملاوي أن "هذه المواد يحرّم دولياً استخدامها إلا ضمن شروط وقائية صارمة، بينما الواقع الصحي الحالي في غزة يُظهر حجم الكارثة، إذ تشهد العيادات تزايداً في أعداد المصابين بأمراض تنفسية حادة من الأطفال وكبار السن، وسط نقص حاد في الأدوية. الغازات المتصاعدة من حرق المواد البترولية ينتج عنها خليط سام يؤدي إلى أزمات صدرية، ويحول دون التبادل الطبيعي للأوكسجين داخل الجسم، ما يُهدد الحياة مباشرة".

Read Entire Article