قانون الأحوال الشخصية يثير الجدل بعد تطبيقه: النساء بين التمييز القانوني والانقسام المجتمعي

15 hours ago 4
ARTICLE AD BOX

متابعة/ المدى
يعيش المجتمع العراقي انقساماً نتيجة التداعيات الاجتماعية والقانونية لتطبيق قانون الأحوال الشخصية الجديد، الذي صادق عليه البرلمان في 1 آذار الماضي، فبينما يراه مؤيدوه، وغالبيتهم من الأحزاب الدينية الشيعية، خطوة نحو تعزيز الخصوصية المذهبية، يصفه معارضوه، وغالبيتهم من التيارات المدنية، بأنه مدخل لتكريس الطائفية القانونية ويحمل تمييزاً بحق النساء.
وتؤكد الجهات الرسمية أن القانون يهدف إلى احترام الخصوصيات الدينية للمواطنين العراقيين، وتوفير بيئة قانونية مرنة. لكن تطبيقه أثار جدلاً واسعاً حول احتمالات التمييز وتعقيد الإجراءات القضائية.
وأنهى القانون الجديد العمل بقانون الأحوال الشخصية المعمول به منذ خمسينيات القرن الماضي، والذي كان قانوناً مدنياً بلا صبغة مذهبية أو طائفية، بينما القانون الجديد ينص على تنظيم شؤون الأسرة والزواج والطلاق والحضانة والميراث وفق المبادئ الدينية التي تختارها الأطراف المتنازعة، ما يعني أنه يحق لكل طائفة تنظيم شؤونها.
ويسمح القانون الجديد بتعدد الزوجات وفق شروط، ويمنح الولي حق تزويج الفتاة القاصر بشرط موافقة المحكمة، كما ينص على أن مسائل الحضانة والطلاق يجب أن تُحال إلى الجهات القضائية التابعة لطائفة الطرفين، مع إمكانية الرجوع إلى القضاء المدني في حال عدم التوافق.
من بغداد، تقول إيناس أحمد (33 سنة): "أُجبرت بعد طلاقي على تسليم طفلتي لزوجي السابق الذي استند إلى قانون الأحوال الشخصية الجديد، ما جعله يحصل على حضانة الطفلة بعد عمر سبع سنوات، رغم أن المحكمة المدنية كانت قد منحتني الحضانة سابقاً. لا أعرف إلى أين ألجأ، وأشعر أنني فقدت العدالة بسبب قانون لا يمثلني".
ويؤكد المحامي علي كريم أن "أكثر من 60% من القضايا المتعلقة بالنفقة والحضانة شهدت تأخيراً في البتّ بسبب تضارب المرجعيات القانونية. الدوائر القضائية باتت في حيرة بين تطبيق القانون المدني أو الرجوع إلى المؤسسات الدينية، ما تسبب في فوضى قانونية وشكاوى واسعة".
وتشير المحامية نور الطائي إلى زيادة حالات الطعن في قرارات الطلاق قائلة إن "قيام الرجل بالطلاق وفق مذهب معين لا يُقرّ للمرأة الحضانة بعد عمر محدد، ما دفع الكثير من النساء إلى رفض اللجوء إلى المحاكم الدينية. الساحة القضائية تشهد انقساماً واضحاً بين القضاة؛ فبينما يلتزم البعض بتنفيذ التعديلات القانونية الأخيرة، لا يزال آخرون يرفضون الانصياع لها، ويصرّون على المطالبة بأدلة وحجج تثبت أحقية المرأة. في مدينة الصدر حيث أعمل، لم تُطبق المحاكم هذه التعديلات، ما يشير إلى تباين كبير في تطبيق القانون بين منطقة وأخرى".
وتضيف: "طلبات تحويل القضايا من المذهب الحنفي إلى الجعفري زادت بعد إقرار القانون، ما يُعد استغلالاً للثغرات القانونية على حساب المرأة وحقوقها، خاصة في قضايا الحضانة والنفقة. هذا التلاعب يؤدي إلى مزيد من الظلم والأذى للمرأة وأطفالها. تتحمل المرأة اليوم أعباء نفسية وجسدية جسيمة، وتواجه أنواعاً متعددة من العنف من دون حماية قانونية كافية، فالقانون لا ينصفها، حتى في أقسى ظروفها".
من جانبه، يقول الخبير القانوني هلال الزيدي إن "التشوش في المرجعيات القانونية يدفع كثيرين إلى العزوف عن اللجوء إلى القضاء، ما يعمّق أزمة الثقة بالمؤسسات العدلية. رغم محاولات الجهات الحكومية طمأنة الشارع، إلا أن المطالبات تتزايد بمراجعة القانون، وإجراء حوار مجتمعي شامل، ومنظمات حقوق الإنسان ترى أن المرأة والطفل هما أكبر ضحايا القانون الجديد، وأعتقد أنه لا يزال بعيداً عن التوافق المجتمعي، ويحتاج إلى توازن بين الخصوصية الدينية وحقوق المواطنة".
بدورها، ترى الباحثة هند العامري أن "مجلس النواب يسعى من خلال بعض القوانين والتعديلات إلى الحفاظ على كيان الأسرة والحد من الطلاق والتفكك الأسري، إلا أن هذه المساعي تؤدي إلى نتائج عكسية، إذ تغفل الضغوط الهائلة التي تتعرض لها النساء داخل الأسر، وتركهن من دون حماية أو دعم فعلي".
وتقول: "بدلاً من أن يُصلح القانون الجديد الواقع الأسري، فإنه أضرّ به بطريقة غير مباشرة، فبدلاً من تقوية الروابط الأسرية، زاد من الكبت والظلم، وقد يؤدي إلى ارتفاع حالات الانتحار أو الهروب بين النساء اللاتي خضعن لنصوصه، ومن ذلك من يفرض عليهن الزواج، أو يؤخذ أولادهن منهن، مئات النساء وجدن أنفسهن محاصرات من دون مخرج، وحماية الأسرة لا يمكن أن تتحقق عبر فرض البقاء القسري، بل من خلال ضمان الحقوق، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي".

The post قانون الأحوال الشخصية يثير الجدل بعد تطبيقه: النساء بين التمييز القانوني والانقسام المجتمعي appeared first on جريدة المدى.

Read Entire Article