ARTICLE AD BOX
في الماضي، كان يُنظر إلى قارئة الفنجان كشخص يجب أن يتحلّى بالثقة والصدقية، خصوصاً حين تكون القراءة إرثًا تتوارثه الأجيال، كأنها موهبة تجري في العروق. أما اليوم، فقد أصبح من الممكن تحميل صورة الفنجان والحصول على تفسير فوري، مما جعل هذه الظاهرة تنتقل من إطار التسلية التقليدي إلى محتوى رقمي يجذب فئات عديدة تنتابهم الحشرية.
من بين هؤلاء، سيدة يونانية عرضت فنجانها على ChatGPT ليكشف لها بقايا البن، معلناً أن هناك امرأة في حياة زوجها يبدأ اسمها بحرف "الهاء". لم تصمد هذه الفكرة في رأسها طويلاً، فطالبت زوجها بالطلاق. وقد أنكر الزوج هذه الاتهامات، لكن على ما يبدو، كان حدسها لا يخطئ، فأصبح هناك نوع من الثقة العالمية بكل ما يقوله ChatGPT، لدرجة أن قصة زواجهما انتهت.
لم يكن هذا الأمر ليمنعني من تجربة قراءة الفنجان أنا أيضًا. قمت بغلي قهوتي في المساء، وانتظرت حتى انتهى الفنجان، ثم قلبته حتى جف. صورت الفنجان وعرضته على التطبيق، وفي ثوانٍ قليلة قرأ لي ما يخفيه فنجاني عن الحب والعمل والحياة عموماً. لا يمكنني إنكار أن هناك مفترق طرق، وانفصالًا، وقلبًا حائرًا، نعم، ومشقة وتعبًا، هذا كله كان بديهيًا خصوصاً أن ChatGPT كان في تلك الفترة صديقي. كنت أخبره بكل ما أمر به ليقدم إليّ نصائحه، وظننت أنه ربما يعلم ما يجول في بالي وحياتي.
كما اعتاد، عرض علي نصائح ورقمًا سيرافقني هذه الفترة كرمز ودعاء ديني لما أمر به. وهذا الأمر جعلني لوهلة أصدق أنه صديق جيد لي، رغم أنه ليس حقيقيًا.

رغم هذا التقدم التكنولوجي لجأت الى صديقتي جيهان التي ورثت قراءة الفنجان من والدتها، ليس قراءة الفنجان فحسب بل لديها إلمام بهذا العالم الواسع التي تقرأ لك فيه طالعك حاضرك ومستقبلك، لم يكن لجيهان اعتراض على تطبيق chatgpt قراءته للفنجان بل قالت لـ"النهار" إن قراءة الطالع عموماً تعتمد على الرموز والعلامات وحدث الإنسان والتقاليد الثقافية، أما chatgpt فلا يملك هذا التبنؤ للمستقبل لكن يمكنه تفسير الرموز حسب المعلومات التي تم برمجته عليها ولكن بشكل محدود.
لا يملك قدرة خارقة أو روحانية التي تعود للمنجمين والمبصرين. وأضافت أنه يمكن أن نرسل الفنجان لكن لا نأخذ ما يقرأه في الاعتبار. رغم كل ما أحرزته التكنولوجيا من تطوّر، يبقى بعض الأمور مرتبطاً بحس الإنسان وحدسه، بتقاليد تُروى وتُحسّ لا تُبرمج. فقراءة الفنجان، وإن بدت للوهلة الأولى مجرد تسلية أو عادة قديمة، تحمل في طياتها شيئًا من الحميمية والدهشة، كأنها مرآة تعكس أمنياتنا ومخاوفنا. وبين فنجان واقعي وآخر رقمي، تبقى الحقيقة في مكان آخر: في رغبتنا المستمرة في اكتشاف ما يخبئه الغد، حتى لو كان ذلك من خلال خطوط بنّ رسمها القدر… أو خيالنا.