ARTICLE AD BOX
في الأيام الأخيرة، تداولت وسائل التواصل الاجتماعي أنباء غير مؤكدة بشأن نية الحكومة المصرية إلغاء الهيئة العامة لقصور الثقافة، وهي المؤسسة التي تشرف منذ ستينيات القرن الماضي على أكثر من 500 مركز ثقافي موزع في مختلف المحافظات. وتُعد الهيئة ركناً أساسياً في الحياة الثقافية المصرية، إذ تنظم ورشاً فنية وعروضاً مسرحية ومسابقات في مجالات إبداعية متعددة، وتدير مكتبات عامة، كما تصدر سنوياً عدداً من السلاسل المعنية بالفلسفة والأدب والمواهب الأدبية الجديدة، إلى جانب نشرتها الإلكترونية "مسرحنا".
ورغم أن مصدر هذه الشائعات لا يزال غير معروف على وجه الدقة، استدعت ردّاً رسمياً من وزارة الثقافة، التي نفت صحة ما يُتداول، مؤكدة أن الأمر لا يتعدى كونه خطة لتجديد بعض المباني الثقافية وتأهيلها بهدف رفع كفاءتها. في المقابل، تشير الأخبار المنشورة على الموقع الرسمي للهيئة إلى تحضيرات جارية لافتتاح قصور ثقافية جديدة أو تحديث عدد منها، سواء في مناطق نائية مثل الصعيد وسيناء أو في نطاق القاهرة الكبرى، وهو ما يدحض فعلياً فكرة الإغلاق أو الإلغاء.
تعود فكرة تأسيس قصور الثقافة إلى وزير الثقافة المصري الراحل ثروت عكاشة، الذي نفّذ مشاريع طموحة في الستينيات، تسعى إلى نقل الثقافة من دائرة النخبة في العاصمة إلى جمهور أوسع في أنحاء البلاد، إذ رسم ملامح سياساته في كتابه المنشور "مذكراتي في السياسة والثقافة"، التي استوحاها من النماذج الاشتراكية الأوروبية آنذاك، مؤمناً بأن "العدالة الاجتماعية لا تتحقق دون عدالة ثقافية".
استدعت ردّاً رسمياً من وزارة الثقافة التي نفت صحة ما يُتداول
ولم تقتصر إنجازاته على قصور الثقافة، بل شملت أيضاً إنشاء دار الأوبرا المصرية الجديدة، ومتحف الفن الحديث، والهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية، وأكاديمية الفنون، وإقامة وتطوير العديد من المسارح ودور السينما ومؤسسات الإنتاج السينمائي، إلى جانب معرض القاهرة الدولي للكتاب، وغيرها من الإنجازات والمؤسسات التي تمثّل اليوم عصب النشاط الثقافي الرسمي في مصر.
رغم هذا الإرث، تواجه الهيئة اليوم العديد من التحديات، من بينها ما كشفه وزير الثقافة المصري أحمد هِنو مؤخراً من قرارات اللجنة التي شُكّلت لتطوير الهيئة، وأوصت بضرورة استحداث بدائل ثقافية فعّالة لبعض قصور الثقافة غير المؤهلة لتقديم خدماتها للجمهور. وكان من بين توصيات اللجنة إعادة تقييم القصور الصغيرة المساحة، ومعالجة المركزية المفرطة في التمويل والإدارة، وتحديث آليات العمل بما يتماشى مع العصر الرقمي، لضمان وصول الثقافة إلى جمهور أوسع وبأساليب حديثة.
لكن هذه التوصيات لا تعني الإلغاء، بل تهدف إلى إعادة هيكلة أكثر كفاءة، بحسب الوزير. ومع ذلك، تثير بعض التحولات تساؤلات مشروعة حول أسباب تراجع بعض قصور الثقافة لتصبح مجرد مكاتب بلا أنشطة، ولماذا تتكرر الشائعات عن إغلاقها. ومن اللافت أن الحديث عن إغلاق قصور الثقافة، أو إلغاء وزارة الثقافة بالكامل هو أمر تكرر أكثر من مرة في العقد الأخير.
ليست الإشاعات حول إغلاق مؤسسات ثقافية في مصر ظاهرة جديدة، لكنها تعكس أحياناً نزاعات خفية حول أولويات الإنفاق العام، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية، إذ تبرز أصوات تطالب بتقليص الدعم للثقافة لصالح التعليم أو الصحة، وكأن الثقافة ليست جزءاً من الأمن القومي، أو سلاحاً في مواجهة التطرف والجهل، كما أنّ غياب الشفافية أحياناً عن خطط التطوير المؤسسي يخلق فراغاً يُملأ بالتكهنات.
ضمن هذا السياق، يبرز سؤال جوهري اليوم عن مستقبل هذه المؤسسات، ليس فقط من خلال الحفاظ عليها كما هي، بل في تحويلها إلى منصات ديناميكية تعتمد اللامركزية في الإدارة، وتستوعب تطلعات الشباب عبر الانفتاح على الفنون المعاصرة، وتقديم الدعم المالي اللازم لإنجاح فعاليات ومشاريع نوعية.
