ARTICLE AD BOX
لم ترقَ القمّة العربية الـ34 التي استضافتها بغداد أول من أمس السبت إلى مستوى التحدّيات المتكالبة على المنطقة. كانت قمّةً ضعيفةً في مبناها ومعناها. حضرها ثمانية قادة فقط، بمن فيهم رئيس وزراء العراق، الدولة المضيفة، وشاركت 13 دولة بمستويات تمثيل متفاوتة، فيما لم تحضرها ليبيا. وبالطبع، لم تكن هذه الخريطة التمثيلية كافيةً للخروج بأيّ قرارات أو مواقف عربية ذات قيمة بشأن القضايا والأزمات المنتشرة في أنحاء المنطقة، خاصّة أن الدول المحورية وذات الثقل في المنطقة لم يحضر قادتها بأنفسهم، باستثناء مصر وقطر. فالمسألة ليست في عدد القادة المشاركين فقط، لكن لأوزان الدول المشاركة في الساحة العربية دلالة بليغة لجهة جدوى القمة وفعّاليتها ومخرجاتها، فضلاً عن دلالة ذلك بالنسبة إلى تقدير تلك الدول أهمية القمّة وجدواها، بل ربّما العمل الجماعي، والتنسيق العربي المشترك إجمالاً.
ثمّة مقارنة لها مغزاها بين قمّتي بغداد والرياض التي سبقتها بثلاثة أيّام فقط، لدول مجلس التعاون الخليجي مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وحضرها زعماء دول الخليج العربية (باستثناء رئيس الإمارات وسلطان عُمان). بينما لم تحظ قمّة بغداد بما تستحقّه من تقدير خليجي سوى من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. وبالنظر إلى نتائج القمّة، نجدها ضئيلةً ومنكمشةً إلى حدّ بعيد. ولم تستجب بأيّ صورة إلى حزمة التحدّيات والأوضاع المتردية التي تضرب المنطقة في غير مكان بجسدها الذي أنهكته النزاعات والمشكلات، بل إن قمماً عربيةً سابقةً كانت أشدّ قوّةً في مواقفها إزاء قضايا وتطوّرات أقلّ خطورة وأهمية من تلك الحالية.
أجمعت كلمات المشاركين في قمّة بغداد على ضرورة وقف العدوان الإسرائيلي المستمرّ على قطاع غزّة، وحرب الإبادة التي يباشرها جيش الاحتلال بحقّ المدنيين الفلسطينيين العزّل، أي إن الجميع طالبوا بوقف تلك الجرائم ضدّ الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل. والسؤال: إذا كان العرب اجتمعوا ليطالبوا، فمن الذي سينفّذ؟ من الذي سيباشر إجراءً (أو تحرّكاً) عملياً لتحقيق هذا المطلب؟... لقد حضر رئيس الوزراء الإسباني قمّة بغداد وضمّن كلمته المطالبة نفسها، وهو بذلك أفضل في موقفه من العرب، لأنه أوروبي ضيف غير معني بالقضية الفلسطينية ومصيرها، لكنّه متعاطف إنسانياً مع غزّة وأهلها.
إذاً، لا موقفَ سياسياً يُذكر أو يُسجّل لقمّة بغداد، لا بالنسبة إلى غزّة ولا إلى غيرها، وهو ما تأكّد يقيناً في البيان الصادر عن القمّة، "إعلان بغداد". إذ كرّر البيان أكثر من سبع مرات ألفاظاً متشابهة، تراوح بين الإدانة والمطالبة وتأكيد الرفض، وما إلى ذلك من توصيفات وتعبيرات. ولم تقتصر هذه اللغة الإنشائية على الملفّات المزمنة التقليدية مثل فلسطين أو الملفّ الإيراني أو الأمن المائي العربي، وإنما انتقلت العدوى إلى الأزمات والقضايا المستحدثة أو المتجدّدة، فشملت الإداناتُ والرفضُ والمطالباتُ كلّاً من الاشتباكات المسلّحة التي وقعت في غرب ليبيا قبل انعقاد القمّة وفي أثنائها، وكذلك الوضع الميداني المتأزم في السودان وفي اليمن. وفي كلّ الحالات كانت القمّة تقرن الإدانة والرفض بدعوة إلى وقف التدخّلات الأجنبية في هذا البلد أو ذاك. ومن ثمّ، يظلّ السؤال مفتوحاً: من إذاً تدخّل؟ ومن دعاه إلى ذلك؟ ومن سمح بهذا التدخّل؟
في المقابل، رحّبت القمّة العربية، بوضوح وبغير خجل، بإعلان الرئيس ترامب رفع العقوبات الأميركية عن سورية، والمعنى ببساطة أن ترامب يملك القدرة والإرادة والقرار، أمّا العرب، فرغم امتلاكهم القدرة، نجدهم يندّدون ويطالبون ويؤكّدون فقط، ثمّ لغيرهم يصفّقون.
