قناطر: قبورنا التي تلتهمنا

5 days ago 4
ARTICLE AD BOX

طالب عبد العزيز

بعيداً عن السردية الدينية التي تؤسس لمقبرة النجف(وادي السلام) يتوجب على الدولة العراقية أنْ تفكر ملياًّ في المساحات الشاسعة من الأرض التي تقضمها المقبرة، إذا ما علمنا بأن 500.000 الف جنازة تدفن فيها سنوياً، المقبرة التي خرجت من حدود مدينة النجف في العام 2014 الى بادية السماوة، والآخذة بالتوسع بشكل كبير، والتي تجاوزت مساحتها اليوم حدود الـ (601.16 هكتار- 6.01 كم²) بحسب خرائط الويكبيديا، قبل عشر سنوات.
لا تخرج سردية المقبرة في عموم الأديان، الابراهيمية وغيرها عن ما يتصل بالآخرة، وعالم ما بعد الموت، والوعود بالجنة أو الوعيد بالنار، وهي سردية تستند الى المرويات التاريخية، والدفن في مقبرة وادي السلام لا يخرج عن هذه، إن لم يكرسها بشكل آخر، لكنَّ قضية الدفن في المقبرة هذه باتت أقرب الى التجارة، بل وهي تجارة منذ القدم، تتوارثها عدد من الاسر النجفية المعروفة، ويحرصون على إدامتها، ضمن المنطوق الديني، الذي تعززه جملة الروايات، حتى أصبح أمراً واجباً، يصعب الحياد عنه عند العامة بخاصة.
قبل أقل من عشر سنوات توفي إمام وخطيب جامع الحمد، العلامة، السيد حامد السويج، أحد وكلاء السيد علي السيستاني في البصرة؛ وحين حُملت الجنازة الى السيارة، بقصد الذهاب الى مقبرة النجف فتح نجلُه ورقة الوصيّة، التي تبين فيها بأنه أوصى بأن يدفن في البقعة الصغيرة التي تقابل باب مسجده، بضاحية العباسية، وسط المدينة، وهي من موقوفات أسرة الملّاك، لصالح المسجد، عندها تم إنزال جنازته من السيارة؛ ودفنه هناك، فكان حديث أهل البصرة جميعاً، وعلامة سؤال كبيرة عن وجوب الدفن في وادي السلام من كراهته واستحبابه!!
يذهب جماعة من الفقهاء الى وجوب دفن المتوفى في البلد الذي مات فيه، ويقول آخرون بجواز نقل المتوفى الى مقبرة الاسرة، قرب من توفى منهم، ولا يجيز غيرهم نقل الميت من بلد الى بلد إلا لعلة يرونها، وهكذا، نجدُ أنَّ الامرَ عرضةٌ للإجتهاد والرأي أو التسليم المطلق، بما جرت العادة عليه، دونما تفكير في الجانب المادي أو الخدمي أو الاقتصادي وغير ذلك، مما يستدعي وجهات النظر العملية، والعمل على التخطيط الحضري وشكل المدن الجديدة، وما ستكون عليه، فضلاً عن الحاجة الى الأرض في السكن والمشاريع الأخرى.
قبل ثلاثة ارباع القرن لم يكن ذوو المتوفى يفكرون ببناء قبر المتوفى منهم على الصورة التي نراها في المقبرة اليوم، على خلاف ما كان دارجاً عند الجميع، القاضي بالاكتفاء في وضع الحجر على القبر، بقصد الإشارة اليه، لا غير، وهذا ما فعله الرسول في قبر عثمان بن مظعون. معلوم أنَّ البناء بالحجر والاسمنت والكونكريت لا يقارن بوضع الحجر. هناك آلاف القبور التي لا تزول بالزمن، وتقف ضد عوامل الطبيعة، هي خالدة، أو يراد لها أن تخلد، على خلاف القبور التي كانت قبل ذلك، لذا فهي تحجز الأرض، التي أمست تتآكل بقبور أخر، نحن نزحف قبوراً لنلتهم أحياءنا، هذه هي الحقيقة، التي لم يتنبه إليها أحد للأسف.
أمّا سردية المغفرة والخلود في الجنة الافتراضية، التي يسوقها البعض عن مقبرة وادي السلام فيعوزها الكثير، ذلك لأنَّ الملايين من المسلمين في العالم يدفنون خارجها، أتراهم يقعون خارج عناية الرحمن؟ أكان العلامة السيد حامد السويج لا يحيط ذلك علماً؟ ثم وماذا عن مقبرة كربلاء، وعن الكاظمية، وعن سامراء وبغداد والمدن الأخرى؟ إذا كانت النجف بعناية الإمام علي وخصيصة الجنة ترى ماذا عن مدن البصرة والعمارة والناصرية والكوت والديوانية وديالى والسماوة وووو أكل من دفن فيها من خصيصة النار؟

The post قناطر: قبورنا التي تلتهمنا appeared first on جريدة المدى.

Read Entire Article