قنبلة داخل بيتنا

1 week ago 4
ARTICLE AD BOX

هاجم متشدّدون قبل أيام ملهى ليلياً في دمشق، وضربوا الموجودين فيه بأعقاب البنادق، ما أثار رعباً كبيراً عند الحاضرين. ورغم أن السلطات الأمنية المختصة أعلنت اعتقال المهاجمين، تكرّرت الحادثة بطريقة أشدّ في ملهى آخر يبعد عن الأول أقل من مائة متر، حيث جرى إطلاق النار، وقتل إحدى الفتيات وإصابة آخرين. وكلاهما في مركز المدينة. وأعادت تلك الحادثة إلى الأذهان حوادث أخرى مشابهة جرت خلال الأشهر الخمسة المنصرمة، تتعلق بتجاوز القوانين والتعدّيات على الحريات الشخصية لفئات اجتماعية متنوعة ومختلفة.
بصراحة، يواجه الرئيس أحمد الشرع، الذي جاء بخطاب براغماتي يركّز على المصالحة الوطنية، وإعادة بناء مؤسّسات الدولة على أسس وطنية، تحدّيات متزايدة، ليس فقط من خصومه التقليديين، بل أيضاً من قاعدته الشعبية التي باتت في بعض أجزائها تتصرّف بطريقة تُقوّض هذا النهج التصالحي. صحيحٌ أن هناك غالبية من هذه القاعدة الشعبية لا تزال تعيش آثار أكثر من 13 عاماً من القمع والقتل والتعذيب التي مارسها النظام السابق، إلا أن وضعها يشبه اليوم وضع ذئب جريح، وخطاب المظلومية الذي تتبنّاه وتستخدمه ضد "الآخر" سيعقّد إمكانية التأسيس لعقد اجتماعي وسياسي وطني جامع ويصعّبها.
كانت البراغماتية التي تبنّاها الرئيس الشرع تهدف إلى تجاوز الاصطفافات الطائفية، وإعادة هيكلة الدولة على أساس المساواة والمواطنة، وتقديم رؤية وطنية تتجاوز منطق الغلبة والانتصار، إلّا أن بعض مكونات قاعدته الشعبية، والتي ساهمت على نحو رئيس في وصوله إلى السلطة، تتصرّف الآن بمنطق المنتصر المتغلّب، وتسعى إلى فرض هيمنة رمزية واجتماعية على بقية فئات المجتمع. ويحمل هذا السلوك، في طياته، خطراً مزدوجاً: فهو من جهة يعمّق مناخات الانقسام ويهدّد التعايش الهشّ بين المكونات السورية.
أعمال الاستفزاز وتلك المتعلقة بتجاوز القوانين وانتهاك الحريات الشخصية، مثل ذلك الهجوم على الملهى الليلي، وإنْ كانت تصدُر من فئة صغيرة، إلا أنها تأخذ صدى واسعاً، في مجتمع ما زال يعيش على وقع جروح الحرب والانقسام. هذه الممارسات تستخدمها بسهولة القوى المعادية لإعادة إنتاج خطاب الخوف والتخوين، كما تدفع كثيراً من الفئات الاجتماعية والمكونات الأخرى نحو الانغلاق والدفاع الذاتي، ما يعيد البلاد إلى دوّامة التوتر والتفكك.
في هذه اللحظة الحرجة، على الإدارة الجديدة مسؤولية مباشرة في ضبط سلوك قاعدتها المتشدّدة، لأن الشرعية لا تُبنى فقط على الدعم الشعبي، بل تكمن في القدرة على احتواء التطرّف داخل معسكر المؤيدين، ومنع تحوّله إلى قوة معطّلة لمشروع الدولة، فالتطرّف حين ينمو داخل جمهورك، يصبح خصماً لك في الوقت نفسه، ويؤلّب العالم ضدك، لأن العالم الغربي يمسك بمفاتيح الاقتصاد والإعمار من خلال سلاح العقوبات، وبالتالي لا يمكنك تجاهله.
وفي المقابل، تتحمّل المكونات الأخرى من الطيف السوري، بمختلف انتماءاتها الدينية والعرقية والسياسية والثقافية، مسؤولية موازية في التفاعل الإيجابي مع المرحلة، وعدم الوقوع في فخ الشك والتعميم. لا يمكن بناء دولة وطنية على قاعدة الريبة والانتظار السلبي لفشل المشروع، بل من خلال الانخراط النقدي والفاعل في مؤسّساته.
بناء دولة وطنية سورية لا يكون إلا بتجاوز مناخات الغلبة والتشدّد من جميع الأطراف، وتبنّي مشروع وطني جامع يقوم على العدالة والمساءلة والتنمية المتوازنة، فالمعركة اليوم لم تعد عسكرية، بل أخلاقية وثقافية، تتطلّب شجاعة في المواجهة مع الذات قبل الخصوم، ومسؤولية جماعية من كل السوريين للعبور إلى مستقبل مختلف... وقبل كل شيء، علينا الانتباه جيداً إلى ذلك الذئب الجريح داخل بيتنا.

Read Entire Article