ARTICLE AD BOX
تشهد السوق التونسية تراجعاً لافتاً في أنشطة البيع بنظام التقسيط في مختلف المجالات، لا سيما الأجهزة المنزلية، بعد أشهر من دخول "قانون الشيك" حيز التنفيذ، والذي يجرّم إصدار الشيك من دون رصيد، بينما كانت معظم المعاملات البيعية تجرى عبر الشيكات في السابق.
وتضمن القانون الجديد إرساء منصات إلكترونية للتعامل بالشيك، تتيح للمستفيد من الشيك التحقق من توفر الرصيد لدى المصرف على الفور، ويهدف القانون إلى الحد من الآثار السلبية لسوء استعمال الشيك، وتعزيز الثقة بين الفاعلين الاقتصاديين، وتحسين مناخ الأعمال، لكن تطبيقه دون خلق بدائل تتيح لشرائح كبيرة من التونسيين شراء مختلف الاحتياجات عبر التقسيط، أضر بالمستهلكين والقطاعات التجارية والاقتصاد على حد سواء، وفق محللين.
تقول جيهان الحاجي (41 عاماً) إنها تحتاج إلى شراء تجهيزات جديدة لبيتها بما قيمته خمسة آلاف دينار (حوالي 1600 دولار)، لكنها لا تجد الحلول المناسبة لتقسيط المبلغ منذ دخول قانون استعمال الشيك حيز النفاذ في فبراير/ شباط الماضي، مشيرة إلى أنها في حاجة ملحة إلى شراء تلفاز ومكيف جديدين، غير أنها غير قادرة على دفع المبلغ المطلوب دفعة واحدة، حيث لا يتجاوز راتبها الشهري 1800 دينار.
وتؤكد المرأة الأربعينية في حديث لـ"العربي الجديد" أنها لم تكن تجد سابقاً صعوبة في تجديد أثاث بيتها أو شراء تجهيزات منزلية جديدة، نظراً لتوفر وسائل الدفع المقسط عبر الشيكات البنكية التي يتم تداولها على نطاق واسع. وأضافت أنه كان بإمكانها سداد مبلغ المشتريات التي تحتاجها بطريقة ميسرة على امتداد 12 شهراً، دون أن يؤثر ذلك على توازناتها المالية بشكل كبير.
وأظهرت بيانات كشف عنها المعهد العربي لرؤساء المؤسسات (مركز دراسات مستقل) أن 88% من المستهلكين التونسيين ذوي الدخل المتوسط (دخل شهري بين ألف وثلاثة آلاف دينار) تخلوا عن عملية شراء منذ دخول "قانون الشيكات" الجديد حيز النفاذ بداية فبراير/ شباط 2025. ويقول الخبير الاقتصادي ووزير التجارة السابق محسن حسن، إن التشريعات الجديدة المتعلقة بالشيكات تجاوزت حقيقة الوضع المعيشي للتونسيين وقدراتهم الإنفاقية، ما تسبب في تعطل الطلب الداخلي وانكماش الاستهلاك.
وأكد حسن لـ"العربي الجديد" أن السوق التونسية كانت تحتاج إلى توفير بدائل للدفع بالتقسيط قبل دخول قانون الشيك حيز النفاذ، مشدداً على ضرورة تحرك الجهاز المالي والمصرفي من أجل تقديم بدائل في شكل قروض استهلاك ميسرة لفائدة المزودين أو إصدار بطاقات إلكترونية للدفع المقسط مع اعتماد نسبة فائدة ضعيفة. وأضاف أن الطلب الداخلي يشهد صعوبات كبيرة ستنعكس سلباً على الإيرادات الضريبية للدولة، وسيكون الكل خاسراً إذا لم تقع معالجة أزمة انكماش الاستهلاك وإيجاد بدائل سريعة للبيع بالتقسيط.
ورجّح وزير التجارة السابق أن تتعمق أثار انكماش الطلب الداخلي خلال النصف الثاني من العام الحالي، نتيجة عدم قدرة التونسيين على النفاذ للسياحة الداخلية أيضاً التي كانت تمول أساساً عبر الدفع المقسط لفائدة النُزل ووكالات السفر عبر إصدار الشيكات مؤجلة الدفع. ويقدر برلمانيون حجم النشاط الاقتصادي الذي يعتمد على الشيك وسيلة دفع مؤجلة بنحو 30% من المعاملات التجارية مطالبين الجهاز المصرفي بتوفير بدائل للخلاص المؤجل.
ويعد استعمال الشيك وسيلة دفع مؤجلة سلوكاً متجذراً في المجتمع التونسي انتجته الهشاشة الاقتصادية وعدم قدرة طيف واسع من المواطنين والمتعاملين الاقتصاديين للنفاذ إلى التمويلات البنكية أو بطاقات الائتمان المصرفية. وأظهرت بيانات صادرة عن البنك المركزي أخيراً، أن استعمال الشيك تراجع خلال الربع الأول من العام الحالي بنسبة 61% مقابل ارتفاع في تداول الكمبيالة بنسبة 107%، لكن الخبير الاقتصادي محسن حسن، يرى أن ارتفاع تداول الكمبيالة وسيلة دفع مؤجلة لا يعكس تحسن نسق الاستهلاك، مشيراً إلى أن التجار يحتاجون إلى ضمانات واسعة لاعتماد الكمبيالة في البيع المقسط نظراً لضعف التشريعات الخاصة بها.
كذلك حذر خبراء اقتصاديون من ركود تجاري وشيك وتعطّل محرك الاستهلاك الداخلي، نظراً لأهمية وسائل الدفع المؤجلة في تحفيز الأسواق. ورجّح أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية معز السوسي، أن تحدث أحكام قانون الشيك صدمة في السوق تتبعها مرحلة انكماش. وقال السوسي لـ"العربي الجديد" إن تونس ستعيش انكماشاً جراء تاثيرات تطبيق متسرعة لقانون الشيك الجديد، لافتاً إلى أن الدول التي نجحت في إنهاء التعامل بالشيك هيأت الأرضية عبر إدماج مالي شامل لمواطنيها بنسبة تصل إلى 90%، بينما النسبة لا تتعدى 40% في تونس.
وتعاني تونس من ضعف نمو اقتصادها حيث لم يتجاوز النمو الاقتصادي على أساس فصلي 0.3% خلال الربع الأول من العام الجاري، بينما بلغت 1.6% على أساس سنوي، بحسب ما أعلنه معهد الإحصاء الحكومي مؤخراً.
