كيان الإبادة الجماعية المنبوذ

1 week ago 7
ARTICLE AD BOX

لا أحد يستطيع، رغم اللوبيات الصهيونية، إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، ولا إلى ما كان عليه كيان الاحتلال الإسرائيلي، بتحايل وأكاذيب وأساطير "الوعد الإلهي" أو "الدولة المسالمة". فبعد 77 سنة على النكبة الفلسطينية بدأت سرديات كثيرة بالتفكك، وأكثرها إجراماً أن فلسطين "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض". خلاصة رئيس الحكومة الإسباني بيدرو سانشيز بقوله أمام البرلمان، أول من أمس الأربعاء، إن "إسرائيل دولة الإبادة الجماعية" ليست سوى نتاج حقائق بدأت بمذابح قرى وبلدات نكبة عام 1948. حين يكون "شعب بلا أرض" من وزن إرهابيين فاشيين هاجروا إلى فلسطين، كما المهاجر (وزير الأمن القومي الإسرائيلي) إيتمار بن غفير، والأوكراني بتسلئيل سموتريتش، وزير مالية المهاجر البولندي ومجرم الحرب بنيامين نتنياهو، وبقية رهط التصفيق بالعبرية للتطهير العرقي والإبادة الجماعية في قطاع غزة، فإن أحداً لا يستطيع منع أجيال أوروبية وأميركية من التوصل إلى النتيجة إياها عند سانشيز، أو أصحاب مطعم في نابولي، أو عند منتقدي النفاق أو الخوف من اللوبيات الصهيونية لدى بعض حكوماتهم.

حتى بين يهود أوروبيين، وليس بين الليكوديين والتيار الصهيوني-الديني الكاهاني، باتت ترتفع أصوات جديدة بعنوان: "ليس باسمنا تُسرق الأرض ويمارس الاضطهاد"، رافضين الانضمام إلى دعم كيان منبوذ يحولهم إلى أدوات إبادة لأصحاب الأرض الأصليين. ومع أن الأثمان التي يدفعها الفلسطينيون هائلة، إلا أن أكاذيب صهيونية كثيرة تتفكك. ربما هي خطوات أولى ليستعيد التاريخ بعض توازنه وليُنصت للسردية الفلسطينية. فالمزيد والمزيد يكتشفون أن للأرض شعبها الحقيقي، حيث يحافظ الأحفاد على ذاكرة الأجداد ومفاتيح دورهم، منتشرين في قطاع غزة، على بعد أمتار من أرضهم التاريخية، وكذلك في الضفة الغربية والقدس وداخل فلسطين المحتلة عام 1948، وفي كل الشتات القريب والبعيد، وعلى تماس بالسائل الغربي عن أصل الحكاية. يستطيع أي إنسان وضع نفسه مكان الأوروبي والأميركي المراقب لجرائم الإبادة سائلاً: لمَ تدفع بلادي من جيوبنا مئات مليارات الدولارات ويُمد بالسلاح كيان يرتكب جرائم حرب وإبادة؟ إذ من المفارقة أن الغطرسة الصهيونية أصبحت تمكن الغربيين من الاطلاع أكثر حول تصفيقهم وحماستهم لطلب إبادة كل الفلسطينيين وعلى شاشات عبرية، واعتراف نتنياهو بالعبرية أن التدمير في غزة هدفه التطهير العرقي، وتفاخر الأرعنين سموتريتش وبن غفير بأن القانون الصهيوني هو الساري وليس القانون الدولي.

ببساطة، حين ينتبه المرء للدعائية الصهيونية المبرِرة لجرائم الإبادة، على اعتبار أن الـ60 ألف شهيد، مع النساء والأطفال، وأكثر من 120 ألف جريح ليسوا سوى "إرهابيين"، فإن الملايين يصلون إلى استخلاص بيدرو سانشيز. فاليوم لم تعد الأذرع الصهيونية قادرة على التحكم بتدفق المعلومات، ولا على منع البحث عن مصادر إرهاب الدولة، الممتد منذ نشأة عصاباتها الصهيونية الأولى، ووفقاً لتصنيف بريطانيا لها آنذاك. الأجيال الغربية الجديدة تتابع أيضاً تفاصيل كانت مغيبة، وكيفية استخدام التجويع وسيلةً حربية لابتزاز الإنسان بقصد تطبيق تطهير عرقي، حيث وسائل إعلام غربية لم تعد قادرة على تجاهل الجرائم. هؤلاء يكتشفون رويداً رويداً أن المجتمع الفلسطيني ليس هو من يؤسس وينشر العنصرية والكراهية للآخر بالمطلق. فأمثلة البصق على المسيحيين ومضايقتهم في مواسم أعيادهم في شوارع القدس، واعتبار أن "الأغيار" لا قيمة لحياتهم إلا بمقدار خدمة "شعب الله المختار"، باتت وغيرها تصدم غربيين كثر.

تتزايد الاكتشافات حيث يعبر فيها مراهقون يهود من أبناء مهاجرين، ومن خلال تقارير تلفزيونية، عن هوس الرغبة بقتل كل فلسطيني وعربي، وبنظرة عنصرية-فاشية تحط من قيمة كل البشر الآخرين. فبينما أصر الصهاينة لسنوات على ضرورة مراجعة مناهج التعليم العربية والفلسطينية، تعج مناهجهم بكل صنوف التحريض وشرعنة الإبادة.  التفاخر بتحميل الأطفال والنشء بنادق التصويب على العربي وبث كراهية منذ مراحل روض الأطفال ليس سريّاً، وهو يخلق عقلاً طيعاً ينفذ أوامر الإبادة، ويتعايش مع نظام فصل عنصري (أبرتهايد) دون سؤال. ذلك بالطبع ملازم لقيام البروباغندا الصهيونية لعقود بمهمة نزع إنسانية الفلسطيني والعربي، أمام جيل صهيوني يعيش هوس التخلص نهائياً من الفلسطيني، وأمام جمهور غربي بدأ الآن بعضه يتمرد على السردية. خلاصة القول، إن كيان يُربي الأجيال على تقبل الإبادة وجرائم الحرب، لا يمكن إلا أن يثير أسئلة عن كل شرعية وجوده.

Read Entire Article