كيف أنتجت المواجهة الأخيرة واقعا جديدا في شبه القارة الهندية؟

6 hours ago 2
ARTICLE AD BOX

<p>شهدت المنطقة حروباً عدة بين الهند وباكستان لكن المواجهة الأخيرة كانت الأخطر من نوعها خلال عقدين (أ ف ب)</p>

يسود الصمت على طرفي خط السيطرة بين باكستان والهند في كشمير عقب اتفاق وقف إطلاق النار في الـ10 من مايو (أيار) الجاري، بعد أسبوعين من التوتر الذي بدأ في أعقاب الهجوم الإرهابي في باهالغام.
وتعيش المنطقة هدوءاً موقتاً بعد الرد الباكستاني على الضربات الهندية وسط إعلانات النصر وخفض التصعيد من الجانبين أمام الجماهير، لكن يبقى الأمن هشاً في المنطقة مع استمرار الانتهاكات لوقف إطلاق النار على الحدود بين الفينة والأخرى. وسيتعين على الدول الشريكة مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والصين مراقبة الوضع باستمرار لضمان عدم اندلاع صراع آخر في منطقة لا تزال على شفا الحرب.
خلال الأيام الأخيرة، ألقت الهند اللوم على باكستان من دون أي دليل بعد هجوم باهالغام مباشرة، وتجاهلت العرض بإجراء تحقيق محايد وشفاف، على عكس ذلك ضربت الهند أهدافاً داخل العمق الباكستاني زعمت أنها معسكرات إرهابية في كوتلي ومظفر آباد وموريد كيه وبهاوالبور وسيالكوت في إطار عملية "سيندور".
وعلى رغم أن الهند وصفت الهجمات بأنها "مركزة ومستهدفة وغير استفزازية"، فقد تبعتها ضربات بطائرات من دون طيار وحملات تضليل ثم ضربات صاروخية على ثلاث قواعد جوية باكستانية.
من جانب آخر، زعمت باكستان ضرب 26 هدفاً هندياً بما في ذلك القواعد الجوية ومستودعات الصواريخ وغيرها من المنشآت العسكرية في إطار عملية "البنيان المرصوص" رداً على انتهاك السيادة الباكستانية واستعادة التوازن الدفاعي. وبينما يجري التحقق من مزاعم الطرفين، من المؤكد أن ثمة جوانب جديدة برزت خلال المواجهة يمكن رؤيتها في سياق "الواقع الجديد" في المنطقة.

عودة التوترات

أول هذه الجوانب هي عودة الحال العدائية بين البلدين بعد هدوء نسبي دام أربعة أعوام ركزت خلالها إسلام آباد على التعافي الاقتصادي ومكافحة الإرهاب، بينما كانت الهند منشغلة بالتوتر الحدودي مع الصين في منطقة الهيمالايا، لكن الأحداث الأخيرة أعادت البلدين إلى المواجهة والتوتر المستمر، مما قد ينقض الأمن الهش على الحدود، القائم بعد إعلان وقف إطلاق النار.
الهجوم الإرهابي في منطقة أوري في كشمير الهندية عام 2016 والرد الهندي عليه، شكل أولى دلالات تغير قواعد اللعبة في العلاقة بين الدولتين، إذ ادعت الهند أنها نفذت ضربات داخل باكستان رداً على "الهجوم الإرهابي". وفي عام 2019 زعمت الهند أنها قصفت مواقع باكستانية في مدينة بالاكوت في أول انتهاك للحدود الجوية الباكستانية من قبل المقاتلات الهندية منذ عام 1971.
لكن الضربات الهندية الأخيرة في أعقاب هجوم باهالغام الإرهابي كانت أوسع نطاقاً من سابقتها إذ شنت نيودلهي هجمات داخل باكستان باستخدام الصواريخ والمقاتلات ومن خلال الطائرات من دون طيار لإيجاد مساحة لحرب تقليدية محدودة، وتهدف هذه الهجمات إلى إضعاف العقيدة العسكرية الباكستانية وإعادة تعريف حدود الردع الدفاعي التي تم تحديدها سابقاً.
وعلى رغم أن باكستان أعادت ترسيخ قوتها الرادعة من خلال استهداف 26 هدفاً عسكرياً هندياً، فإن بيان الهند بعد وقف إطلاق النار بأن الهجوم الإرهابي المقبل في كشمير سيعد "عملاً حربياً" يسلط الضوء على سياسة نيودلهي في زيادة مستوى التصعيد خلال كل أزمة.

نيودلهي تريد هيمنة كاملة

الأمر الآخر هو أن الهند في ظل الطفرة الاقتصادية التي تعيشها والقوة العسكرية التي تبنيها بتحالف وثيق مع الولايات المتحدة (الذي من المفترض أن يضع الصين تحت السيطرة) تريد تغيير القواعد التقليدية للمواجهة العسكرية مع باكستان.
إن سياسة الردع الجديدة التي تنتهجها الهند تحت مسمى "مكافحة الإرهاب" ينبغي النظر إليها تزامناً مع التصريحات التي تتحدث فيها الهند عن ضم "جيلجيت بالتستان" والشطر الباكستاني من كشمير الهند، ليتضح أن ما تريده الهند هو تغيير معادلة التوازن القائمة بين البلدين، وتحويل "الاختلال" في التوازن الدفاعي إلى حال هيمنة كاملة لها على جارتها، مما يزيد الضغوط على القيادة العسكرية في إسلام آباد للتخلي عن تسامحها والرد بقوة.
والأمر الخطر في هذا السياق هو وجود خطر حقيقي لتحول أي نزاع إلى صراع كبير وسط استمرار المشاحنات بين الجانبين بين حين وآخر. التصعيد الحالي كان الأخطر منذ حرب كارجيل عام 1999، إذ ضربت الهند تسعة مواقع باكستانية بخلاف هجمات محدودة خلال الأعوام الأخيرة مما ينذر بتحويل مثل هذه الاشتباكات إلى صراع كبير في المستقبل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أهمية الحوار

الجانب الثالث الذي يسترعي الانتباه هو فقدان القنوات الدبلوماسية الخلفية وآليات إدارة الأزمات والضمانات المؤسسية خلال التوترات الحالية، وهو ما يشكل فجوة خطرة لا سيما في ظل خطر حقيقي بتفاقم الأزمة إلى صراع نووي مما سيعرض مستقبل 1.7 مليار إنسان للخطر.
وأدى عزل الهند لباكستان ورفضها التفاوض إلى تعزيز الرأي في إسلام آباد بأنه لا يمكن التوصل إلى سلام مع حكومة مودي، لكن الحقيقة هي أن استعادة الخط الساخن بين القوات المسلحة والقناة الخلفية بين مستشاري الأمن القومي قد تمثل بداية جيدة للحوار بين الجانبين لكنها غير كافية على الإطلاق.

الوساطة الدولية

النقطة الأخيرة هي عودة الوساطة من طرف ثالث إلى الواجهة مرة أخرى. إذ إنه خلال الأزمات السابقة في عامي 2016 و2019، دعم الرئيس الأميركي دونالد ترمب "حق الهند في الدفاع عن النفس" ثم ناشد الأطراف ممارسة ضبط النفس، لكن هذه المرة كانت الولايات المتحدة منشغلة بحرب تجارية مع الصين ومفاوضات مع أوكرانيا وملفي غزة وإيران في الشرق الأوسط.
تجاهل ترمب الأمر في بداية التوتر قائلاً إن الهند وباكستان تتقاتلان على كشمير منذ "آلاف السنين" وأنهما ستحلان القضية بنفسيهما. ومع وصول التوترات إلى ذروتها، صرح نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس بأنه يأمل أن "ترد الهند على هذا الهجوم بطريقة لا تؤدي إلى صراع كبير في المنطقة"، التصريح الذي تم تفسيره في إسلام آباد على أنه دعم ضمني للعدوان الأحادي الذي تشنه الهند.
ومع دخول الأزمة مرحلتها الثانية، حاولت الولايات المتحدة إقناع الأطراف بتهدئة الأوضاع، لكن ضعف النفوذ العالمي للولايات المتحدة وموقفها السلبي أفسحا المجال لدول مثل بريطانيا والإمارات والسعودية التي تتمتع بعلاقات جيدة مع كل من إسلام آباد ونيودلهي للعب دور الوساطة.
ولكن من غير المرجح أن تهدأ التوترات بين الهند وباكستان، إذ تصر نيودلهي على تغيير سياستها القديمة لإيجاد مساحة جديدة للحرب التقليدية مع باكستان. وفي هذا الوضع الخطر، أصبح دور الوسطاء الإقليميين والعالميين أكثر أهمية من أي وقت مضى للحفاظ على التوازن بين القوتين النوويتين.
أخيراً، دخلت العلاقات بين الهند وباكستان الآن مرحلة عدم اليقين ويمكن لحادثة بسيطة أن تتحول إلى أزمة كبيرة، ومن ثم فإن إنشاء إطار مؤسسي فعال، واتخاذ تدابير جديدة لبناء الثقة، أمران ضروريان لتجنب أي أخطاء خطرة.

نقلاً عن اندبندنت أوردو

subtitle: 
تعيش المنطقة هدوءاً موقتاً في ظل خطر حقيقي لتفاقم الأزمة بين الجارتين النوويتين
publication date: 
الاثنين, مايو 19, 2025 - 14:00
Read Entire Article