ARTICLE AD BOX

<p>صراع على الكرة بين مهاجم مانشستر سيتي عمر مرموش ومدافع كريستال بالاس ماكسينس لاكروا خلال مباراة في الدوري الإنجليزي الممتاز (أ ف ب)</p>
تماماً في اللحظة التي كانت مسيرة كريستال بالاس في كأس الاتحاد الإنجليزي على وشك الانطلاق، قدم المدرب أوليفر غلاسنر لمحة بسيطة عن أحد الأسباب التي تقف وراء ذلك، فقد كان المدرب النمسوي يستقر على مقاعد البدلاء قبل الانتصار الكاسح بنتيجة (3 - 0) على فولهام في ملعب "كرافن كوتيدج"، ووجد لحظة ليقدر الأجواء المحيطة.
وقال غلاسنر بحماس "لهذا السبب أحب كرة القدم"، ولا شك أن بيب غوارديولا سيوافقه الرأي حينما يخطو إلى أرضية ملعب "ويمبلي" قبيل نهائي السبت بين بالاس ومانشستر سيتي، بعدما وصف هذا الأسبوع كأس الاتحاد الإنجليزي بأنها "أجمل بطولة كؤوس محلية في العالم".
وقد أبدى غلاسنر احتراماً كبيراً لهذه المكانة طوال مشوار بالاس في البطولة، من دون أن يظهر أدنى تهاون أو ما يشبه المواقف الحديثة تجاه الكأس.
لقد دفع بتشكيلة كاملة في كل جولة، وتعامل مع كل مباراة كما لو كانت نهائياً بحد ذاته، ومن المرجح أن يكون كريستال بالاس أكثر من سيثمن الفوز بالنهائي الحقيقي، ربما أكثر من أي ناد إنجليزي آخر، نظراً إلى عدم فوز النادي بأي لقب كبير في تاريخه.
وكان أقرب ما وصل إليه بالاس هما نهائيان سابقان في كأس الاتحاد، خسر كليهما أمام مانشستر يونايتد، ومن المحتمل أن تعرض لقطات كثيرة منهما في التمهيد للمباراة، وقد يتماشى هذا الشعور بالحنين مع اللحظة.
من السمات البارزة لموسم كريستال بالاس أن غلاسنر كان يطلب من اللاعبين الاستماع إلى أصوات البهجة القادمة من ساحة المدرسة القريبة من ملعب التدريب، وهي نصيحة لن تكون أكثر ملاءمة مما هي عليه قبل مباراة يمكن أن تتحقق فيها أحلام الطفولة، والهدف الأعمق من ذلك هو تذكير اللاعبين بسببهم الأول لممارسة كرة القدم، واستمداد الطاقة من هذا الشعور.
ويعد هذا النهائي الـ145 بمثابة عودة إلى الجذور من هذه الزاوية، إذ إن هذا اللقاء تحديداً يجمع بين عناصر يفضل كثر وجودها في مثل هذه المواجهات.
فمن جهة، هناك فريق من وسط الترتيب يتقدم بثبات ويملك رغبة حقيقية في التتويج، فريق يذوق طعم المتعة من مجرد الوصول إلى "ويمبلي"، ومن الجهة الأخرى، هناك أحد أفضل الفرق في إنجلترا، وإن كان يمر بلحظة ضعف تجعله يقدر هذه الكأس لأسباب مختلفة تماماً.
ثمة احتمال كبير في الأقل بأن نشهد مباراة مثيرة تنبض بالحماس، فكريستال بالاس غالباً ما يقدم أداءً جيداً أمام مانشستر سيتي، على رغم أن كثيراً من ذلك يظل مرهوناً بجاهزية فريق غوارديولا.
وقد وصف إيرلينغ هالاند هذا الموسم بأنه "كارثي" و"مروع" عشية النهائي، لكنه أضاف أن ذلك يعكس في الوقت نفسه جودة فريقه الجوهرية من حيث إنهم "على رغم كل شيء، تمكنوا من الوصول إلى هنا".
والمقصود بـ"هنا" هو أن يصبح سيتي النادي الـ10 فقط الذي يبلغ النهائي ثلاث مرات متتالية، فيما يسعى الفريق لمعادلة أندية تشيلسي وليفربول وتوتنهام هوتسبير كثالث أكثر الأندية فوزاً بالبطولة برصيد ثمانية ألقاب.
وربما يظهر اسم الراعي "طيران الإمارات" حرفياً على العلامة التجارية للكأس، لكن الجائزة الحقيقية التي تزين الكأس من جميع جوانبها هي ملك لجارتها أبوظبي، التي تملك الأصل الرياضي الأغلى.
وحرص هالاند على التأكيد بأن تعليقاته جاءت في سياق "المعايير" التي وضعها مانشستر سيتي خلال هذه الحقبة، لكن الشعور السائد يبقى أنه مجرد سعي إلى إضفاء بعض المجد على حملة يمكن وصفها بالنسيان، أما بالنسبة إلى كريستال بالاس فإن الفوز سيكون ذكرى لا تنسى مدى الحياة.
ولهذا يصعب ألا يكون فريق غلاسنر هو محور الاهتمام، فبالنسبة إلى سيتي الأمر روتيني، أما بالنسبة إلى بالاس فهو شيء استثنائي بحق.
لقد كان النادي الواقع في جنوب لندن، وبخاصة اللاعب المتألق إيبيريشي إيزي، بمثابة وجه لانتعاشة كأس الاتحاد الإنجليزي هذا الموسم، وكأننا عدنا لنذكر أنفسنا بما تمثله هذه البطولة حقاً.
وقد أسهمت بعض التغييرات في ذلك، فعلى رغم أنها خالفت التقاليد، فإن إلغاء مباريات الإعادة قد عزز فعلياً من روح الكأس الحقيقية، ومنح الإحساس بضرورة الحسم في اليوم ذاته.
ومع ذلك فإن الطابع العام لهذا الموسم يعد في الغالب نتيجة غير مقصودة لعملية "التمويل المتزايد" لكرة القدم، فقد تكون كأس الاتحاد الإنجليزي هي المسابقة التي تضررت أكثر من غيرها ضمن هذا الإطار، في الأقل من حيث ما كانت تمثله سابقاً.
ويكفي أن ننظر إلى نهائي الدوري الأوروبي الأربعاء المقبل بين مانشستر يونايتد وتوتنهام هوتسبير، الذي يبدو وكأنه مباراة أكبر بكثير، ويعود معظم ذلك إلى إدراجه في سياق التأهل لدوري أبطال أوروبا، وما يعنيه من أرباح مستقبلية قد تصل إلى 100 مليون جنيه استرليني (133.05 مليون دولار)، فلم يعد الأمر بالضرورة متعلقاً بالكأس نفسها.
وهذا ما يجعل وضع كأس الاتحاد الإنجليزي في العصر الحديث أكثر وضوحاً، فالمشكلة لم تعد في أنها أصبحت بلا معنى فحسب، بل في أنها أصبحت بلا مردود مالي أيضاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
سيحصل الفائزون على ما يقل قليلاً عن 4 ملايين جنيه استرليني (5.32 مليون دولار)، وهو مبلغ يقل ببضعة مئات الآلاف عما تتقاضاه الأندية نظير مباراة واحدة في الدوري الإنجليزي الممتاز، وأقل من نصف ما تتقاضاه نظير مباراة واحدة في دوري أبطال أوروبا، وكل ذلك أصبح ذا أهمية مضاعفة في عالم تحكمه لوائح الربح والاستدامة المالية (بي أس آر).
ومع ذلك فإن هذه اللوائح والثروات نفسها هي ما أفضى إلى هذا التأثير غير المتوقع، فالضغط المالي تسبب في فوائض في الطاقة الكروية، فقد شهد الدوري الإنجليزي الممتاز هذا الموسم طبقة وسطى قوية من الأندية، غنية بالمواهب الحقيقية.
وكان كريستال بالاس مثالاً بارزاً على ذلك، بالنظر إلى عدد الأندية التي ترغب في ضم إيزي وآدم وارتون وجان فيليب ماتيتا، ومارك غويي وماكسنس لاكرو، وقد استطاع ستيف باريش فرض أسعار لا يمكن للآخرين تحملها في ظل قيود "بي أس آر"، لأن بالاس نفسه أصبح مدعوماً بمال وفير من أكثر من عقد في الدوري الإنجليزي الممتاز.
وعلى رغم أن معظم هذه الأندية المتوسطة لم تتمكن في النهاية من المنافسة على مراكز دوري الأبطال، فإنها كانت قوية بما يكفي لتقديم مشوار ناجح في كأس الاتحاد الإنجليزي.
وعند هذه النقطة يبدأ شيء آخر بالظهور، شيء أكثر عاطفية، فعندما تقترب أكثر من الكأس، يتلاشى الحديث عن المال في أذهان اللاعبين، وحينها يرون المجد ويرون الصور العظيمة من الماضي، ويشعرون بفرصة نقش أسمائهم في سجل التاريخ.
وهذا هو الشعور السائد الآن في كريستال بالاس، فقد وصل الفريق إلى مرحلة متقدمة، يمتلك فيها مجموعة جيدة من اللاعبين يعملون بانسجام دقيق تحت قيادة مدربهم.
ويقول المطلعون داخل النادي إن اللاعبين ينظرون إلى غلاسنر باعتباره قائداً في ذروة تألقه المهني، وهناك انسجام تكتيكي عميق بين خطوط الفريق المختلفة، ويعد دانييل مونيوز صفقة بارزة ربطت بين العناصر بكفاءة عالية، أما المنافسون فيصفون غويي ولاكرو وكريس ريتشاردز بأنهم من أفضل الثلاثيات الدفاعية في الدوري.
يمكن لكريستال بالاس أن يلعب بأسلوب عنيف إن تطلب الأمر، أو بأسلوب سلس وجميل، بحسب ما تفرضه الظروف، وكثير من لاعبي الهجوم لديهم القدرة على تقديم لمسات استثنائية، وعلى رأسهم إيزي، الذي قد يجعل من هذه النسخة من كأس الاتحاد الإنجليزي ملكاً له، فقد تألق بالفعل في نصف النهائي، وأسهم في تفكيك أستون فيلا بثلاثية نظيفة بطريقة نادراً ما حدثت، ولو أن آدم وارتون كان النجم الأبرز خلفه في الملعب، ويُعتقد أنه لو كان وارتون لائقاً بدنياً طوال الموسم، لربما كان بالاس من فرق النخبة الثمانية في الجدول، لكن الأهم من كل ذلك هو أن الفريق نفسه يؤمن بقدرته على هزيمة أي خصم، ومع ذلك هنا يظهر الأثر المباشر لـ"التمويل المتزايد" على أرضية الملعب.
عاد مانشستر سيتي ليبدو أقرب إلى نسخته القديمة، لا سيما في مباريات الكأس، ويرى بعض المتابعين أن ذلك جاء بعد إنفاق يقارب ربع مليار جنيه استرليني (332.63 مليون دولار) في يناير (كانون الثاني) الماضي. وقدم عمر مرموش أداءً استثنائياً، وبغض النظر عن ذلك فإن لعب الفريقين في أفضل حالاتهما يعني – على الأرجح – فوز سيتي بفارق هدفين.
هذه هي الحقيقة ببساطة، وقد ظهر ذلك جلياً حين تغلبوا أخيراً على بالاس بنتيجة (5 - 2) في الدوري، بعدما كانوا متأخرين (0 - 2).
ولهذا السبب يتعين على كريستال بالاس أن يغير هذه الحقيقة. عليه أن يخترق صفوف سيتي، ويتعامل معهم بندية. فما زال فريق غوارديولا يعاني بعض المشكلات، كما ظهر في تعادلهم السلبي خارج أرضهم أمام ساوثهامبتون.
على أقل تقدير هذا النهائي ليس تحصيل حاصل، إنه متوازن بدقة ما بين الإحساس بالتاريخ وتكرار المألوف، ما بين رومانسية الحلم وقوة الموارد.
إنها مباراة حقيقية، برهانات حقيقية، ولهذا نحب كرة القدم، ولهذا تظل كأس الاتحاد الإنجليزي عظيمة.