ما الأسباب التي دفعت ترمب وستارمر لعقد اتفاق تجاري بين بلديهما؟

1 week ago 9
ARTICLE AD BOX

<p class="rteright">كير ستارمر ودونالد ترمب قبل اجتماعهما الثنائي في المكتب البيضاوي، واشنطن، 27 فبراير&nbsp;2025&nbsp;(شاترستوك)</p>

في الـ24 من يونيو (حزيران) 2016 كنت واقفاً أمام الحفرة التاسعة في ملعب تورنبيري للغولف في اسكتلندا. كانت المساحة الخضراء المشذبة بعناية على بعد 100 ياردة تقريباً (92 متراً)، وخلفها ترتفع المنارة الشهيرة التي تعد علامة فارقة في عالم الغولف، لكنني لم أكن هناك للعب.

كان ذلك في اليوم التالي للتصويت على "بريكست" (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي)، وقد وصل فيه دونالد ترمب - الذي كان لا يزال مرشحاً رئاسياً آنذاك - لتفقد عقاراته في اسكتلندا، والترويج لاستضافة ملعبه "بطولة الغولف المفتوحة" The Open، لكن ما لفت انتباهه حقاً، هو التصويت على مغادرة المملكة المتحدة للاتحاد الأوروبي. فقد رأى فيه إشارة ملهمة، قائلاً في نفسه: "إذا كان بإمكان البريطانيين، المتحفظين بطبيعتهم، التصويت لمصلحة الخروج من الكتلة الأوروبية، فمن المؤكد أن الأميركيين يمكنهم التصويت لي بعد أشهر قليلة لأصبح رئيساً".

في ذلك اليوم، استغرق ترمب في التفكير في الصفقات التجارية الكبرى التي ستتمكن الولايات المتحدة من إبرامها مع بريطانيا بعد تحررها من قيود بروكسل.

لكن الصفقة التي تحققت في نهاية المطاف لم تكن عظيمة – وقد استغرق إنجازها نحو تسع سنوات. ومن المفارقات اللافتة هنا أن من أبرم هذه الصفقة هم أولئك الذين عارضوا "بريكست" – بيتر ماندلسون، السفير البريطاني في واشنطن، وكير ستارمر، المؤيد الصلب للبقاء في الاتحاد الأوروبي – في حين فشل في ذلك عدد من رؤساء الوزراء المؤيدين لـ"بريكست".

منذ الـ24 من يونيو وجدت نفسي أتنقل من برنامج تلفزيوني إلى آخر، ومن محطة إذاعية إلى أخرى، لأكرر وجهة نظري القائلة إن أي اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة سيكون بشروطها وحدها. فهي تمتلك جميع الأوراق (وفقاً لأحد التعبيرات المفضلة لترمب)، بينما نحن في موقف المحتاج، ما يضطرنا للقبول بما يملى علينا. من هنا بدأت المعارك الكلامية حول قضايا مثل الدجاج المعالج بالكلور ولحم البقر المحقون بالهرمونات.

كانت هناك تعليقات كثيرة منذ أن أجرى ترمب وستارمر مكالمتهما الهاتفية المتقطعة عبر الأطلسي – ألا يجدر بأحد أن يخبرهما عن تطبيق "زووم" أو "تيمز"؟ - التي أغدق خلالها كل منهما المديح على الآخر. وتمحورت التعليقات حول ما إذا كان هناك استسلام كبير من جانب ستارمر.

لكن هذا الطرح يغفل نقطة محورية، لم أرَ من يناقشها هنا في هذا الجانب من المحيط، حيث نميل لرؤية الأمور بمنظور بريطاني صرف. الحقيقة أن المعادلة قد تغيرت جذرياً في الأسابيع القليلة الماضية.

فمن الناحية السياسية البحتة، كان ترمب في حاجة إلى هذه الصفقة التجارية بقدر حاجة ستارمر إليها - وربما أكثر. وإذا نظرت إلى الأمر من هذا المنظور، يتضح لماذا نجحت الصفقة أخيراً بعدما فشلت كل المحاولات السابقة.

كان ترمب قد أشعل حرباً سرعان ما تحول هو، على ما يبدو، إلى أبرز ضحاياها. فمنذ فوضى ما سماه بـ"يوم التحرير"، بدأت الأخبار تتوالى بصورة سلبية عليه. الأسواق المالية انهارت، والسندات بدأت تفقد توازنها - وهي الحالة التي وصفها ترمب نفسه ذات مرة بـ"ييبي" yippy، خلال إحدى انعطافاته الكثيرة في شأن سياسة التعريفات الجمركية. لكن الأسوأ جاء في اليوم 101 من رئاسته، عندما كشفت أرقام الناتج المحلي الإجمال عن انكماش الاقتصاد الأميركي في الربع الأول من السنة.

ذهب رؤساء بعض أكبر الشركات الأميركية لمقابلته بهدف التحذير من أن الولايات المتحدة قد تشهد في وقت قريب رفوفاً فارغة في المتاجر، وارتفاعاً في الأسعار. وطلبوا منه أن يوقف هجماته على جيروم باول رئيس مجلس "الاحتياطي الفيدرالي" منبهين إياه إلى أنها تزيد من اضطراب الأسواق.

لكن ربما كانت الضربة الأكثر حساسية هي تدهور شعبيته الشخصية. فعند النظر إلى بيانات استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة، يلاحظ أن الرؤساء الجدد غالباً ما يحظون بفترة "شهر عسل" تستمر حتى عيد العمال في سبتمبر (أيلول)، ثم تبدأ الأمور بالتدهور بعد ذلك.

وبالنسبة إلى ترمب، فقد تراجعت أرقامه بالفعل. رأيت ذلك بنفسي عندما كنت في ديترويت الأسبوع الماضي وذهبت إلى التجمع الذي أقيم لمناسبة مرور 100 يوم على توليه مهامه، حيث كان الحضور ضئيلاً جداً. صحيح أن الموالين ما زالوا يتحدثون عنه على أنه منقذهم، لكن الوجوه التي اعتادت الهتاف له بدت متوجسة ومترددة كما لم أرها من قبل. ولم تكن معرفة السبب صعبة، فجميع هؤلاء الناس كانوا على الأرجح ينظرون إلى حساباتهم التقاعدية، وشاهدوا مدخراتهم فيها تتقلص منذ بداية حرب ترمب التجارية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لذا، لا يمكن المبالغة في مدى حاجة الرئيس الأميركي لإنجاز صفقة. كان عليه أن يثبت وجود مضمون في خطابه يتجاوز مجرد التبجح والوعود الجوفاء. وسيتم تقييم هذه الصفقة لأهميتها السياسية بمقدار ما سيحكم عليها من خلال أي فائدة اقتصادية ملموسة تعود على الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة.

إدارة ترمب تحدثت عن إبرام 90 اتفاقاً تجارياً خلال 90 يوماً. هذا لن يحدث أبداً. لا فرصة لذلك. فمثل هذه الاتفاقات تحتاج إلى وقت. وفي ما يتعلق بالصفقة مع بريطانيا، فإنها لا تزال مجرد اتفاق مبدئي، وهناك طريق طويل وصعب قبل التوصل إلى اتفاق أكثر شمولاً، لكن اللافت هذه المرة أن البريطانيين لم يعودوا في موقف المتوسلين في هذه العملية.

في المقابل، يمثل ما حصل نوعاً من الانتصار لرئيس الوزراء البريطاني. ويبدو أن تودده المفرط، ورسالة الملك التي تكللت بالنجاح، ونهجه الملطف، جميعها عوامل أثمرت في النهاية. لكن هل الصفقة مثالية؟ بالطبع لا. آلاف الوظائف في قطاع السيارات كانت على المحك، وسيتم إنقاذها موقتاً بموجب هذا الاتفاق، أقله على المدى القصير. ونعم، على رغم أن السيارات المصنعة في بريطانيا ستكلف 10 في المئة أكثر من المعتاد، فإن السيارات الأوروبية ستكلف 25 أكثر في السوق الأميركية، إلى أن يتمكن الاتحاد الأوروبي من إبرام اتفاق مماثل مع ترمب - وهو أمر قد يطول بعض الشيء.

التوقيت والتسلسل كانا عنصرين محوريين أيضاً في هذه المرحلة. فالكراهية التي يكنها ترمب للاتحاد الأوروبي عميقة. ولو أن بريطانيا سارعت إلى توقيع اتفاق مع بروكسل قبل واشنطن (وهو أمر لا تزال تأمل في تحقيقه خلال الأسابيع المقبلة) لربما زاد ذلك من تعنت ترمب وتردده في إبرام اتفاق معها. في الوقت الراهن، يبدو أن كير ستارمر لا يزال يحاول التأني في خطواته والسير بحذر للحفاظ على التوازن بين بروكسل وواشنطن، متجنباً اتخاذ موقف واضح يميل لمصلحة أي من الطرفين.

بطبيعة الحال، لم يسلم كير ستارمر من هجمات خصومه في حزب "المحافظين". فقد وصفت كيمي بادينوك زعيمة الحزب المعارض الصفقة بأنها "خديعة" من الجانب الأميركي، لكنها في الوقت نفسه نسبت الفضل في الوصول إليها إلى الجهود التي بذلتها حكومة "المحافظين" السابقة.

ذكرني ذلك بإحدى النكات اليهودية المفضلة لدي عن امرأتين كانتا جالستين في مطعم، حيث نادت إحداهن النادل لتشتكي من رداءة الطعام، بينما أضافت الأخرى أن "الكمية المقدمة كانت قليلة للغاية".

subtitle: 
كان الرئيس الأميركي، الذي هزه تراجع شعبيته في استطلاعات الرأي العام وصدور توقعات اقتصادية سيئة، في حاجة إلى تحقيق انتصار. فبعد إشعاله حرباً تجارية، هل بدأ يدرك الآن أنه بات هو أكبر ضحاياها؟
publication date: 
الاثنين, مايو 12, 2025 - 15:45
Read Entire Article