ARTICLE AD BOX
أكبر فائز من زيارة الرئيس الأميركي ترامب الخليج العربي، الأسبوع الماضي، سورية، إذ أعلن تجميد العقوبات وتخفيفها على سورية (هنالك فرق بين التجميد والإلغاء والتخفيف؛ مرتبط بما يتعلق بقوانين أميركية، لكن التجميد مؤقتاً خيار جيد للاقتصاد السوري)، ولا في القول إنّ لهذا التوجّه، بانتظار تطبيق القرار على أرض الواقع، أهمية سياسية بقدر ما له أهمية اقتصادية وجودية لاستقرار سورية في المرحلة المقبلة.
على الصعيد السياسي، هذا القرار بمثابة فك ارتباط، ولو إلى حين، بين المنظور الأميركي لسورية وأجندة بنيامين نتنياهو، الذي حاول مرّاتٍ بصورة شخصية وسلوكية عبر العدوان العسكري المباشر، وعبر اللوبي الصهيوني، وحتى من خلال تيار في الإدارة الأميركية، أن يقنع ترامب بأنّ النظام السوري الحالي خطير، وأنّ ما تقوم به إسرائيل وما تحاول القيام به من خلال اللعب بورقة الأقليات يخدم المصالح الإسرائيلية والأميركية.
الأردن وقطر قاما بدور مهم في التطبيع الدبلوماسي لصالح النظام السوري، والدور الأبرز مع إدارة ترامب كان للسعوديين والأتراك، الذين شكّلوا تحالفاً إقليمياً مهمّاً لدعم سورية، وتمكين الدولة أن تنهض من جديد وتفويت الفرصة على مخطّطات التقسيم والفوضى، فرفع العقوبات بمثابة منح شرعية سياسية أخرى للنظام الجديد وتمكين له، وإضعاف الأصوات في الداخل والخارج التي كانت تراهن على إسقاط النظام والتقسيم، فهي اليوم محدودة وعاجزة في الداخل أولاً وهذا المهم، ودوران عجلة الاقتصاد، وإن كان الأمر سيكون بطيئاً في البداية، سيساعد على تعزيز حالة الاستقرار والأمن الداخلي.
لن ينفكّ نتنياهو في محاولة إطاحة الدولة، واستثمار الفرصة، وعلى الأغلب سيستخدم أدواته المختلفة في أروقة البيت الأبيض واللوبي الصهيوني لتنفيس قرار ترامب أو محاولة ربطه بشروط معينة. وفي النهاية، لن يقبل نتنياهو إلّا بسورية ضعيفة هشّة، بلا جيش قوي، وغير قادرة على الدفاع عن نفسها تجاه هذه الهمجية الإسرائيلية.
من الواضح أنّ الرئيس السوري أحمد الشرع وفريقه يدركون جيداً الاختلال الكبير في موازين القوى الخارجية، وأهمية التركيز على الوضع الداخلي، ويراهنون كثيراً على الأدوار العربية والتركية في دعم الدولة، ويتجنّبون أي صراع مع إسرائيل شراءً للوقت وتفويتاً لأجندة التقسيم التي يؤمن بها الفريق اليميني حول نتنياهو. لذلك المعركة لم تنته بعد في الكواليس الأميركية، وإن كان الموقف الأوروبي داعماً قوياً للنظام الجديد من الضروري استثماره.
من جهةٍ أخرى، باء الرهان المبالغ فيه الذي عززته تقارير وتسريبات إعلامية أميركية وإسرائيلية على موقف أميركي حاسم في ما يتعلّق بنتنياهو وبوقف العدوان على غزّة وبالحل السياسي بفشل ذريع، ولم يكن واقعياً في الأساس، لذلك وبالرغم من إفراج حركة حماس عن الجندي الإسرائيلي الإسرائيلي- الأميركي، عيدان ألكسندر، لم يؤد إلى انفراج، فما يزال نتنياهو متمسّكاً بخطّته "عربات جدعون" لتهجير أهل غزّة، عبر توسيع العملية العسكرية، وفرض واقع جديد، لاستباق ضغوط ترامب، إن كان هنالك ضغوط.
لا تبدو مؤشّرات على تغير جذري وجوهري في موقف ترامب تجاه غزّة، وما تتناقله تلك التقارير مبالغ فيه، في رأي الكاتب، وإن كان هنالك خلاف على أكثر من صعيد بينه وبين نتنياهو، فإنّ بعض تصريحاته خلال زيارته الخليج، أظهرت أنّه ما يزال متمسّكاً بخطة التهجير، عبر الحديث عمّا أطلق عليه "أرض الحرية" في غزّة، وهو مشروع يستبطن التهجير بوضوح؛ بل صعّدت إسرائيل من عملياتها وقصفها في غزّة والضفة الغربية في نهاية جولة ترامب الخليجية، ما يؤكّد عدم وجود تغيير جوهري، حتى اللحظة، في موقف الإدارة الأميركية.
ماذا عن المرحلة المقبلة؟ على الصعيد السوري؛ المطلوب عربياً- تركياً البناء على موقف ترامب الجديد، ومتابعة الموضوع، ودعم سورية. وعلى صعيد غزة من الضروري تكثيف الضغوط الدولية والإقليمية لوقف الإبادة الكاملة لأهل غزّة، فإسرائيل ستصعّد كثيراً من الناحية العسكرية، وسيحاول نتنياهو الخروج من المأزق الحالي عبر قدر أكبر من استخدام القوة العسكرية وتفويت الفرصة على خصومه في الداخل لاستثمار الإفراج عن عيدان.
