متلازمة القلب المكسور

5 hours ago 1
ARTICLE AD BOX

عند سماعها الخبر الصادم، قرّرت المرأة المخذولة أن تنأى بنفسها عن كلّ شيء، كان هذا حين أخبرها الطبيب أنها مصابة بمتلازمة القلب المكسور، وهو مرضٌ عضوي قد يعطب القلب ويؤدّي إلى الموت، ومن أسبابه التعرّض لمواقفَ مثيرة للتوتّر، ولمشاعرَ شديدة الوطأة، إضافة إلى القلق والاكتئاب وحالات الغضب الشديد والتوتّر المُزمن. قال إنها قد تشعر بألم مفاجئ في الصدر وضيق في التنفّس تتشابه مع أعراض النوبة القلبية.
بعد أن كتب لها مجموعة من الأدوية، أكّد الطبيب ضرورة الاسترخاء والتخلّص من المشاعر السلبية، طمأنها بأن الوضع ليس خطيراً إذا ما واظبت على أدويتها، واستمعت إلى نصائحه عن ضرورة الاعتناء بصحّتها النفسية، وتغير نمط حياتها، وحذّرها كثيراً من مغبّة الإهمال.
في البداية، راقَها اسم المرض الأنيق الشاعري الراقي، الذي لم تسمع به من قبل، وأحسّت بشيء من التميّز والفخار، اللذين لا تتيحهما الإصابة بمرض البواسير مثلاً، إذ إنها تستطيع البوح باسم مرضها في المجالس من دون ارتباك أو خجل. فكّرت في أن ذلك المرض يليق بشخصيتها الهشّة الميّالة إلى الحزن من حيث المبدأ.
أقرّت أنها مختلفة عن الجميع، فزمرة دمها سلبية، ويعتبرها الطبّ نادرةً، وفي الدول المتحضّرة يُلزِم القانون أمثالها ارتداء سوار طبّي يفيد بزمرة الدم، تحسّباً لأيّ طارئ. كما أنها اكتشفت أنها لا تملك طواحين عقل مثل بقية خلق الله، أكّد لها طبيب الأسنان خلوّ فمها من أيّ منها، ما وفّر عليها كثيراً من العناء والألم، والحكمة ربّما، وفسّر رعونتها وطيشها في أيام الصبا، كما كانت تبرّر ذلك مازحةً في غياب طواحين العقل.
غير أن الخوف سرعان ما تمكّن منها حين تصفّحت "غوغل"، وقرأتْ مزيداً من تفاصيل متلازمة القلب المكسور، وأدركت أن الأمر ليس طرفةً، وأن عليها إحداث تغييرات كبرى حفاظاً على حياتها. لكنّ أسئلةً أكثر خطورةً كان عليها أن تطرحها على نفسها في تلك اللحظة المفصلية: هل حقّاً أريد الحفاظ على حياتي؟ هل أحبّها أصلاً؟ هل فيها ما يستحقّ العناء؟ وكيف لي بعد هذا العمر الطويل أن أتغيّر؟ وأن أكفّ عن الاكتراث بما يدور حولي من أهوال حروب وقتل ودمار؟ كيف أصمّ أذنَيَّ عن أنّات المعذّبين والجوعى والمتروكين لمصيرهم؟ كيف لي أن أنام ليلي الطويل وأنا متأكّدة أن جارتي تتعرّض للتعنيف والضرب المبرّح من زوجها، وتعمل كلّ صباح في إخفاء آثار الكدمات بمساحيق التجميل، قبل أن تذهب إلى عملها؟ كيف لي تجاهل نظرات يتيمة رحل عنها والدها، وتخلّت عنها أمها من أجل زوج جديد، وتركتها في كنف جدّة معدمة آيلة إلى الموت في أي لحظة؟ كيف لي تجاهل خبر قتل رجل شقيقته رمياً بالرصاص، قبل أن يسلّم نفسه للجهات الأمنية؟ كيف لي ألا أفكّر في الرجل الذي جار عليه الزمن، فلم يعد يملك قوت يومه، واضطر إلى ذلّ السؤال؟
اعترفت لنفسها بعد تفكير طويل أنها امرأة غير صالحة للحياة، وأنها عاجزة عن إتقان فنّ اللامبالاة، وأنها لن تنأى بنفسها، حتى لو أرادت ذلك، لأن تركيبتها النفسية قائمة أساساً على الاكتراث والإحساس بعذابات الآخرين. كتبت رسالةً إلى طبيبها المعالج عبر "واتساب" جاء فيها: "أعتذر يا طبيبي العزيز، لن يكون بإمكاني إحداث أيّ تغيير يذكر في نمط حياتي من أجل كسب بضع سنوات إضافية لن تُحدث فرقاً، يبدو أنني سأبقى كما أنا، حتى لو تكسّر قلبي إلى مليون قطعة متناهية الصغر، وتناثر بعيداً من هذا العماء".

Read Entire Article