ARTICLE AD BOX
بغداد / تبارك عبد المجيد
تعرض العراق في الفترة الأخيرة الى موجة من العواصف الترابية، التي يتوقع مراقبون ان تزداد على طول موسم الصيف، وفي ظل ظروف مناخية وبيئية شديدة القسوة يحذر خبراء من تداعيات هذه الظاهرة على الصحة العامة والاقتصاد والبيئة، يحمّل كثيرون الجهات الحكومية مسؤولية تفاقم الأزمة نتيجة الإهمال وغياب الحلول المستدامة.
أوضح المتنبئ الجوي صادق عطية أن العواصف الترابية تمثل سمة بارزة من سمات مناخ العراق، لا سيما في المناطق الوسطى والجنوبية الغربية، وذلك بسبب طبيعتها الجغرافية الصحراوية أو شبه الصحراوية، بالإضافة إلى المناخ المتطرف الذي يميزها من حيث قلة الأمطار.
وأشار عطية إلى وجود علاقة عكسية بين كميات الأمطار خلال فصل الشتاء وحدّة العواصف الترابية في الربيع والمواسم التالية. إذ كلما ازدادت الأمطار، ساعد ذلك في ترطيب التربة والحد من تطاير الغبار. أما إذا كانت الأمطار شحيحة، كما حصل في الشتاء الماضي، فإن التربة تصبح أكثر عرضة للجفاف، مما يهيئ الظروف لتكرار العواصف الترابية التي تبدأ من الغرب وتمتد إلى الوسط والجنوب، وقد تطال أحياناً مناطق الشمال.
وبين عطية أن هذه الظاهرة لا تقتصر على فصل الربيع، بل تمتد آثارها إلى الصيف أيضاً، الذي يتميز بهبوب رياح شمالية غربية نشطة تُعرف بأنها سمة من سمات مناخ العراق خلال هذا الفصل. ويرجع سبب هذه الرياح إلى تأثير المنخفضات الحرارية، وعلى رأسها منخفض شبه الجزيرة العربية.
وأضاف أن نشاط الرياح في المناطق الجافة يؤدي بشكل مباشر إلى تصاعد موجات متكررة من الغبار، خصوصاً في ساعات الظهيرة، بدءاً من مطلع حزيران وحتى نهاية تموز. وتشهد هذه الفترة تكراراً واضحاً للعواصف الغبارية بمعدل قد يصل إلى مرتين أسبوعياً. وتكون هذه العواصف أشد خلال النهار، لا سيما بين العاشرة صباحاً والسادسة مساء، ثم تخف حدتها ليلاً مع تراجع نشاط الرياح، قبل أن تعود مجدداً في اليوم التالي.
عطية أكد أن هذا النمط المناخي يتكرر سنوياً، لكنه يتفاقم مع انخفاض معدلات الأمطار، مشيراً إلى أن التغير المناخي أصبح عاملاً مؤثراً في زعزعة التوازن البيئي والمناخي في العراق. من جهته، حذر الخبير البيئي أحمد صالح من أن العراق يواجه صيفاً قاسياً على المستويين البيئي والمناخي، لافتاً إلى أن العواصف الغبارية لا تزال تمثل تهديداً حقيقياً ومستمراً، يترقبه المواطنون والمختصون بقلق متزايد. وفي حديثه لـ(المدى)، أوضح صالح أن المخزون المائي الستراتيجي للبلاد تراجع إلى مستويات متدنية للغاية، لا تكاد تكفي لتلبية احتياجات مياه الشرب، فضلاً عن عجزها عن دعم المساحات الزراعية أو الحفاظ على البيئات الرطبة كالأهوار. وأشار إلى أن الحكومة اضطرت في الموسم الزراعي الماضي إلى تقليص المساحات المزروعة إلى نحو 45% فقط من المساحات المعتادة، ومع ذلك، استمر العجز المائي، مما فاقم الضغوط على البيئة الزراعية وفتح الباب أمام تسارع وتيرة التصحر. ونوه صالح إلى أن أهوار ميسان وذي قار وسواها من مناطق الأهوار تعيش أوضاعاً بيئية حرجة، حيث أصبحت مهددة بالجفاف والانكماش، ما يُنذر بحدوث كارثة بيئية إذا ما استمر هذا الوضع خلال فصل الصيف المقبل. وفيما يتعلق بالعواصف الترابية، أكد صالح أن الجفاف وتدهور الغطاء النباتي سيساهمان في زيادة وتيرة العواصف المحلية، إلى جانب العواصف القادمة من دول الجوار، والتي لا يمتلك العراق القدرة على مواجهتها أو الحد من تأثيرها. وأوضح أن الظروف المناخية، من ارتفاع درجات الحرارة، وانخفاض نسب الرطوبة، ونشاط الرياح الجافة، تشكل مجتمعة بيئة مثالية لنشوء هذه العواصف وانتشارها بوتيرة متكررة.
وأضاف: "المؤشرات المناخية الراهنة تدل على أن صيف هذا العام سيكون أكثر حرارة من الأعوام السابقة، ما قد يضاعف من حدة العواصف الترابية وتداعياتها على الصحة العامة، والإنتاج الزراعي، والتوازن البيئي في البلاد".
وقدّر مرصد العراق الأخضر حجم الخسائر الاقتصادية والبيئية التي تتكبدها البلاد بسبب العواصف الترابية والرملية بنحو مليون دولار يومياً، نتيجة الأضرار المباشرة وغير المباشرة التي تطال عدة قطاعات حيوية. وأشار المرصد إلى أن القطاع الصحي يتحمل العبء الأكبر، نتيجة تزايد حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي، ما يرهق المستشفيات ويدفع الكثير من المواطنين إلى اقتناء أجهزة تنفس منزلية لتفادي المراجعات المتكررة. كما أوضح التقرير أن هذه العواصف تتسبب في ارتفاع معدلات حوادث السير، خصوصاً على الطرق الخارجية حيث تنعدم الرؤية بشكل شبه تام، إضافة إلى تضرر المحاصيل الزراعية بفعل التراب المتراكم والرياح الشديدة، ما يؤثر سلباً على الإنتاج المحلي والأمن الغذائي.
ولم تقتصر الأضرار على الإنسان والزراعة، بل امتدت لتشمل الحيوانات والكائنات الحية الأخرى، التي تواجه ظروفاً بيئية قاسية. وأكد المرصد أن عمليات التنظيف المتكررة للمنازل والمرافق العامة والسيارات تتسبب في هدر كميات كبيرة من المياه، بينما تسهم تراكمات الغبار في انسداد شبكات الصرف الصحي وتوقفها عن العمل في بعض المناطق.
وفي ضوء هذه التداعيات، شدد المرصد على ضرورة تفعيل إجراءات المعالجة البيئية، وعلى رأسها مشاريع التشجير وإنشاء الأحزمة الخضراء، لا سيما في المحافظات الحدودية التي تُعدّ الأكثر تعرضاً للتصحر والعواصف المتكررة.
أوضحت الناشطة البيئية ميلان عزيز أن تزايد العواصف الترابية في العراق يعود بشكل رئيسي إلى تراجع معدلات الأمطار وغياب مشاريع التشجير الفعالة، مما أفسح المجال أمام الرياح القادمة من المناطق الصحراوية والمكشوفة لنقل كتل ضخمة من الغبار نحو المدن والمناطق السكنية. ولفتت إلى أن الرياح العابرة لتلك الأراضي القاحلة، التي تفتقر لأي غطاء نباتي، تلعب دوراً أساسياً في تكوين هذه الظاهرة البيئية المقلقة.
وفي حديثها لـ(المدى)، انتقدت نجوان عمليات إزالة الأشجار المعمرة، واستبدالها بنباتات ضعيفة ورديئة الجودة، لا تؤدي الغرض البيئي المنشود منها، مما فاقم من هشاشة المنظومة النباتية في البلاد. وأكدت أن هذا النهج يعكس غياب رؤية بيئية واضحة لدى الجهات المعنية.
وحملت ميلان الحكومة مسؤولية تصاعد هذه الظاهرة، مشيرة إلى ما وصفته بالإهمال والتقاعس في إدارة الملف البيئي، الذي جعل العراق أكثر عرضة للعواصف الترابية مقارنة بدول الجوار. وعزت ذلك إلى فشل السياسات الخاصة بمكافحة التصحر والحفاظ على التوازن الطبيعي.
وترى أن تفاقم هذه الأوضاع ناجم عن عدة عوامل متداخلة، أبرزها التدمير المنهجي للغطاء النباتي، والاعتداءات المستمرة على الأراضي الزراعية، لا سيما في أطراف العاصمة بغداد، نتيجة حملات عسكرية سابقة أو بسبب الإهمال المتراكم. كما أشارت إلى أن شح المياه وغياب أي دعم حكومي جاد دفع بالعديد من المزارعين إلى ترك أراضيهم، مما ساهم في تحول مساحات واسعة إلى أراضٍ قاحلة، تُعد مصدراً دائماً لتكون العواصف الترابية.
The post متنبئ جوي يحذر: عواصف الغبار قادمة بوتيرة أسبوعية.. والذروة ظهراً appeared first on جريدة المدى.