ARTICLE AD BOX
تسلمت جزيرة غرينلاند، نيابة عن كومنولث مملكة الدنمارك، اليوم الاثنين، الرئاسة الدورية لمجلس القطب الشمالي من النرويج، وذلك وسط أزمات في علاقة دول المجلس وطلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب انتزاع الجزيرة القطبية من السيطرة الدنماركية. ويضم المجلس الدول القطبية الشمالية وهي: كندا ومملكة الدنمارك وفنلندا وأيسلندا ومملكتا النرويج والسويد وروسيا والولايات المتحدة الأميركية، إلى جانب ست مجموعات دائمة تُمثل الشعوب الأصلية في القطب الشمالي.
وخلال العامين الماضيين عملت الرئاسة النرويجية الدورية للمجلس على تعاون تقني في الحد الأدنى لإبقاء المجلس القطبي على قيد الحياة، إذ على رغم أن هدف تأسيس المجلس في عام 1996 كان لخلق تعاون بين الدول القطبية الشمالية، إلا أن أهمية هذه البقعة الجغرافية الضخمة أثارت على مر السنوات الماضية شهية التنافس للسيطرة على أكبر قدر منها، في تنافس يقوم على أساس مصالح الدول لاحتواء أن المنطقة القطبية الشمالية على احتياطات ضخمة من المعادن والأتربة النادرة والمواد الخام الهامة للصناعات.
إضافة إلى ذلك، تحولت التغيرات المناخية إلى فرصة لاستغلال صيني- روسي لمسار الشمال البحري، إذ تزايد الاهتمام من الجانبين الروسي والغربي بالمنطقة القطبية الشمالية على مستوى العسكرة في قضايا الدفاع والأمن، وهو ما يتذرع به ترامب للتوسع نحو غرينلاند. وأثر الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022 سلبا على تعاون الدول الأعضاء في القضايا التي تأسس لها المجلس، الذي لم يجتمع على مستوى وزاري منذ مايو/أيار 2021 (في أيسلند). وسيطر التوجس خلال العقد الأخير في علاقة الدول القطبية الغربية بموسكو، بعد استدعائها بكين إلى الدائرة القطبية، من خلال زيادة التعاون على مستويات مختلفة، ومحاولات صينية لاختراق غرينلاند على مستوى الاستثمار في البنى التحتية، والتي جوبهت برفض دنماركي وبتحريض من واشنطن.
وتحولت المنطقة القطبية الشمالية، على خلفية التوتر الغربي- الروسي خصوصا بضم موسكو لشبه جزيرة القرم الأوكرانية في 2014، إلى مجالات تنافس وعسكرة، فمن ناحيتها سرعت روسيا إعادة العمل وتوسيع قواعد سوفييتية سابقة أغلقت بعد الحرب الباردة في الدائرة القطبية، بينما اتجه الغربيون نحو تعزيز الانتشار العسكري- الأمني في معظم الدائرة القطبية الشمالية وعلى تخوم روسيا، بما في ذلك تأسيس قواعد عسكرية أميركية في أقصى شمال النرويج، وزيادة التعاون مع كوبنهاغن واستوكهولم وهلسنكي فترة الإدارة الأميركية السابقة.
مع ذلك، فإن استلام غرينلاند اليوم لمهام رئاسة المجلس القطبي الشمالي لا يعني أن الكتلة الغربية فيه ستكون أكثر تعاونا، إذ إن تحديات العلاقة بروسيا بات يضاف إليها اليوم توترات على جبهة العلاقة بواشنطن، سواء أوروبيا أو كنديا. ويشمل ذلك تعبير ترامب عن رغبته ضم كندا إلى بلاده والرغبة بانتزاع غرينلاند من الدنمارك وخوضه حروبا تجارية ضد الحلفاء، وعودة الشكوك العميقة بشأن التحلل من التزامات أميركية بالدفاع القارة الأوروبية، التي تشعر بأنها مهملة في مساعي فرض حل سلمي للحرب في أوكرانيا.
وفي السياق، يعتقد الخبير في السياسات الأمنية في القطب الشمالي من كلية الدفاع في كوبنهاغن ماركوس ياكوبسن، أن المجلس القطبي يواجه تحد وجودي. وصرح للتلفزة الدنماركية اليوم الاثنين أن "المهمة الجسيمة هي في مواجهة رغبات ترامب في الاستحواذ على غرينلاند". كذلك ذهب الأستاذ في جامعة غرينلاند راسموس ليندر معتقدا أن المجلس القطبي "يواجه تحديات صعبة". ويرى ليندر أنه حتى على مستوى التعاون في قضايا التغيرات المناخية والتنمية المستدامة ستكون واشنطن "شريكا صعبا"، نظرا إلى مواقف ترامب وإدارته السلبية من قضايا التغير المناخي والمساهمة الأميركية بتخفيف آثارها.
وبرأي الغربيين، فإن المسألة وبعيدا حتى عن الصراع على غرينلاند، تتعلق بتفكير ترامب ورجالاته، مثل وزير خارجيته ماركو روبيو، ورفضهم اعتبار التغيرات المناخية مجالا للتعاون في المجلس القطبي الشمالي، وهي ذات المواقف التي اتخذها وزير خارجية ترامب في فترته السابقة، مايك بومبيو، وخصوصا بعد انسحاب ترامب من اتفاق "باريس المناخي"، سواء في ولايته السابقة 2017 أو الحالية في وقت سابق من العام الحالي 2025، لنقض عودة جو بايدن إليها في 2021".
من ناحيتها، رأت مسؤولة السياسات الخارجية عن حكومة الحكم الذاتي لغرينلاند، فيفيان موتزفيلدت، أن "رؤى الدنمارك (صاحبة السيادة على غرينلاند) ستولى أهمية، وخصوصا أولوية قضايا الشعوب الأصلية والتنمية المستدامة والتحول في مجال الطاقة لسكان القطب الشمال"، لتجنب الشلل الذي يصيب مجلس القطب الشمالي، وهو ما يعني أن التركيز المستمر على القضايا المناخية والمحيطات والتنوع البيولوجي بما هي عناوين رئيسية يشبه إلى حد بعيد ما أولته النرويج من اهتمام خلال العامين الماضيين.
في المجمل، يمكن القول إن مجلس القطب الشمالي، شأنه شأن عديد مجالات التعاون الغربي (الأوروبي)- الروسي، يتعرض لانتكاسات متتالية بسبب تدهور علاقة الجانبين. أما على مستوى المنطقة القطبية فإن الانتكاسات تتزايد باتساع الفجوة القائمة بين إدارة ترامب والحلفاء الأوربيين والكنديين. في نهاية المطاف يعتقد عديد الخبراء، ومنهم أستاذ جامعة غرينلاند ليندر بأن تحديات العلاقة بالحليف الأميركي يجعل من مجلس القطب الشمالي "يُصارع من أجل البقاء"، سواء كانت بعهدة غرينلاند (الدنمارك) أو النرويج سابقا.
