محادثات في إسطنبول ومفتاح الحل بين يدي بوتين وترمب

3 days ago 3
ARTICLE AD BOX

<p>أعضاء الوفدين الأوكراني (يسار) والروسي (يمين) أثناء حضورهم اجتماعاً&nbsp;في قصر دولما بهجة الرئاسي التركي بإسطنبول (أ ف ب)</p>

في ما هو أشبه بـ"مجلس الحرب"، أعلنت موسكو تشكيل الوفد الروسي الذي قرر الرئيس فلاديمير بوتين إيفاده إلى إسطنبول لاستئناف المحادثات المباشرة مع الجانب الأوكراني التي جرت في مارس (آذار) 2022، من دون أي شروط مسبقة. ولم يغفل بوتين الإشارة إلى عدم شرعية الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي الذي انتهت مدة ولايته في مايو (أيار) 2024، غير أنه أشار أيضاً إلى إمكان تفويض أحد أعضاء الوفد الروسي للمحادثات مع زيلينسكي في حال إصراره على المشاركة في المحادثات، على أن يكون التوقيع على نتائج المفاوضات الروسية - الأوكرانية لرئيس مجلس الرادا (البرلمان الأوكراني) الذي يملك الصلاحية لذلك.

وكانت أوروبا وأوكرانيا طالبتا باتفاق وقف إطلاق النار غير المشروط لمدة 30 يوماً، الذي اقترحته إدارة ترمب قبل شهرين، وقال زعماء أوروبيون إن الرئيس الأميركي دونالد ترمب يدعم شخصياً خطتهم، إلى جانب تأييده لفرض عقوبات جديدة إذا فشلت روسيا في التوقيع على الاتفاق.

"هرولة" زيلينسكي إلى محادثات إسطنبول

وكان بوتين اقترح على السلطات في كييف استئناف المفاوضات المباشرة في إسطنبول في الـ15 من مايو، التي سبق ورفضت أوكرانيا استمرارها بعد عدم اعترافها بنتائجها في عام 2022، بإيعاز من رئيس الحكومة البريطانية السابق بوريس جونسون، كما أشار بوتين إلى أن روسيا الاتحادية أعلنت سابقاً وقف إطلاق النار في مناسبات عديدة. وقال إن نظام كييف انتهكه أكثر من مرة، بما في ذلك وقف إطلاق النار الأخير لمدة ثلاثة أيام خلال الاحتفالات بالذكرى الـ80 للنصر ضد ألمانيا النازية.

وأعلن الزعيم الروسي وبعد طول تكتم تشكيل وفد بلاده في المحادثات التي قال إنها لا بد أن تكون استئنافاً لمحادثات إسطنبول في مارس 2022، ويترأسه مساعد الرئيس فلاديمير ميدينسكي، الذي مثل البلاد في مفاوضات عام 2022، وذلك إلى جانب عضويته من نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل جالوزين، ورئيس إدارة الاستخبارات الرئيسة في هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية إيغور كوستيوكوف، ونائب وزير الدفاع ألكسندر فومين، بما يشير إلى المستوى الذي حددته روسيا لمحادثات الدورة الحالية للمحادثات الروسية - الأوكرانية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولعله من الطريف والمثير معاً أن الرئيس الأوكراني المنتهية ولايته، و"رعاته" من الزعماء الأوروبيين الذين قاموا بزيارة كييف وكأنما "لتلقينه"، بحسب ما قاله مراقبون في موسكو، بما يجب أن يكون عليه موقف الجانب الأوكراني في محادثات إسطنبول، خلصوا إلى اتفاق غير معلن حول ضرورة الصمود ومواصلة القتال "حتى آخر جندي أوكراني"، بحسب ما يقول مراقبون روس كثر.

وبينما لم يعر هؤلاء ما طرحه بوتين من مبادرة في شأن وقف إطلاق النار طويل الأجل اهتماماً، فقد سارع زيلينسكي إلى إعلان موافقته على هذه المحادثات التي كثيراً ما رفضها في السابق منذ أبريل (نيسان) 2022، وأنه سينتظر الرئيس بوتين في إسطنبول، في إشارة غير مباشرة إلى أن ما قاله هو نتاج محادثاته مع "الزعماء الأوروبيين الأربعة"، الذين زاروه أخيراً، وهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، والمستشار الألماني الجديد فريدريخ ميرتس، ورئيس الحكومة البولندية دونالد توسك.

ولم يكن زيلينسكي وحده الذي سارع إلى إعلان استعداده للسفر إلى إسطنبول، إذ شاركه في ذلك الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي بادر من موقعه في قطر وقبيل انتهاء جولته الخليجية التي زار خلالها العربية السعودية وقطر والإمارات العربية، إلى إعلان استعداده للمشاركة أيضاً في هذا الحدث المهم، وإن ربط ذلك بلقائه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقال ترمب إنه على استعداد لتغيير برنامجه المقرر بما يتفق مع مواعيد مشاركته في محادثات إسطنبول، واللقاء المشترك مع بوتين وزيلينسكي.

ومن فوق متن الطائرة الرئاسية قال ترمب للصحافيين، قبل هبوطه في دبي كجزء من جولته في الشرق الأوسط، إنه "لن يكون هناك تقدم في محادثات السلام حتى نلتقي أنا وبوتين". وقامت الدنيا ولم تقعد في انتظار الكلمة الأخيرة من جانب الرئيس بوتين، الذي التزم الصمت في انتظار نتائج اجتماعه مع كبار قيادات مجلس الأمن القومي الروسي وكبار رجال الدولة والحكومة وكبار القيادات العسكرية المشاركة في العملية العسكرية الروسية الخاصة، إلى جانب أعضاء الوفد الروسي في المحادثات السابقة مع الجانب الأوكراني في إسطنبول في مارس 2022، وظل العالم بأسره حابساً أنفاسه في انتظار قرار الرئيس بوتين، وما إذا كان قرر السفر إلى إسطنبول.

 

وتباينت توقعات المراقبين بقدر تباين درجة معارفهم بالواقع الروسي، وقراءتهم لمفردات ما أعلنه بوتين في خطابه الذي أوجز فيه مبادرته لإجراء المفاوضات المباشرة مع الجانب الأوكراني "من دون قيد أو شرط"، إلى جانب ما قاله حول شروط مشاركة الرئيس الأوكراني "المنتهية ولايته" زيلينسكي.

رفض بوتين السفر إلى إسطنبول

ولم يتوقف المراقبون كثيراً عند وصول الرئيس البرازيلي لولا دي سيلفا موسكو، وهو الذي سبق وقال من موقعه في بكين إنه على استعداد للتوقف في موسكو في طريق عودته للوطن، للقاء مع الرئيس بوتين لإقناعه بضرورة اللقاء مع زيلينسكي، ومعرفة مدى استعداد القيادة الروسية لإعلان وقف إطلاق النار، وما طلب منه زيلينسكي معرفته للمفاوضات مع الجانب الروسي. غير أن بوتين لم يلتق دي سيلفا شريكه وأحد الأعضاء المؤسسين لمنظمة "بريكس"، مكتفياً بالحديث التليفوني الذي دار بينهما من دون إعلان عما دار بينهما بخصوص احتمالات مشاركة بوتين في محادثات إسطنبول.

وكان الرئيس البرازيلي سبق وأشار إلى أنه "أتيحت له الفرصة لتناول العشاء مع بوتين، خلال وجوده في موسكو لحضور احتفالاتها بالذكرى الـ80 للنصر على ألمانيا الفاشية، في الفترة من الثامن إلى الـ10 من مايو، وكان هذا أول شيء سأله عنه". ونعيد للأذهان ما طرحته البرازيل بالتعاون مع الصين حول خطتهما في شأن أوكرانيا ولإحلال السلام في أوروبا، وقال لولا دي سيلفا في مؤتمر صحافي في بكين "عندما أزور موسكو سأحاول التحدث مع بوتين"، وهو ما لم يستطعه.

كما وصف قسطنطين كوساتشوف نائب رئيسة مجلس الاتحاد والدبلوماسي صاحب الخبرات الواسعة، في تعليقه على ما قاله زيلينسكي حول مشاركته في محادثات إسطنبول، بأنها أقرب إلى كونها "حركة مسرحية كوميدية"، وأضاف قائلاً "هذا أداء مسرحي، هذه كوميديا، فبمثل هذه هي الطريقة لا يتم تنظيم الاجتماعات رفيعة المستوى، بخاصة في مثل هذا الوضع الصعب".

كما استشهد في حديثه إلى قناة "العربية" بدراسة اللقاء المحتمل بين رئيسي روسيا والولايات المتحدة كمثال، مشيراً إلى أن الأطراف تتعامل مع هذه القضية بعناية فائقة وليست في عجلة من أمرها، لأن اللقاء عن غير استعداد كاف، أسوأ من غيابه. كما أضاف كوساتشوف، "ولعل زيلينسكي يتذكر هذا من تجربته الحزينة، عندما انتهى اجتماعه في البيت الأبيض مع الرئيس ترمب، الذي لم يجر إعداده بصورة صحيحة في فبراير (شباط) من العام الحالي، بفشل كامل بالنسبة إليه". واختتم حديثه بقوله إن "زيلينسكي في وضع مثير للاشمئزاز"، وهو قول أقرب من حيث الشكل والجوهر، بما وصف به سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسية حالة زيلينسكي، حين قال إنه "إنسان بائس".

ولعل ما سبق وقاله بوتين غير مرة حول عدم شرعية زيلينسكي وكونه فقد وضعيته الدستورية بانتهاء فترة ولايته في مايو 2022، وعلى رجال القانون البحث عن الشخصية ذات الصلاحية للتوقيع على نتائج محادثات السلام، يمكن أن يكون مؤشراً نحو رفض وجوده إلى جانب الوفد الرسمي لبلاده في مثل هذه المناسبة، كما قال بوتين في وقت سابق إن رئيس مجلس الرادا يمكنه المشاركة والتوقيع على نتائج محادثات السلام.

 

وعاد بوتين ليشير إلى أنه يمكن أن يخصص واحداً من أعضاء الوفد الروسي للجلوس إلى زيلينسكي في حال إصراره على المشاركة في هذه المحادثات، بما يعني رفضه الجلوس إليه، وهو ما كان ضيوفه من "الزعماء الأربعة" ممن كانوا في زيارته خلال الأيام القليلة الماضية، خلصوا إليه في محادثاتهم حول هذا الموضوع. ولعل ذلك كله دفع بعض المراقبين من العارفين بما يجري وراء كواليس الكرملين، فضلاً عن معايشتهم لكثير من ردود فعل رئيسهم، إلى رفض التعليق على ما سيكون عليه قراره حول المشاركة في لقاء إسطنبول. وثمة من أضاف إلى كل ما تقدم، ما كانت عليه كل قراراته حول رفض السفر إلى بعض البلدان، ومنها تركيا التي سبق وتراجع عن تلبية دعوة رئيسها رجب طيب أردوغان، مما عزاه بعض المراقبين إلى مذكرة المحكمة الدولية الصادرة في حقه في مارس 2023 بزعم ضلوعه في عمليات "نقل أطفال أوكرانيين" من مناطق محتلة في أوكرانيا بصورة غير شرعية إلى روسيا، وهو ما اعتبرته روسيا أنه "لا قيمة له".

لا لوقف إطلاق النار... لماذا؟

كما أن ما قيل ويقال حول ضرورة النزول إلى إرادة الجانب الأوكراني والمؤيدة من جانب زعماء البلدان الغربية، ومعهم الرئيس الأميركي دونالد ترمب، حول ضرورة وقف إطلاق النار لمدة 30 يوماً، لم يحظ بموافقة روسيا، وكان الرئيس بوتين ومعه كبار القيادات الروسية سبق وأكدوا رفضهم لمثل هذه المبادرة. وبرر بوتين رفض الجانب الروسي بأن هذه الفترة ستستخدم لحشد القوات الأوكرانية، وتوفير الأسلحة والقوات وتحسين مواقعها في ساحات القتال، وهو أمر غير مناسب للقوات الروسية التي تواصل زحفها نحو الوصول إلى الحدود الإدارية السوفياتية السابقة للمقاطعات الأربع التي أعلنت روسيا ضمها في سبتمبر (أيلول) 2022.

كما أن روسيا سبق وأعلنت أنه لا ينبغي أن تبدأ مفاوضات السلام إلا بعد مناقشة "الأسباب الجذرية للصراع الأوكراني"، والاتفاق حول تصفية هذه المبررات التي أعلنت موسكو غير مرة أنها تظل السبب الرئيس لما تقوم به من "عملية عسكرية روسية خاصة" في أوكرانيا. وكانت موسكو طرحت في صدارة هذه الأسباب ضرورة إعلان أوكرانيا تخليها عن طلب الانضمام إلى عضوية حلف شمال الأطلسي، وإعلان وضعيتها الحيادية غير النووية، فضلاً عن إخلاء أراضيها من الأسلحة الاستراتيجية، والاعتراف بما ضمته روسيا من أراض بما فيها شبه جزيرة القرم والمناطق الأربع، وهي جمهورية دونيتسك وجمهورية لوغانسك وزابوريجيا وخيرسون.

وفي تفسيرهم لأسباب رفض موسكو الموافقة على وقف إطلاق النار لمدة 30 يوماً، يقول الخبراء العسكريون إن وقف إطلاق النار يعني ضمناً احتمالات تجدد الحرب بعد ذلك، ومن ثم يكون من المطلوب بحث احتمالات تجدد النزاع، ورصد المواقع التي يمكن أن تشهد استئناف القتال، وانتهاك الشروط المطروحة لوقف إطلاق النار، وذلك في وقت تصر فيه موسكو على أن تكون المحادثات من أجل وقف الحرب ووضع أسس السلام الدائم. وأن يتوقف ذلك كله أيضاً على موقف الجانب الأوكراني الذي يظل أيضاً رافضاً لمجمل مفردات الموقف الروسي التي سبق ووافق عليها الوفد الأوكراني في مارس 2022، وعاد ليتراجع عنها بإيعاز من بوريس جونسون رئيس الحكومة البريطانية، كما ذكر الرئيس بوتين أكثر من مرة.

الكلمة لمن؟

وفي ما يظل المجتمع العالمي في انتظار القول الفصل في شأن الأزمة الأوكرانية، في ظل رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجلوس إلى فلاديمير زيلينسكي، يتساءل المراقبون عمن يمكن لبوتين الموافقة على التباحث معه للوصول إلى التسوية المنشودة، وذلك ما أجاب عليه وزير الخارجية الأميركية بقوله إن "حالة الاختراق الوحيدة الممكنة للمحادثات حول الأزمة الأوكرانية يمكن أن تكون اللقاء بين الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والروسي فلاديمير بوتين". وأضاف أن الولايات المتحدة ليس لديها توقعات مبالغ فيها في شأن المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا، ونقلت "ريا نوفوستي" ما مفاده بأن توقيت الاجتماع المرتقب بين ترمب وبوتين سيعتمد إلى حد كبير على نتائج المفاوضات بين كييف وموسكو، على حد قول ماركو روبيو، وهو ما أكده الرئيس الأميركي كما أشرنا عاليه.

وذلك يتفق في كثير من جوانبه مع الموقف الروسي الذي سبق وأشرنا إليه في معرض تناولنا لأسباب رفض الرئيس بوتين للتفاوض مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي المنتهية ولايته في مايو من العام الماضي، وحتى يصل بوتين وترمب إلى النتيجة المرجوة، تواصل القوات الروسية زحفها داخل الأراضي الأوكرانية لاستكمال ما أعلنته من حدود إدارية للمناطق الأربع المشار إليها عاليه، في ظل تراجع مطرد ليس للقوات الأوكرانية وحدها، بل وفي مواقف عدد من الرعاة، وفي مقدمهم إيمانويل ماكرون، الذي اعترف أخيراً بأن فرنسا أرسلت إلى أوكرانيا كل ما تملكه من أسلحة، ولم يبق لديها سوى ما تتطلبه مصالحها الوطنية، وهو الذي سبق ووعد بإرسال قوات إلى أوكرانيا إلى جانب المظلة النووية التي وعد بها دول الاتحاد الأوروبي.

وختاماً ننقل عن دميتري بيسكوف المتحدث الرسمي باسم الكرملين ما قاله حول أنه "لا يوجد استعداد للاجتماع بين بوتين وترمب في الأيام المقبلة، كما لم تجر مناقشة هذه القضية بصورة موضوعية".

subtitle: 
روبيو أكد أن حالة الاختراق الوحيدة الممكنة للمحادثات حول الأزمة الأوكرانية ستتمثل بلقاء الرئيسين الأميركي والروسي
publication date: 
الجمعة, مايو 16, 2025 - 15:30
Read Entire Article