محترفو ألعاب فيديو يتحولون إلى مقاتلين في صفوف أوكرانيا

5 days ago 3
ARTICLE AD BOX

<p>شون ماكفاي جندي أميركي سابق في فيلق المشاة 25 (يسار الصورة)، يدرب مجندين يافعين على استخدام مهاراتهم في الألعاب الإلكترونية لتوجيه مسيرات أوكرانية (هاري ستورتون)</p>

في مساء ربيعي لطيف الأجواء داخل أعماق شرق أوكرانيا، يحدق شون ماكفاي الملقب بـ "السمكة الذهبية" في وهدة من الأرض تنتشر فيها تدرجياً فوضى منضبطة، وتحت أنوار الشفق الممتزجة بالدخان يرتفع صوت ماكفاي، "إذا أشغلت نفسك تماماً بالقتل فلن تجد وقتاً كي تموت".

وتختلط العتمة الباكرة بالانفجارات التي تلقي التماعات خاطفة وحارقة فوق شبكة من الخنادق المحفورة في عمق التراب الأوكراني، وتبرز الخوذ عبر الغبش وتظهر أشكالاً تزحف وتتجمع تحت النيران، وتمتزج صرخاتهم مع صليات من أصوات تحاكي رميات الرصاص من البنادق.

ويزأر براد الملقب بالـ "قوزاق" بالكلمات التالية، "لا تتمثل مهمتكم بالموت من أجل أوكرانيا بل بالتثبت من أنهم [الخصوم] يقضون من أجل روسيا"، وبراد من قدامى الجنود، إذ أمضى عقدين في الفرقة العسكرية الأميركية 82 المجوقلة ويتولى توجيه هذا المعسكر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وسط هذه الفوضى ترتفع حفنة من الأصوات الغربية ويعلو صوتها على تلك الفوضى، وقد تحولت أرض نائية في عمق ريف مقاطعة "دونيتسك" شرق أوكرانيا إلى محطة غير تقليدية يتدفق عليها فيض من الأجانب بهدف الالتحاق بالقتال ضد روسيا، وتندرج ضمن ظاهرة آخذة في التنامي تحت رعاية قادة أوكرانيين وكوادر من قدامى المحاربين الغربيين، يعملون حاضراً على تحويلها إلى قوة منظمة.

وصممت الدورة التدريبية، وهي عملية اختيار لمدة ثلاثة أسابيع أشرف عليها ماكفاي بدقة، بعد أن واجه اللواء الأوكراني الـ 25 المجوقل، والذي يدافع حالياً عن مدينة بوكروفسك المهمة للغاية، صعوبة كبيرة بسبب التدفق الهائل للمتطوعين الأجانب.

وشق كثر طريقهم إلى هنا عبر تدوينة مفردة على موقع "ريديت" Reddit، وبحسب سكوت الملقب "بافالو" وعمره 19 سنة، وهو إطفائي من ولاية واشنطن، "تواصلتُ مع اللواء المجوقل الـ 25 وأجريت مقابلة عبر الهاتف، وجرى التدقيق في المعلومات عن خلفيتي ثم أُخبرتُ أنني أستطيع القدوم [إلى محطة التدريب في أوكرانيا]".

وإذا نجحوا في اجتياز دورة التدريب، فيأمل كثر في التخصص كمشغلين للمسيرات التي باتت تكتسب دوراً متعاظم الأهمية في معارك أوكرانيا.

وفي حرب يتزايد وقوعها تحت هيمنة سلاح المسيرات، شرعت المهارات المكتسبة من الألعاب الفيديو، وبصورة مثيرة للدهشة، في التحول إلى مَلَكة لها قيمة مرتفعة.

ويشير أوليغ غرابوفي الملقب بـ "هازارد" (خطر) ومنسق الدورة التدريبية، إلى أنه "يغلب على الغرباء امتلاك كثير من الخبرة في الألعاب الإلكترونية ونحن بحاجة إلى ذلك، فالبراعة التي تكتسبها في التحكم بأداة التحكم الخاصة بلعبة 'إكس بوكس' Xbox، تنتقل بصورة مباشرة إلى الطائرات المسيرة، وأفضل مشغل لمسيرات منظور الشخص الأول (اختصاراً "أف بي في") قابلته في حياتي تمثل في شخص يمارس الألعاب الإلكترونية بدأب متواصل". 

وقد عملت الأعمال الحربية للمسيرات على إحداث توازن في مصلحة أوكرانيا في مواجهة تفوق المدفعية الروسية، وبإمكان مسيرة ثمنها 200 دولار أن تدمر معدات قيمتها مئات آلاف، بل ملايين الدولارات، وحاضراً تخطط كييف لإنتاج أكثر من 5 ملايين مسيرة خلال العام المقبل وحده.

يحمل سام لقب "بامبي" وهو في الـ 20 من العمر ويمارس الألعاب الإلكترونية بشغف، وقد وصل أخيراً قادماً من بلدة "تشارلستون" بولاية جورجيا، وتألق في المحاكاة الافتراضية، وخاض منافسات عن سباق المسيرات شملت أرجاء الولايات المتحدة، ويرى أن تلك الخلفية في الألعاب الإلكترونية قد وُظفت أخيراً.

 وبحسب كلماته "فخلال المنافسات أنت توجه المسيرة كي تمر على بوابات ارتفاعها خمسة أقدام [1.52 متر]، بسرعة 100 ميل [161 كيلومتراً]، ويتطلب الأمر التحكم باستدارات حادة، ويتعلق الأمر كله بالدقة واستجابة المنعكسات العصبية، وأُخطط استعمال كل ما تعلمته [من المنافسات] في مصلحة أوكرانيا".

ووفق ماكفاي الجندي المفتول العضلات الذي يبلغ الـ 33 وسبق له أداء الخدمة العسكرية في فرقة المشاة الـ (25) للجيش الأميركي، "لدينا عينات صغيرة من كل العالم المتحدث بالإنجليزية"، وأُنيطَ بماكفاي مهمة تكوين برنامج تدريبي للأجانب، وبالتالي فإنه يشرف على خليط من الأميركيين والكنديين والبريطانيين والأستراليين، وحتى بعض الفرنسيين والأوكرانيين ممن يتحدثون بالإنجليزية، وقد تزامنت الطفرة الأخيرة في أعداد المتطوعين الأجانب مع برودة في دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا، في ظل الإدارة الأميركية الحالية.

ويورد غرابوفي أنه "حينما بدأت الحرب جاء كثر، وانخفض العدد خلال العامين الأخيرتين، والآن، خلال الشهرين الأخيرين، ارتفعت الأعداد مرة أخرى".

ويتحدر المواطن الأميركي غرابوفي من أصول أوكرانية، وهجر أعماله في مدينة سيراكروز بولاية نيويورك كي يلتحق بالجيش الأوكراني عقب الغزو الروسي الشامل في مارس (آذار) 2022، مضيفاً "قد تدهشك أعداد القادمين، إنهم يأتون مئات تلو مئات من أرجاء العالم كله، ولدينا شباب أميركيون في أعمار الـ 18 والـ 19 والـ 20 سنة، ويعتقدون أن بلادهم تخلت عن أوكرانيا".

وحينما يهبط الليل يشرع آليكس، وهو أحدث المتطوعين قدوماً ولقبه "جيغلس"، في الخروج من الخنادق وقد تجلبب بالوحول، ويشار إلى أنه عامل اجتماعي ومسعف من تورنتو وصل قبل ثلاثة أسابيع، ويعترف "لم أمتلك ما يكفي من الشجاعة للقدوم إلى هنا خلال العامين الماضيين، ولكن مع الوضع السياسي في الولايات المتحدة تجاوزت عتبة التردد، وتعتقد عائلتي بأنني مجنون لكنهم يساندوني، وأرغب في المساعدة ويُشعرني ذلك بالانتماء".

وهذا شعور تردد صداه لدى كثر في هذه الدفعة، وترك "بامبي" دراسته الجامعية للمشاركة في القتال، "دعمت أوكرانيا منذ البداية وشعرت بخيبة أمل مما رأيته يحدث في البيت الأبيض، وإذا تراجع شخص ما فعلى آخرين التقدم، وجلست مع فكرة المجيء مدة شهر لأتأكد من أنها ليست مجرد شعور عابر".

وبعد إنهاء هذا التدريب ينتقل المتطوعون إلى دورة تدريب أساس تستمر ستة أسابيع قبل الالتحاق بالمواقع المتخصصة، ويشدد ماكفاي على أهمية اختلاط الأوكرانيين مع متطوعين ينطقون بالإنجليزية كي يتعلموا من بعضهم بعضاً.

ويبين أنه "إنهم بحاجة إلى المساعدة كي يميزوا بين الأمور الجدية والخيالات الفانتازية التي تراود سواح الحروب، ونحن نقدم للناس الحقيقة كما هي، وإن لم يكونوا مناسبين استبعادهم، ونرفض ما بين 30 و 50 في المئة".

ويتمثل الأمر الأشد إثارة للدهشة في شأن أولئك المتطوعين بأنهم من جيل الشباب، ومعظم لم يتجاوز سني المراهقة إلا بالكاد، ويفتقدون الخبرة العسكرية أو لا يملكون سوى القليل منها، وعلى رغم ذلك يتشاركون المثالية والإحساس بإلحاح، واشتعلت شرارة تلك الأمور مع إدراك ضمور الدعم الأميركي لأوكرانيا.

وكذلك يحلم سكوت بأن ينضم لفيلق المسيرات، وبحسب كلماته "تطوعتُ هنا في مصنع للمسيرات من منظور الشخص الأول مدة شهر قبل القدوم إلى هذا المكان، وإذا كنتَ ممن يبرعون في ألعاب المحاكاة الافتراضية عن الطيران أو المروحيات، فستبلي بصورة جيدة في توجيه المسيرات في المعركة".

ويأمل آليكس بالعمل كموجه للمسيرات الاستطلاعية أو حتى في توصيل الإمدادات الطبية إلى الخطوط الأمامية بواسطة المسيرات.

ويحمل غاريث لقب "دراغون"، وهو مهندس مسجل رسمياً في بريطانيا، وترك وظيفته كعامل في العناية الفائقة في هيئة "الخدمات الطبية الوطنية" في ويلز، ويقول "أحمل درجة جامعية في الهندسة الإلكترونية وقد جذبتني تقنيات مسيرات الـ 'أف بي في' إلى هنا، وأستطيع الجمع بين خبرتي كمهندس حربي مع مهاراتي في الهندسة الإلكترونية، إنها أوقات مثيرة للاهتمام في ما يتعلق بالأعمال الحربية وأنا ممارس للألعاب الإلكترونية"، وعلى وجه العموم يورد المتطوعون أنهم أعجبوا بمستوى التدريب والموجهين، ويوضح سكوت "أتيت إلى هنا مع توقعات متواضعة لكن التدريب جاء على نحو مذهل".

من جهته يضيف آليكس، "يخبرني كل الذين تركتهم في الوطن بأنهم [الأوكرانيون] سيلقون بي في خندق ويتركوني لأموت، وبدلاً من ذلك شكّل الموجهون والمتطوعون مصدر إلهام بالنسبة إليّ، ولقد باتوا أخوتي الآن".

وعلى رغم الأخطار يخيم الهدوء على المقاتلين الشباب في شأن المستقبل، ويهز سكوت أكتافه "لا أفكر بالموت، وإذا حصل ذلك فسيحدث، سنموت كلنا في وقت ما، وربما الأفضل أن يحصل من أجل قضية جيدة".

ويحني بامبي رأسه بالموافقة، "لم ينبهر والديّ لكنهما تفهما الأمر، فلقد قررت البقاء إلى حين النصر أو الموت، أيهما حلّ أولاً".

subtitle: 
متطوعون من بريطانيا والولايات المتحدة يسخّرون خبرتهم في الألعاب القتالية الافتراضية لمساعدة كييف لمواجهة الآلة الحربية الروسية
publication date: 
الخميس, مايو 15, 2025 - 14:30
Read Entire Article