مدينة باتارا الأثرية في تركيا تستعيد ضوءها

1 week ago 4
ARTICLE AD BOX

 

لو لم تضَأ منارة باتارا لربما بقيت المدينة التركية الأثرية في غياهب النسيان والإهمال؛ فحتى الأتراك، أو جلهم، لا يعرفون عن ذلك الكنز ما يستحق، قبل أن تعلن الرئاسة التركية، قبل خمس سنوات، عن مشروع ترميم المنارة، بعد قرون من ظلامها، لتخرج خبايا وأسرار باتارا إلى النور توازياً مع إحياء منارتها وإضاءتها قبل أيام.

كثيرون لا يعرفون باتارا، وهو ما لم يغفره الخبير السياحي التركي سردار دونميز، وإن برّره بأن بلاده تزخر بكنوز ومعالم أثرية ومدن قديمة لا تُعد ولا تُحصى. يختصر دونميز، في حديثه إلى "العربي الجديد"، باتارا بأنها "واحدة من أقدم الأماكن المأهولة في العالم، إذ تعود، وفق الوثائق، إلى القرن الثامن قبل الميلاد". ويشير إلى أن في المدينة ما يدل على أهميتها وتاريخها، وما لا يزال قائماً حتى اليوم، مثل منارتها البحرية التي أُعيد ترميمها وإنارتها، والمسرح، والحمامات الرومانية. لكنّ الأهم، في رأيه، أن في المدينة الأثرية مبنى برلمان يُقال إنه من أقدم التجارب الديمقراطية في العالم، وقد رُمّم أيضاً.

وحول ما يُقال عن أن باتارا هي موطن القديس نيكولاس المعروف ببابا نويل، يوضح المتخصص التركي أن أعمال الحفر أشارت إلى أنه وُلد في باتارا في القرن الرابع، وعاش فيها طفولته، ثم تدرّج في مناصب الكنيسة حتى أُرسل أسقفاً إلى ديمرة في أنطاليا، جنوب غربي تركيا، وتوفي هناك. ووفق الميثولوجيا الإغريقية، فإن باتارا هي موطن ولادة أبولّو، إله الشمس والفن، وأرتميس، إلهة القمر والصيد. كما أن الإلهة هيرا غضبت على ليتو، التي عشقها زوجها كبير الآلهة زيوس، فرفضت جميع الأماكن استضافتها، إلى أن تمكنت من اللجوء إلى باتارا.

يسترسل الخبير التركي في الشرح حول أهمية باتارا وسبب اختيار المنارة لإعادة المدينة إلى الضوء، موضحاً أنها بُنيت في عهد الإمبراطور نيرون عام 64–65 قبل الميلاد، وفقاً للكتابة البرونزية الموجودة عليها. وكانت عند تشييدها مرتفعة تُرى من بعيد، لأن باتارا كانت ميناءً لتجميع وتخزين الحبوب التي تُنقل من الأناضول إلى روما. كما أن شواطئ باتارا تُعد من السواحل النادرة التي تلجأ إليها سلاحف "كاريتا كاريتا" منذ ملايين السنين لوضع بيضها وخروج صغارها.

وتوازياً مع مساعي تركيا إلى إدراج المدينة الأثرية باتارا، عاصمة اتحاد ليقيا، على القائمة الدائمة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، يُركّز أيضاً على المسرح الروماني، الذي يمثل مرحلة الانتقال المعماري بين العصرين الهلنستي والروماني، وعلى مبنى مجلس اتحاد ليقيا، الذي يُعدّ أول مجلس ديمقراطي في العالم.

السلطات التركية أعلنت أخيراً إحياء منارة باتارا البحرية التي يبلغ طولها 26 متراً، ويعود تاريخها إلى ألفَي عام، بعد أن دمّرها زلزال رودس عام 1481، في منطقة كاش في ولاية أنطاليا. وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قد أعلن أن عام 2020 هو "عام باتارا"، بهدف الحفاظ على التراث التاريخي وإحياء المعالم الأثرية التي تروي قصص الحضارات القديمة في المنطقة الواقعة بين قضاء فتحية في ولاية موغلا وقضاء قاش في ولاية أنطاليا، والتي تحوي آثاراً على وجود حياة بشرية تعود إلى ما قبل أربعة آلاف عام من الميلاد.

وتُعرف باتارا بأنها عاصمة اتحاد ليقيا، الذي كان يضم 23 مدينة في منتصف القرن الأول الميلادي، وفق ما تؤكد البروفيسورة حواء إيشكان إيشيق، رئيسة أعمال الحفر في المدينة. وتعود آثار باتارا إلى حقب زمنية مختلفة، بدءًا من العهد الروماني وصولًا إلى العثماني، لكنّ أقدم منارة بحرية، وحماماً رومانياً، ومجرى مائياً، ومدخل المدينة التاريخية، والمسرح الروماني، تتصدر معالم المدينة.

طبيعياً، تحوي المدينة تلالاً رملية شبيهة بتلك الموجودة في صحارى مصر، ما يجذب محبي ركوب الخيل والجِمال إلى جانب هواة التاريخ. ولهذه الطبيعة المركبة، من بحر وتلال رملية ومواقع أثرية، عوامل جذب إضافية لشركات الإنتاج الدرامي والسينمائي، التي تصوّر أفلامها في المنطقة، فهي، كما يُقال، "استوديو طبيعي لتصوير الأفلام السينمائية"، وصُوّرت فيها أعمال عدة من قبل.

Read Entire Article