ARTICLE AD BOX
سمحت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، ظهر أمس الاثنين، بإعادة فتح معبر كرم أبو سالم جزئياً بعد 78 يوماً من الإغلاق، إذ دخلت عبره شاحنات محمّلة بالمساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، في خطوة وصفها مراقبون بأنها "شكلية"، ولا تلبي الحد الأدنى من احتياجات الأسواق المتعطشة للسلع الضرورية التي قفزت أسعارها إلى مستويات قياسية بلغت أكثر من 800%.
ويأتي هذا الفتح بعد اشتداد الأزمة الإنسانية وضغوط متعددة تعرضت لها إسرائيل في الأيام الأخيرة، على خلفية أزمة الجوع التي باتت تضرب القطاع، وأكد رئيس جمعية النقل الخاص في قطاع غزة، ناهض شحيبر، أن عدد الشاحنات التي سمح الاحتلال بدخولها صباح أمس بلغ تسعاً فقط، مشيراً إلى أن الكمية "لا تكاد تُذكر" مقارنة بالاحتياجات الهائلة في القطاع، خاصة في ظل حرمان المواطنين من أي مساعدات منذ ما يقارب ثلاثة أشهر.
وقال شحيبر في حديث لـ"العربي الجديد": "إدخال بضع شاحنات بعد فترة إغلاق طويلة للمعابر هدفه امتصاص غضب المجتمع الدولي وللاستهلاك الإعلامي من دون حل مشكلة المجاعة. لذلك نأمل أن تكون هذه الخطوة بداية لزيادة كميات المساعدات التي تصل إلى المواطنين، وصولاً إلى إنهاء حالة المجاعة وإغاثة الناس الذين يعيشون أوضاعاً مأساوية".
وتعيد إسرائيل فتح المعابر بعد خلق حالة من التشوّه الاقتصادي في أسواق غزة، إذ اتبعت خلال شهور الحرب سياسة التقطير بدخول أقل من 20% من الاحتياجات الفعلية للسكان والأسواق، ما فاقم من الأزمة الإنسانية التي يعيشها القطاع المحاصر.
إغلاق الأسواق
تواجه غزة واحدة من أسوأ أزماتها الإنسانية والاقتصادية على الإطلاق، بعدما أجبرت المجاعة المتفاقمة أصحاب المحال التجارية على إغلاق أبوابهم، بعد أن خلت رفوفهم من البضائع وخفتت أصوات الحياة في أسواق طالما عجّت بالمتسوقين، مع الإعلان الإسرائيلي عن مرحلة جديدة من العدوان في غزة تحت اسم "عربات جدعون".
واتّهم مقرّر الأمم المتحدة المعني بالحق في الغذاء مايكل فخري، إسرائيل باستخدام الغذاء سلاحاً ضد الفلسطينيين في قطاع غزة لأكثر من 25 عاماً، مؤكداً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يقترف جريمة حرب عبر سياسة تجويع الفلسطينيين، محذراً من أن هذا النهج يهدّد حياة الملايين. وقال فخري إن إسرائيل دأبت على استهداف قوافل المساعدات الإنسانية المتوجهة إلى غزة على نحوٍ متكرّر خلال الـ 19 شهراً الماضية، ما يعمّق الأزمة الإنسانية في القطاع المحاصر.
وأضاف: "إسرائيل تتعمّد حرمان سكان غزة من الغذاء، وتستهدف الشاحنات التي تنقل المساعدات، ما يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، وهذه الأفعال ترقى إلى جرائم حرب تتطلب مساءلة دولية".
مساعدات محدودة
تحدث إبراهيم المدهون، بائع الحلويات بسوق مشروع بيت لاهيا في شمال غزة، عن توقف عمله بعد إغلاق بسطته والسوق بأكمله، قائلاً: "لا يوجد بضائع. البسطات فارغة والزبائن قليلون جداً مع ارتفاع الأسعار. الناس لا تمتلك نقوداً حتى تشتري الأساسيات، ومع نفاد السكر من الأسواق وارتفاع سعر الكيلو الواحد خلال شهرين من ثمانية شواكل إلى 110 شواكل، اضطررنا للتوقف عن العمل".
وتوقع بائع الحلويات تحرّك الأسواق على نحوٍ طفيف بعد بدء دخول المساعدات، إلّا أنه شدّد على أن الكميات التي تدخل القطاع قليلة جداً مقارنة بالاحتياجات الهائلة للأسواق في ظل إغلاق المعابر منذ أكثر من شهرين. وأوضح المدهون، لـ"العربي الجديد"، أن الأزمة بدأت تتفاقم بعد أيام قليلة من إغلاق المعابر مطلع مارس/ آذار الماضي، مع تصاعد الحصار ووقف كامل لإدخال البضائع، مشيراً إلى أن البائعين يعانون من نقص حادٍ في المواد الغذائية والسلع الأساسية، وهو ما أجبر الكثير منهم على إغلاق محالهم أو تقليص ساعات العمل كثيراً.
وأضاف المدهون: "كان السوق في الماضي يعجّ بالحركة، والزبائن يملؤون المكان من الصباح حتى المساء، لكن اليوم تغير كل شيء، بعد تدمير جيش الاحتلال للمحالّ التجارية، حاولنا الصمود بوضع بسطات أمام ركام محلاتنا، لكن الآن حتى هذه المحاولات باتت مهددة، مع استمرار منع دخول الشاحنات، ومع استمرار هذا الوضع، سنشهد انهياراً كاملاً للحركة التجارية في القطاع".
ومنذ الثاني من مارس الماضي، تفرض سلطات الاحتلال حصاراً مشدّداً على قطاع غزة، يشمل منع دخول المواد الغذائية والطبية والوقود كلياً، ما أدى إلى توقف عمل المخابز وتوقف نشاط العديد من "تكايا" توزيع الطعام، في وقت أعلنت فيه المنظمات الإغاثية الدولية عن نفاد مخزونها من المساعدات.
موسم كارثي
في سوق مخيّم جباليا شمال القطاع، يقف بائع زيت الزيتون وائل أبو جلالة، أمام بسطته التي وضعها قرب محله المدّمر، يعرض بضعة لترات من الزيت، بعدما كان تاجراً معروفاً يعرض كميات كبيرة سنوياً للبيع. وقال أبو جلالة، لـ "العربي الجديد"، إن موسم الزيت الماضي كان كارثياً بسبب الحرب والدمار الذي لحق بالمزارع والمعاصر، "واليوم نحن في أزمة أكبر بسبب إغلاق المعابر واستمرار ارتفاع الأسعار على نحوٍ غير مسبوق، ما دفعنا إلى إغلاق أسواقنا لعدم وجود كميات كافية من الزيت".
وأضاف: "المعروض على هذه البسطة هو جميع الكميات التي أمتلكها، ومع نفادها خلال أيام قليلة، سأضطر لإغلاق البسطة، ما نتطلع إليه هو استمرار فتح المعابر وإدخال كميات من الزيت والعودة للعمل من جديد، ودون ذلك فالمجاعة ستتعمق والأسواق ستُغلق". وبيّن أبو جلالة أن أسعار الزيت تضاعفت خلال الحرب، فكان سعر اللتر قبل الحرب 15 شيكلاً، أما الآن فاللتر يفوق الـ 80 شيكلاً بسبب شحّ المعروض في الأسواق.
ولفت إلى أن العديد من المحلات والبسطات أغلقت بسبب نفاد البضائع، "ونحن بالكاد نتمكن من فتح بسطاتنا وسط الظروف الصعبة، فالقصف الذي وقع قرب السوق قبل أيام أسفر عن تدمير العديد من البسطات، ما ضاعف من معاناتنا".
تداعيات خطيرة
من جهته، حذّر المختص في الشأن الاقتصادي محمد بربخ، من التداعيات الخطيرة لإغلاق الأسواق في قطاع غزة نتيجة تفاقم أزمة المجاعة، مشيراً إلى أن الوضع الاقتصادي وصل إلى حالة الانهيار شبه الكامل، في ظل توقف عجلة الإنتاج بسبب الحرب والإغلاق المتكرر للمعابر الذي تزامن مع ضعف شديد بالقدرة الشرائية لدى المواطنين.
وقال بربخ، لـ "العربي الجديد": "التقديرات تشير إلى أن أكثر من 85% من المحال التجارية في قطاع غزة باتت مغلقة كلياً أو تعمل جزئياً، في ظل شح المواد الغذائية والارتفاع غير المسبوق في أسعار السلع الأساسية، التي ارتفعت بنسبة تجاوزت 800%، خلال الأشهر الأخيرة، ومؤشرات تنذر بكارثة اقتصادية غير مسبوقة".
وأوضح أن إغلاق الأسواق يأتي في وقت تجاوز فيه معدل البطالة 83%، فيما يعتمد أكثر من 90% من سكان القطاع على المساعدات الإنسانية، مع غياب شبه كامل للقطاع الخاص الذي خرج عن الخدمة بسبب الحرب، وتوقف حركة الاستيراد والتصدير نتيجة استمرار الحرب وإغلاق المعبر لأكثر من شهرين ونصف الشهر".
ودعا بربخ إلى تدخل عاجل من المؤسسات الدولية والإنسانية لإنقاذ ما تبقى من القطاع الاقتصادي، محذراً من أن استمرار الوضع على هذا النحو سيؤدي إلى "انهيار اقتصادي واجتماعي شامل" يصعب تداركه لاحقاً. وكشف تقرير صادر عن الأمم المتحدة أن قطاع غزة بأكمله بات يواجه خطراً وشيكاً لحدوث مجاعة شاملة، في ظل استمرار التصعيد العسكري وإغلاق المعابر الحدودية وندرة الغذاء بحدّة.
