ARTICLE AD BOX
يشهد المجتمع الجزائري التباساً في المفاهيم بين الإبلاغ عن الجرائم وسيلةً لتحقيق الأمن المجتمعي، وبين الصورة النمطية السلبية عن "المُخبر"، التي تسعى السلطات لتحسينها عبر مناقشة مسودة قانون مكافحة المخدرات
تسعى السلطات الجزائرية لإحداث تحوّل مجتمعي تجاه ثقافة التبليغ والتعاون مع السلطات في مكافحة الجريمة، بعيداً عن الصورة التقليدية السلبية لـ"المُخبر" في أذهان المواطنين. وفي هذا الإطار أحالت الحكومة إلى البرلمان مسودة القانون المتعلق بالوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية، وقمع الاستعمال والاتّجار غير المشروعَين، الذي تجري مناقشته، ويُقِرُّ للمرة الأولى منح تحفيزات مالية للمبلغين عن جرائم التهريب والاتّجار بالمخدرات في الأحياء الشعبية وغيرها، ومنحهم حماية قانونية.
وقبل أيام، اعتقلت السلطات الجزائرية شاباً نشر فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، يسخر فيه من المبلّغين عن جرائم الاتّجار بالمخدرات، ويتهمهم بالعمالة للسلطات، ما دفع الأخيرة إلى الإسراع في توقيف الشاب وإحالته إلى القضاء، بتهم تعطيل تطبيق القانون والمساس بهيبته، ما يلفت الانتباه إلى مشكلة في الذهنية الجزائرية تربط بين التعاون الضروري مع السلطات لحفظ الأمن العام ومكافحة الجرائم، وبين صورة تقليدية لـ"المُخبر" المتعاون مع الأجهزة الأمنية في ظروف مختلفة ذات بعد سياسي.
التباس كبير
تبرز هذه الواقعة استمرار وجود التباس كبير لدى المجتمع الجزائري، بشأن مفهوم "المُخبر" والمتعاون مع السلطات، الذي يرتبط تاريخياً بفترة الاستعمار الفرنسي، إذ كان يسمى المتعاون مع الاستعمار بـ"العميل"، وفي مرحلة ما بعد الاستقلال أصبح " العميل" أو "الزفّاف" (من يزفّ الأخبار والمعلومات)، وهو توصيف يُزدرى اجتماعياً لارتباطه بظروف سياسية في خضم حكم الحزب الواحد، وظل المعنى السلبي للمتعاون مع السلطات مسيطراً على العقلية الاجتماعية في الجزائر، ما صعّب على السلطات في الظروف اللاحقة مسعى تغيير المفهوم إلى منحى إيجابي، لإشراك الجميع في المجهود الأمني المتعلق بالسلم والأمن العام ومحاربة الجريمة، إضافة إلى عامل الخوف من انتقام المجرمين في حال التبليغ عنهم.
يؤكد أستاذ علم الاجتماع بجامعة المدية، قرب العاصمة الجزائرية حسان عيط لـ"العربي الجديد" أن هناك اعتبارات متداخلة كانت تؤثر على ثقافة التبليغ في الوسط الجزائري، قائلاً: "إذا رجعنا إلى الطبيعة الاجتماعية للجزائري فهو يخاف من نظرة الأفراد السلبية له باعتباره يكلف نفسه أو يتدخل في أمر لا يعنيه، ما يجعله يتجنب الوقوع في إحراج مجتمعي، خاصّة إذا جرى سجن أو القبض على المجرم وكان من الجيران أو العائلة، كما يواجه الجزائري تحديات أخرى تتمثل في الخوف من الانتقام في حال التأكد من أنه المُبلِّغ عن العصابة أو مروجي المخدرات"، مضيفاً أن "ثقافة التبليغ يجب أن تترسخ ثقافةً مجتمعيةً من خلال التوعية بنعمة الأمن الاجتماعي بين المواطنين، وتضافر مؤسسات التنشئة الاجتماعية خاصة المؤسسة التعليمية من خلال البرامج المدرسية لترسيخ مبدأ المواطنة، وأن ثقافة التبليغ هي أساس هذا المبدأ، ومن خلال المؤسسات الدينية بمضامين توضح أن التبليغ واجب شرعي، وإشراك وسائل الإعلام والمجتمع المدني، وتقريب الأمن من المواطن من خلال تكثيف الحملات الإعلامية الأمنية مع تضافر جهود مؤسسات التنشئة والتوعية والأمنية".
مكافآت وشروط
وفي إطار حماية المبلغين وتشجيعهم تضمّنت مسودة قانون مكافحة المخدرات الذي تجري مناقشته في البرلمان الجزائري في المادة 35 "تقديم تحفيزات مالية أو غيرها لكل من يقدم معلومات تساعد السلطات على: كشف مرتكبي الجرائم والقبض عليهم، أو وقف الجريمة، وتترك تحديد شروط ذلك إلى التنظيم في تركز على استقطاب المعلومات عبر التحفيزات المالية العينية تتيح الإبلاغ والمساهمة في القبض على المجرمين"، كما "تسمح لضابط الشرطة القضائية صلاحية توجيه نداءات للجمهور الحصول على معلومات حول هوية الضحايا أو الشهود أو المبلّغين، مع مراعاة السرية، كما له بإذن من وكيل الجمهورية نشر صور أو أوصاف المشتبه فيهم أو المتهمين عبر وسائل الإعلام"، وقد شجع نواب البرلمان خلال النقاشات التمهيدية الجارية في لجنة الشؤون القانونية والإدارية والحريات على هذه الخطوة، ومنح مكافآت للمبلغين عن مروجي المخدرات، خاصة داخل الأحياء الشعبية، للمساعدة في وقف التهديد الكبير الذي باتت تمثله تجارة وانتشار المخدرات في الجزائر، التي وصفها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بأنها بمثابة "حرب مُعلنة" على القوّة الحية للجزائر المتمثلة في شبابها.
