مسيرة الرسامة نازلي مدكور يرويها كتاب فني

1 week ago 3
ARTICLE AD BOX

<p class="rteright">لوحة للرسامة المصرية نازلي مدكور (من الكتاب)</p>

يحتوي الكتاب على أكثر من 130 لوحة مختارة تمثل مراحل مختلفة من تطور الرسامة نازلي مدكور الفني، ويكشف عن أسلوب الفنانة المتفرد الذي صاغته عبر أكثر من أربعة عقود من الإبداع. لا يقتصر الكتاب على الأعمال الفنية فحسب، بل يضم حواراً طويلاً أجرته معها الناقدة مي يني، يضيء زوايا شخصيتها ويغوص في تأملاتها الفنية. إلى جانب هذا الحوار هناك دراستان نقديتان، إحداهما للفنان والناقد المصري الراحل عز الدين نجيب، والأخرى للشاعر والناقد العراقي فاروق يوسف. هذا الكتاب يتجاوز كونه أرشيفاً لأعمال الفنانة، فهو يمثل شهادة حية على أهمية أن يوثق الفنان تجربته بنفسه، لا أن يترك سجله للنسيان أو لاجتهادات النقاد وحدهم. فقد سعت نازلي مدكور، وهي فنانة مصرية بارزة خلال أعوام إلى رقمنة أرشيفها الشخصي، وحفظ لوحاتها وتحويلها من شرائح معرضة للتلف إلى ذاكرة رقمية تحفظ تاريخها الفني من التبدد.

منذ بداية مسارها مع الفن اختارت مدكور أن تمضي في طريق غير مألوف، فهي لم تدرس الفن مثلاً دراسة أكاديمية، إذ تخرجت في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، ثم حصلت على الماجستير من الجامعة الأميركية، وعملت في مناصب دولية، أبرزها مركز التنمية الصناعية في جامعة الدول العربية. ومع ذلك كان للفن مكانه الخاص في قلبها منذ الصغر، لكنه ظل مؤجلاً حتى نضج القرار، واختارت التفرغ له تماماً منذ بداية الثمانينيات.

يتيح لنا الكتاب إلقاء نظرة متأنية على هذه المراحل الإبداعية التي مرت بها الفنانة، ومسيرتها المدفوعة بإصرار واضح على الانغماس في هذا المسار الذي اختارته لنفسها. الفن عند نازلي مدكور ليس مهنة، بل حاجة داخلية ورغبة متجذرة في أن تقول شيئاً من خلال اللون، وأن تفصح عن روحها عبر الخطوط والانفعالات. لا تبدأ لوحتها بخطة دقيقة، بل تبدأها بإحساس، أو بضربة فرشاة أولى لا تعرف إلى أين ستأخذها، لكنها تعرف تماماً أنها ستكون صادقة. تقول: "أحياناً أبدأ اللوحة وأظن أنني أرسم وجهاً، ثم تتبدل الملامح وتتغير النية، لأن ما أقدمه مرتبط بحالتي النفسية لحظة التنفيذ، لا بما فكرت فيه من قبل".

التشخيص والتجريد

أعمال نازلي مدكور تقع في هذه المسافة الدقيقة بين التشخيص والتجريد، فهي تمزج مثلاً بين ملامح المرأة المصرية، وبين تضاريس الأرض، وتستدعي من الذاكرة تفاصيل طبيعية تمتد من الصحراء إلى النخيل، ومن الطمي إلى زهور الحقول. اللون في تجربتها هو السيد، لا يتقيد بعقل أو بنظام، بل يفيض من الروح كما تشاء اللحظة. لذلك لا تشبه لوحة من أعمالها الأخرى، وإن كانتا تصدران عن ذات واحدة. كل وجه من الوجوه التي رسمتها هو مرآة لمشاعر مخزونة، أما في استلهامها المشهد الطبيعي فليس هناك مكان بعينه، بل طيف يتجلى، وصدى لذكرى تستعاد، فتعاد صياغتها بصرياً في لحظة تلقائية. إن ذاكرة نازلي مدكور أشبه بأداة خلق، وهي تعدها الركيزة التي يبني الفنان من خلالها تجربته الخاصة، أو هي الطاقة الكامنة داخل كل فنان، التي تسمح له أن يستدعي ماضيه ليجسده في حاضره. لذا فإن ما تقدمه ليس إعادة تصوير للمكان بل انفعال به ورؤية روحية تتخطى الملموس نحو الشعوري.

لا تؤمن نازلي مدكور بالمثل الأعلى في الفن، فهي تحب بعض الأعمال لبعض الفنانين، لكنها لا تنتمي إلى مدرسة بعينها، ولا تطمح إلى محاكاة أحد. ولا شك أن محيطها الثقافي قد أسهم في تشكيل شخصيتها الفنية، كونها زوجة الكاتب المصري محمد سلماوي، لكنها، كما تقول، لا تستند إلى هذه العلاقة كعامل مؤثر مباشر، بقدر ما تراها بيئة مشجعة، تدفعها إلى الإبداع وتعزز من حضورها الإنساني والفني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عبر هذا الكتاب، تفتح لنا نازلي مدكور نوافذ متعددة تطل بها على القارئ، فتمنحه فرصة لاكتشاف فنانة لم تسع يوماً وراء الأضواء، بل كانت تؤمن أن الفن الحقيقي يتحدث من تلقاء نفسه، وأن اللوحة الصادقة لا تحتاج إلى كثير من التفسير، بل إلى قلب يحسن الإنصات. إنه كتاب يقرأ ويشاهد ويحس، لأنه يحمل في صفحاته عصارة أعوام من التأمل، ومجموعة مختارة من الأعمال التي تجسد تطور تجربة نازلي مدكور الفنية.

subtitle: 
تجربة تشكيلية حداثية وعالم يتفرد بأبجديته اللونية
publication date: 
الاثنين, مايو 12, 2025 - 13:15
Read Entire Article