ARTICLE AD BOX
دشّنت الحكومة مشروعًا طموحًا لإنشاء خط سكة حديد يمتد من مدينة بئر العبد إلى العريش جنوبًا، وصولًا إلى رأس النقب (مطار طابا)، في خطوة تعكس تحولًا استراتيجيًا في نظرة الدولة المصرية إلى شبه جزيرة سيناء، وذلك ضمن خطة أوسع تستهدف تطوير البنية التحتية وتعزيز التنمية المتكاملة في المنطقة.
وبعدما تحوّل مطار وميناء العريش إلى نقاط محورية خلال الحرب الجارية في غزة، من خلال استقبال الوفود والمساعدات الإنسانية، يبدو أن الحكومة المصرية تسعى إلى ترسيخ هذا الدور الاستراتيجي، عبر ربط سيناء بشبكة نقل حديثة تؤسس لممر لوجستي وتنموي يمتد من العريش إلى طابا، ويبلغ طوله الإجمالي 500 كيلومتر.
وخلال الأيام القليلة الماضية، زار وزير النقل والتنمية الصناعية، الفريق كامل الوزير، شبه جزيرة سيناء لتفقد سير العمل في مشروع إنشاء خط السكة الحديد الجديد، الممتد من محطة بئر العبد (عند الكيلو 100) مرورًا بالعريش (الكيلو 183) وصولًا إلى رأس النقب عند الكيلو 441، بإجمالي طول يبلغ 341 كيلومترًا.
وقد تفقد الوفد الحكومي محطة بئر العبد، التي كانت من بين المشروعات التي افتتحها الرئيس عبد الفتاح السيسي في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حيث جرى حينها افتتاح المسافة من الفردان حتى بئر العبد بطول 100 كيلومتر، ضمن خطة تأهيل خط السكة الحديد الممتد من الفردان إلى طابا.
ويشمل المشروع الجديد، إلى جانب خط بئر العبد – العريش – رأس النقب، ثلاث وصلات فرعية قيد التنفيذ والتجهيز، وهي: وصلة ميناء العريش بطول 12 كيلومترًا، ووصلة من العريش إلى الحسنة بطول 83 كيلومترًا، ووصلة من الحسنة إلى طابا بطول 175 كيلومترًا، حيث تتم حاليًا مراجعة الرسومات الهندسية وتجهيز مواقع العمل للشركات المنفذة.
وقال مسؤول حكومي في محافظة شمال سيناء، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن المشروع يأتي ضمن رؤية تنموية شاملة لتحويل العريش وطابا إلى مركزين لوجستيين، عبر ربطهما بشبكة السكك الحديدية الوطنية. ولفت إلى أن إعادة تأهيل خط سكة الحديد الفردان، شرق بورسعيد، بئر العبد، العريش، طابا – البالغ طوله نحو 500 كيلومتر – سيكون ركيزة لنقل الأفراد والبضائع، ودعم التجمعات الصناعية والتعدينية في وسط سيناء وشمالها.
وأكد أن المشروع يهدف إلى خلق شبكة نقل فعالة قادرة على ربط المصانع ومناطق الإنتاج بشبكة السكك الحديدية، ما يسهم في تسهيل تصدير المنتجات عبر ميناء العريش وميناء طابا إلى الأسواق الإقليمية والدولية، في وقت تمضي فيه الدولة قدمًا في خططها لتنمية سيناء ودمجها اقتصاديًا في المنظومة الوطنية.
وتُعد هذه المرة الأولى التي يُنفذ فيها مشروع سكة حديد بهذا الحجم والامتداد داخل سيناء. فرغم وجود خطوط قديمة متوقفة مثل خط الفردان – العريش، إلا أن المشروع الحالي يستهدف خلق مسار لوجستي جديد بالكامل يخدم مناطق شبه معزولة منذ سنوات، ويعيد إدماجها اقتصاديًا واجتماعيًا ضمن خطط الدولة.
ويتوقع مراقبون أن يسهم هذا المشروع في تقليص الفجوة التنموية بين سيناء وبقية أنحاء مصر، فضلًا عن تعزيز الوجود الاقتصادي للدولة في مناطق لطالما ارتبطت في الأذهان بالبعد الأمني فقط، ما يعكس تحوّلًا في استراتيجية الدولة نحو تنمية متوازنة ومستدامة في شبه الجزيرة ذات الموقع الحساس.
وفي سياق متصل، أكد الخبير الاقتصادي أبو بكر الديب في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن مشروع إنشاء خط سكة حديد العريش – طابا يمثل خطوة مهمة ضمن جهود الدولة المصرية لتعزيز شبكة البنية التحتية وربط مفاصل الدولة الحيوية، من موانئ ومناطق إنتاج، بمواقع التصدير والاستيراد.
وأوضح الديب أن هذا الربط يدعم الصناعة ويعزز جاذبية الاستثمار، بما يؤدي إلى خلق فرص عمل جديدة، وزيادة الدخل القومي، ورفع الاحتياطي من النقد الأجنبي عبر دخول عملات صعبة جديدة، وهو ما يسهم في استقرار سعر الصرف الذي تجاوز 20 جنيهًا مقابل الدولار في السوق الرسمية.
وأضاف أن من بين الفوائد الاقتصادية المباشرة لهذا المشروع مساهمته في تقليص معدلات الفقر، وتخفيف وطأة فوضى الأسعار، مشيرًا إلى أن نقل مجتمعات عمرانية جديدة إلى مناطق مثل سيناء سيسهم في إنعاش الاستثمارات ورفع معدلات التنمية في المنطقة.
وشدد الديب على أن البنية التحتية، بما في ذلك الطرق والسكك الحديدية والمطارات، تمثل أحد المحركات الأساسية لأي نهضة اقتصادية، إذ تيسّر حركة الأفراد والبضائع ورجال الأعمال، ما يعزز النشاط التجاري والسياحي والصناعي في آنٍ واحد، ويضخ دماء جديدة في شرايين الاقتصاد الوطني.
