مشكلة صحية خطرة تغذيها أزمة السكن في بريطانيا

1 week ago 12
ARTICLE AD BOX

<p class="rteright">غالبية العاملين في القطاع الصحي يرون أن غلاء الإيجارات يهدد الاستقرار ويطالبون بحلول عادلة (غيتي)</p>

تعيش كيرا، البالغة من العمر 46 سنة، داخل شقة في مدينة توتنهام مع ابنتها التي تبلغ من العمر 16 سنة. منذ أشهر، حاولت إقناع مالك شقتها بإصلاح مشكلة العفن المتفشي داخل المنزل، لكن دون جدوى. وبينما يزداد قلقها من تأثير هذه الظروف السكنية في صحتها وصحة ابنتها، ترى أن الوضع يزداد سوءاً يوماً بعد يوم.

وتقول كيرا "أنا مريضة طوال الوقت، وكأن وجودي داخل هذا البيت يجعلني أسوأ حالاً. عانيت ارتفاع ضغط الدم والقلق الزائد، وراجعت الطبيب معتقدة أن العفن هو المشكلة، بسبب السعال المستمر الذي لا يهدأ"، مضيفة "أمضيت وقتاً طويلاً في عيادات الأطباء، وأصبح منزلي مليئاً بالأدوية كما لو أننا نعيش في صيدلية".

وعلى رغم أن مفتشي الصحة في المجلس يزورون الشقة بانتظام، ويحاولون الضغط على المالك لإصلاح المشكلة، إلا أن كيرا أكدت أن أحد المفتشين أخبرها أخيراً بأن المجلس لا يستطيع إلزام المالك باتخاذ أي إجراء. وفي هذا السياق، أشار المجلس إلى أن المالك أجرى "تحسينات مهمة" بعد تدخلهم.

بعد فترة وجيزة، تلقت كيرا إخطاراً بالإخلاء بموجب المادة 21 المعروف باسم "الإخلاء من دون خطأ"، يطلب منها فيه مغادرة الشقة التي عاشت فيها لمدة أربعة أعوام. وهي الآن تبحث عن مكان جديد يمكن أن تسميه "منزلاً"، بينما تحاول ابنتها الاستعداد لاختبارات الشهادة العامة للتعليم الثانوي (GCSE) المقبلة.

تقول كيرا "لا أريد أن يؤثر هذا فيها، لأنها كانت تعمل بجد وتدرس وتأخذ دروساً إضافية. أنا قلقة جداً عليها".

 

ما تعيشه كيرا يمثل حال شريحة واسعة من المستأجرين الذين يواجهون ظروفاً سكنية صعبة في بريطانيا. ففقد كشف مسح جديد، هو الأول من نوعه، شمل آلاف العاملين في القطاع الصحي، أن معظمهم يعتقدون أن مشكلات السكن تسهم في تفاقم الأوضاع الصحية في المملكة المتحدة. أُجري الاستطلاع من قبل مؤسسة "ميدآكت" Medact الخيرية المعنية بالعدالة الصحية، وشمل أكثر من ألفي عامل في القطاع الصحي، من بينهم ممرضون وأطباء، ووجد أن ثلثي المشاركين يعتقدون أن جعل الإيجارات أكثر قدرة على التحمل من شأنه أن يخفف الضغط على "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" (أن أتش أس).

وفي السياق نفسه، أفاد عدد مماثل من العاملين في القطاع الصحي أنهم يشهدون حالات عديدة من الأطفال الذين يعانون مشكلات صحية نتيجة الظروف السكنية غير المستقرة. وأشار سبعة من كل 10 من العاملين في هذا القطاع إلى أن هذه الظروف تؤدي إلى تدهور الصحة النفسية لعدد من المرضى.

هذه المعطيات الصادمة جزء من تقرير "البيت المريض" الذي أعدته منظمة "ميدآكت". التقرير يعرض توصيات لمعالجة آثار أزمة السكن على الصحة العامة، والتي تشمل بناء مزيد من المساكن الاجتماعية عالية الجودة، وتوفير رقابة فعالة على الإيجارات.

الدكتور أماران أوثاياكومار كوماراسامي عضو في "ميدآكت" وطبيب أطفال، يعالج مشكلات صحية يومياً للأطفال الذين يعانون بسبب الظروف السكنية السيئة. وفي حديثه مع "اندبندنت" أشار إلى أن "عدداً من الحالات التي أراها أصبحت مرتبطة بصورة متزايدة بالظروف السكنية التي يعيش فيها الأطفال".

وأشار طبيب الأطفال إلى وفاة الطفل أواب إسحاق البالغ من العمر عامين خلال عام 2020، والتي نجمت عن حالة تنفسية سببتها ظروف العفن الرطبة داخل الشقة التي كان يعيش فيها.

أثارت وفاة الطفل مراجعة للإرشادات الخاصة بالمؤجرين، وأدت في نهاية المطاف إلى إقرار "قانون أواب" خلال عام 2023، الذي سيلزم الملاك في قطاع الإسكان الاجتماعي اعتباراً من أكتوبر (تشرين الأول) هذا العام بإصلاح مشكلات الرطوبة والعفن الخطرة ضمن إطار زمني محدد. وخلال فبراير (شباط)، تعهد حزب العمال الحاكم بتوسيع نطاق هذا القانون ضمن مشروع قانون حقوق المستأجرين، ليشمل الملاك في القطاع الخاص.

لكن، كما يشير الدكتور أماران "مشكلة العفن والرطوبة ليست سوى البداية. فالأزمة الأكبر تتمثل في كيف أصبح السكن غير ميسر لعدد من الأشخاص، إذ إن نسبة كبيرة من الدخل الشهري تذهب للإيجار، مما يترك الأسر دون المال الكافي لتلبية حاجاتها الأساس مثل فواتير الطاقة أو مستلزمات المدرسة".

ويقول "هذا يعني أن الأسر تجد نفسها عاجزة عن تغطية نفقات أساس مثل زي المدرسة، أو معدات الرياضة أو حتى المشاركة في الأندية الاجتماعية والرياضية التي تسهم في صحة الأطفال".

ومن جانبها، قالت الدكتورة آبي أوكونور الباحثة في "مؤسسة الاقتصاد الجديد "New Economics Foundation (منظمة فكرية بريطانية تعنى بتعزيز العدالة الاجتماعية)، إن "الأزمة السكنية التي تشهدها البلاد تتفاقم بسبب السماح للملاك من القطاع الخاص برفع الإيجارات إلى مستويات غير معقولة"، مضيفة أن "هذا الوضع يسهم في تدهور صحة الناس واقتصاد البلاد بصورة عامة".

وأكدت أنه "إذا كانت الحكومة ترغب في تحسين الأوضاع الاقتصادية لمصلحة المواطنين العاديين، فإن الحل يكمن في معالجة أزمة الإيجارات المرتفعة".

وفي ما يخص الحلول المستقبلية، دعت أوكونور إلى فرض ضوابط على الإيجارات في المدى القصير لضمان استقرار الأسر. وشددت على أهمية بناء مزيد من المساكن الاجتماعية خلال المدى الطويل لتوفير بيئات سكنية آمنة وميسورة لجميع المواطنين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي رد على الوضع السكني لكيرا، قالت نائبة رئيس مجلس بلدية هارينغاي وعضو المجلس المسؤول عن الإسكان والتخطيط سارة ويليامز "أولويتنا هي تحسين معايير المنازل المستأجرة في القطاع الخاص لضمان أن يعيش المستأجرون داخل بيئات صحية وآمنة ومدارة بصورة جيدة"، مضيفة أنه "بعد تقرير حول تدني معايير الشقق المستأجرة، قام المالك بإجراء تحسينات على العقار، بما في ذلك تركيب عزل حراري في الجدران الداخلية، وإضافة فتحات تهوية للمساعدة في معالجة مشكلات الرطوبة والعفن".

واستطردت "فريقنا المتخصص مستعد لتقديم مزيد من الدعم للمستأجرين الذين يواجهون مشكلات مماثلة".

من جانب آخر، قال متحدث باسم وزارة الإسكان والمجتمعات والحكومة المحلية إن "الحكومة الحالية ورثت أزمة سكنية كبيرة، جعلت حلم امتلاك منزل يبدو بعيداً من متناول جيل كامل من الشباب".

وأضاف "بموجب خطة التغيير الحكومية، سيتم توفير 1.5 مليون منزل جديد، إضافة إلى تطبيق قانون حقوق المستأجرين الذي يهدف إلى تحقيق توازن بين حقوق الملاك والمستأجرين في القطاع الخاص.

ختاماً، أكدت الوزارة أنها بصدد تطبيق معيار "المنازل اللائقة" للمرة الأولى على المنازل المستأجرة في القطاع الخاص، لضمان أن تكون المنازل آمنة ومستقرة وخالية من الأخطار، إضافة إلى التصدي لمشكلة تدني جودة السكن.

subtitle: 
أطباء ومستأجرون يكشفون لـ"اندبندنت" كيف تلعب هذه الأزمة دوراً في تدهور صحة الناس
publication date: 
الاثنين, مايو 12, 2025 - 21:15
Read Entire Article