مصر: تحالف انتخابي لأهل المال والسلطة والنجومية

6 hours ago 1
ARTICLE AD BOX

أعلن حزب الجبهة الوطنية في مصر (الموالي للسلطة) عن تشكيل أماناته المركزية، في خطوة اعتبرها كثيرون هندسة مبكرة لنتائج الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر تحالف ثلاثي يجمع بين المال والسلطة والنجومية. لم تكن المفارقة في الأسماء المُعلنة فقط، بل في توقيت الإعلان ذاته، حيث تغيب القوانين المنظمة للانتخابات، وتُحجب المعلومات الأساسية حول تقسيم الدوائر أو طبيعة النظام الانتخابي، وتنشط بعض الأحزاب المحسوبة على السلطة، بينما تُركت قوى المعارضة، وفي مقدمتها الحركة المدنية الديمقراطية، في مساحة رمادية، تحاول فهم شكل المعركة التي يُفترض أن تخوضها، من دون قواعد واضحة، ولا ضمانات حقيقية للنزاهة أو التعددية.
ولم يحدّد موعد الانتخابات البرلمانية المقبلة في مصر، بعد، لكن يفترض إجراؤها أواخر هذا العام، علماً أن مجلس النواب الحالي تنتهي دورته الحالية يوم 11 يناير/كانون الثاني 2026، وذلك بمرور خمس سنوات على انتخابه وعقد أول اجتماع له في 11 يناير 2021، وهو ما يعني أن يؤدي أعضاء مجلس النواب المقبل اليمين قبل يوم 12 يناير 2026.

ويرى مراقبون في مصر أن ما يجري ليس مجرد استعداد تنظيمي، بل إعادة إنتاج لمنظومة حكم هجينة، تحت ستار الشرعية الانتخابية، إذ يستعيد المشهد السياسي ملامح نخبة النفوذ القديمة، لكن بأدوات محسّنة، تضم أبناء رجال أعمال بارزين، ونجوم رياضة وفن بلا تاريخ سياسي، يُزجّ بهم إلى الواجهة لتقديم صورة "شبابية" و"متنوعة"، في حين يُقصى الفاعلون الحقيقيون من أصحاب الخبرات السياسية أو القواعد الشعبية.

يزجّ بأبناء رجال أعمال، ونجوم رياضة وفن بلا تاريخ سياسي، إلى الواجهة لتقديم صورة شبابية ومتنوعة بالمشهد السياسي

تشكيلات إعلامية وشبابية

من تشكيلات الجبهة الوطنية، أثارت أمانة الشباب اهتماماً خاصاً، ليس فقط لأنها الأكبر عدداً، إذ ضمّت 39 عضواً، ولكن لأن قائمة أعضائها كشفت عن نمط متكرر في إدارة الشأن السياسي، حيث توريث النفوذ السياسي والمالي، مقابل استبعاد الكفاءات المستقلة أو ذات الخلفيات النضالية، لحساب أبناء رجال الأعمال، ونجوم الرياضة، والفنانين.

يتولى رئاسة الأمانة المستشار محمد عمران غير المعروفة هويته السياسية ولا خلفيته المهنية، من المصادر الرسمية، وليس له أي أثر سابق على محركات البحث ووسائل التواصل الاجتماعي، أما نائبه، فهو أحمد القصير، نجل السيد القصير، وزير الزراعة السابق والأمين العام لحزب الجبهة الوطنية. أما الأمين المساعد الآخر، فهو الدكتور أحمد محمد النبوي عطا، الأستاذ في كلية الهندسة جامعة طنطا، والبالغ من العمر 50 عاماً، ما يطرح تساؤلات عن مدى اتساق هذه الأمانة مع صفة "الشباب".

تضم قائمة أمانة الشباب أيضاً أسماء من خلفيات مثيرة للجدل، منها مها أبو الوفا رشوان، مديرة التسويق والتواصل بفنادق روتانا، وابنة اللواء أبو الوفا رشوان، السكرتير الشخصي للرئيس المخلوع حسني مبارك. وكانت عائلة رشوان قد خضعت للتحقيق في قضايا كسب غير مشروع عقب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وصدر قرار تحفظ على أموال اللواء بعد اتهامه بالحصول على هدايا من مؤسسة الأهرام، قبل أن تتم التسوية وسداد قيمة تلك الهدايا، وتُغلق القضية في عام 2018. كما تضم الأمانة أحمد السيد متولي، نجل رجل الأعمال البورسعيدي السيد متولي، الرئيس التاريخي للنادي المصري، وصاحب شركة "هاواي" للسياحة، التي ارتبط اسمها بمشروع "عين القاهرة" المثير للجدل، والذي واجه اعتراضات واسعة بسبب تأثيره على البيئة العمرانية في حي الزمالك، قبل أن يتوقف ويُعاد طرحه لاحقاً بشراكات أخرى.

ومن بين الأسماء اللافتة في أمانة شباب "الجبهة"، يبرز طارق محمد أبو العينين، نجل محمد أبو العينين وكيل مجلس النواب ونائب رئيس الحزب، وأحد أبرز مموليه. كما تضم القائمة محمد طارق طلعت مصطفى، نجل نائب رئيس مجلس إدارة مجموعة طلعت مصطفى، وابن شقيق رئيس المجموعة هشام طلعت مصطفى، رجل الأعمال المعروف الذي شغل عضوية مجلس الشورى عن الحزب الوطني في عهد مبارك، وأدين لاحقاً في قضية جنائية شهيرة.

تضم أمانة شباب "الجبهة" أسماء من خلفيات مثيرة للجدل

ومحمد طارق هو لاعب منتخب مصر للفروسية، سبق أن أوقفه الاتحاد الدولي للفروسية في 2021 لمدة عامين بعد اكتشاف مادة محظورة في عيّنته، هي "كاربوكسي THC"، من نواتج الحشيش، قبل أن تُخفف العقوبة إلى عام واحد. وقد ألغيت نتائجه في أولمبياد طوكيو 2020، ما أدى إلى تراجع ترتيب مصر في مسابقة الفرق.

وإلى جانب هؤلاء، تضم الأمانة عماد طلعت السويدي، نجل رئيس لجنة الطاقة والبيئة بمجلس النواب، ومحمود المرشدي، نجل أحد كبار رجال العقارات، ومحمد خميس من عائلة "النساجون الشرقيون"، وسمير فوزي السيد ابن البرلماني وعضو الحزب الوطني السابق فوزي السيد صاحب شركة التوفيقية للإنشاءات، وبيشوي فايز نجل صاحب شركة سياحية كبرى.

اللافت في التشكيل، الحضور الكثيف لنجوم الرياضة والفن، ممن لا يحملون خلفيات سياسية أو حزبية. ومن بين الأعضاء: حسام غالي، وعماد متعب، ووليد سليمان، وحازم إمام، وسيد معوض، ومحمد أبو العلا، وحسني عبد ربه، وأمير مرتضى منصور، الابن الأصغر للبرلماني ورئيس نادي الزمالك السابق مرتضى منصور، وأحمد الأحمر، ورامي عاشور، وأحمد عبد الباسط، وتامر بشير، وهاني سلامة.

وإن كان بعض هؤلاء، مثل غالي وحازم، قد تم تعيينهم من قبل في مجلس النواب، فإن مشاركتهم في أمانة شبابية حزبية تبدو أقرب إلى توظيف شعبيتهم في تعزيز الحضور الانتخابي، لا إلى تفعيل دورهم السياسي.

سردية إعلامية قبل انتخابات مصر

في موازاة ذلك، أعلن الحزب عن تشكيل أمانة الإعلام المركزية، برئاسة الصحافي المقرب من السلطة وعضو مجلس إدارة شركة المتحدة للإعلام، محمود مسلم، رئيس تحرير جريدة الوطن السابق ورئيس لجنة الثقافة والإعلام في مجلس الشيوخ. ضمّ التشكيل وجوهاً إعلامية بارزة، من بينها البرلماني المعين في مجلس الشيوخ عماد الدين حسين، رئيس تحرير جريدة الشروق، ونائب رئيس جامعة الشروق، الدكتور محمد شومان وأحمد عبدالصمد، مساعدين للأمين.

كما شملت عضوية الأمانة مجموعة من الصحافيين والإعلاميين، أبرزهم: إبراهيم عبد الجواد، عمر علم الدين، سهام صالح، طلال صدقي، تامر نصر، أحمد عامر، عمر حسانين، فولي أبو السعود، ياسمين سيف، دينا شرف، داليا المتبولي، محمد المسلمي، داليا الخطيب، عبد الحميد أبو قاوي، محمد نشأت، غادة عبد السلام، داليا الشامي، ومحمد الصايم.

ويُنظر إلى هذا التشكيل بوصفه محاولة مُبكرة للسيطرة على المسار الإعلامي للانتخابات، وتعزيز خطاب سياسي يخدم الحزب وتحالفاته، خصوصاً مع افتقار الأحزاب المعارضة إلى منابر إعلامية فعالة. وهو ما يضيف بعداً جديداً لمعادلة الانتخابات، حيث تُهندس السردية الإعلامية قبل أن تُعرف القواعد القانونية للمنافسة.

Read Entire Article