مصعب أبو شامة: أدوّن حياة لن تتوقف في السودان

1 day ago 3
ARTICLE AD BOX

نال المصور السوداني مصعب أبو شامة (27 عاماً) جوائز عالمية بينها "وورلد برس فوتو 2025"، المسابقة الأعرق للتصوير الصحافي، عن صورته "الحياة لن تتوقف" التي التقطها لعريس يحمل سلاحه يوم زفافه في أم درمان في ولاية الخرطوم. بدأ مشروعه "تدوين" خلال الحرب في بلاده باستخدام هاتفه موثقاً حياة السودانيين تحت القصف، وفاز من خلاله بجائزة تصوير للمشاريع الفوتوغرافية 2024 التي تمنحها مؤسسة تصوير التي أنشأتها متاحف قطر بقيادة رئيستها الشيخة المياسة بنت حمد بن خليفة آل ثاني. في مقابلة مع "العربي الجديد"، يتحدث أبو شامة عن الصورة باعتبارها أداةَ مقاومة، وعن الفن بوصفه ضرورة إنسانية في زمن الحرب

ما القصة وراء صورة "الحياة لن تتوقف"؟ وماذا كنت تحاول أن تروي من خلالها؟
الصورة تجسد صديقاً لي، قرّر إقامة زفافه في أم درمان رغم كونها إحدى أكثر المناطق تعرضاً للقصف لوقوعها ضمن مناطق التماس بين طرفي النزاع (الجيش السوداني وقوات الدعم السريع)، وإن كانت الغلبة فيها للجيش. سألته: كيف يمكنك الزواج في منطقة كهذه؟ فأجاب ببساطة: أهلي جميعهم هنا. طلب مني توثيق يومه المميز، فالتقطنا الصورة على سطح منزله، لأنه لم يكن هناك أي مكان آمن أو مناسب آخر. السلاح الذي ظهر في الصورة ليس مستغرباً بالنسبة إلينا. وجود السلاح هناك هو جزء من الحياة اليومية، بل يحمل رمزية خاصة في المناسبات، كما هو الحال في بعض المجتمعات العربية. لكن ما أضفى على الصورة معنى أعمق هو التوتر الذي كنا نعيشه خلال التصوير؛ كنا قريبين من الثكنات العسكرية، والخطر كان حاضراً في كل لحظة. من خلال هذه اللقطة، أردت القول إن الحرب لن تسلبنا كل شيء، والحياة مستمرة وسط احتمال الموت، والفرح ممكن في قلب الخطر.

هل كنت تتصور أن الكاميرا التي بدأت تلتقط بها تفاصيل عادية يومية ستتحول يوماً إلى شاهد حي على حرب؟ كيف بدأت الحكاية أصلاً بينك وبين التصوير؟
بدأت مشروعي في التوثيق الفوتوغرافي قبل اندلاع الحرب في السودان، وكان في الأصل ممارسة يومية بسيطة: التقاط صور للحياة كما أراها من حولي. لكن مع تصاعد الأحداث واندلاع القتال، وجدت نفسي عالقاً في البلاد من دون إمكانية للمغادرة. في تلك اللحظة، تحول التصوير من مجرد شغف شخصي إلى ضرورة إنسانية وتوثيقية. لم يكن هدفي مجرد نقل الحدث إخبارياً، بل محاولة سرد القصة الحقيقية لما يعيشه الناس: تفاصيل الألم والنجاة والكرامة وسط الفوضى. 

نشأت في السودان في ظل أوضاع سياسية وإنسانية غير مستقرة. إلى أي مدى شكّلت هذه الخلفية رؤيتك للقصص التي تختار توثيقها بعدستك؟
في الحقيقة، لم أكن أتعامل مع التصوير بجدية في البداية، بل كان مجرد هواية. لكن مع اندلاع الحرب، بدأت أعي قوة الصورة وتأثيرها المباشر على الناس. كنت أنشر ما ألتقطه على صفحتي في "إنستغرام"، وفوجئت بتفاعل كبير وتعليقات قلقة وأسئلة حقيقية. شاب يسأل عن عائلته التي لم يتمكن من التواصل معها بسبب انقطاع الإنترنت، وآخر يريد أن يعرف ما يجري في مدينته. في عام الحرب الأول، لم يتمكن أي مصور صحافي من الوصول إلى المدينة حيث أعيش، كما أن التغطية الإعلامية كانت شبه معدومة. وجدت نفسي، من دون تخطيط مسبق، أتحول إلى صوت بصري ينقل ما يحدث من وقائع يومية وتفاصيل ربما كانت لتضيع في زحمة الأحداث.

شاركت في فيلم "وداعاً جوليا" (2023) الذي مثّل السودان في الترشيحات لجائزة أوسكار عام 2024، إذ عملت تحت إشراف المخرج محمد كردفاني. كيف غيّرت هذه التجربة السينمائية علاقتك بالصورة والسرد؟ وهل ألهمتك للانتقال أكثر نحو العمل الروائي أو السينمائي؟
التجربة كان لها أثر عميق عليّ، ليس فقط لأنني كنت جزءاً من فريق عمل فيلم كبير مثّل السودان على مستوى عالمي، بل أيضًا لأنني كنت أتابع المشروع من قرب من خلال عملي في الشركة المنتجة. العمل مع محمد كردفاني، الذي كتب وأخرج الفيلم، كان فرصة تعلمت منها الكثير، سواء على مستوى السرد البصري أو بناء المشهد السينمائي. حتى اليوم، ما زلت على تواصل معه، وأستفيد من خبرته وتوجيهاته. هذه التجربة جعلتني أفكر أكثر في إمكانية التوجه مستقبلاً نحو مشاريع روائية أو سينمائية.

من خلال مشروعك "تدوين" وصورك من قلب الحرب في السودان، كيف تحافظ على التوازن بين التوثيق الصادق وبين الحساسية الأخلاقية في تصوير المأساة؟
منذ البداية، لم أسعَ إلى تقديم رواية منحازة أو التحدث باسم أحد. كنت أكتفي بتصوير ما أراه أمامي، بكل ما في ذلك من ألم وتعقيد، ومن أي جهة صدر. التوثيق بالنسبة إلي كان فعلاً يومياً صادقاً، يعتمد على ما يحدث على الأرض. صحيح أن بعض الصور قد توثّق لجهة أكثر من غيرها، لكن ذلك لم يكن نتيجة انتقاء، بل ببساطة لأنني كنت موجوداً في منطقة تقع تحت سيطرة الجيش السوداني، وبالتالي، فإن معظم الاعتداءات التي كنت أشهدها جاءت من الطرف الآخر، أي قوات الدعم السريع. هذا ما جعل الصور تعكس هذا الواقع. لم أهدف إلى إصدار أحكام، بل إلى نقل ما يجري بأكبر قدر ممكن من الصدق.

هل ترى أن التصوير يمكن أن يتحوّل إلى شكل من أشكال المقاومة؟ أم تفضّل التعامل معه باعتباره وسيلة تسجيل بصري محايدة؟
التصوير ليس مجرد أداة حيادية لتسجيل الأحداث، بل هو شكل حقيقي من أشكال المقاومة. هو جزء من الذاكرة الوطنية، خاصة في سياق الحرب، حين تغيب التغطية الإعلامية أو تُقيَّد، ويصبح التوثيق فعلاً شخصياً يقوم به من عاشوا التجربة.

الفن، بالنسبة إلي ليس محصوراً في إطار معين، بل هو وسيلة تعبير حرة يمكن أن تتناول السياسة والدين أو أي قضية تمس الإنسان. لا أؤمن ببقاء الفن بعيداً عن السياسة، لأن الواقع الذي نعيشه يفرض نفسه على كل أشكال التعبير. في السودان، مثلًا، ظهرت موجات فنية جديدة قبيل الثورة لم تكن موجودة من قبل، وكان ذلك تعبيرًا عن حاجة الناس للتنفيس وكسر الصمت. من دون الفن، يُحتمل أن يشعر كثيرون بالكبت والعجز. لذلك أرى أن للفن دوراً جوهرياً، ليس فقط في نقل الواقع، بل في تشكيله والتأثير عليه.

اليوم تقيم وتدرس الفن في نيويورك، بعيداً للمرة الأولى عن السودان. كيف غيّر هذا الانتقال من نظرتك لنفسك بصفتك فناناً سودانياً؟ وهل وجدت نفسك بين انتماءين؟
بلا شك، كان للانتقال تأثير كبير عليّ. هذه هي المرة الأولى التي أعيش فيها خارج السودان لفترة تتجاوز الشهر. فجأة وجدت نفسي بعيداً عن كل ما اعتدت عليه؛ عن الشوارع التي أعرفها، والأصوات، والناس الذين شكلوا تجربتي الفنية والإنسانية. رغم ذلك، لم أنقطع عن السودان. ما زلت أعمل مع بنوك الطعام (مطابخ خيرية) هناك، وأتواصل مع الأشخاص الذين التقطت صورهم ضمن مشروعي "تدوين". علاقتي بهم لا تقوم فقط على كوني مصوراً، بل على كوني الشخص الذي عرفوه في تفاصيل حياتهم اليومية الصعبة والعادية. أما هنا، في نيويورك، فلا أشعر حتى الآن بأنني استقررت فعلاً. لذلك، ورغم المسافة، لا يزال إحساسي أنني مقيم هناك، في السودان، بالجسد ربما لا، لكن بالروح وبالذاكرة، نعم.

لماذا اخترت المشاركة بـ"تدوين" في الأمسية التي نظمت بالتعاون بين مؤسسة غلف فوتو بلس (GPP) ومهرجان سَفَر السينمائي ومهرجان بيكهام 24 للتصوير المعاصر، في 17 مايو/أيار الماضي؟
لأنه ليس مجرد سلسلة من الصور، بل محاولة حقيقية لجعل العالم يرى ما يجري في السودان. أؤمن بأن الصورة يمكن أن تُحدث فرقاً، وبات هذا المشروع وسيلتي لحشد الدعم الإنساني، خاصة بعد انتقالي إلى الخارج. 
أستخدم وسائل التواصل الاجتماعي وقناتي على "تليغرام" لجمع التبرعات، وأعمل على تمويل مطابخ مجتمعية تقدم الطعام للمتضررين داخل السودان. كما نظمت فعاليات في نيويورك بهدف التعريف بما يحدث هناك، وتلقيت دعماً مباشراً من أفراد تفاعلوا مع الصور، خاصة بعد عرض فيلمين وثّقا أوضاع مراكز الطعام. 

يعرض مهرجان تصوير في قطر مشروع "تدوين" للمصور مصعب أبو شامة حتى 20 يونيو/حزيران الحالي. (إيتاليك آخر المقابلة على الموقع)

Read Entire Article