ARTICLE AD BOX
متابعة المدى
عن عمر ناهز 77 عاماً، رحل الشاعر العراقي موفق محمد، ظهر أول من أمس الخميس، بعد صراع مع أزمة صحية دخل على إثرها أحد مستشفيات العاصمة العراقية بغداد منذ نحو شهر. موفق محمد، المعروف في الوسط الأدبي بـ"موفق أبو خمرة"، وُلد عام 1948 في مدينة الحلة بمحافظة بابل. بدأ مسيرته الأدبية في وقت مبكر من حياته، ونشر أولى نصوصه الشعرية في الصحف والمجلات العراقية منذ عام 1967، واستمر على مدى أكثر من خمسة عقود في إنتاج الشعر، متنقلاً بين أشكاله المختلفة، ومكرساً كتاباته لقضايا الإنسان العراقي، وما مرّ به من تقلبات سياسية واجتماعية واقتصادية.
كان الشاعر الراحل يُعدّ من أبرز شعراء محافظة بابل، كما حجز لنفسه موقعاً واضحاً في المشهد الشعري العراقي الأوسع. اتسمت قصائده بطابع نقدي واضح، يعبّر فيه عن الواقع المعيش من منظور ساخر أحياناً، ومأساوي في كثير من الأحيان، وهو ما أكسبه لقب "شاعر الوجع العراقي"، وهو لقب تداوله الوسط الثقافي للدلالة على صدقه في التعبير عن مآسي البلاد ومظلومية فئاتها الأضعف.
تميّزت تجربة موفق محمد الشعرية بلغة مباشرة تنطلق من المعاناة اليومية، وتلتقط تفاصيل الحياة العراقية في لحظات الهزيمة والانكسار، دون ادعاء أو تصنع. ففي ديوانه "غزل حلّي" (2007)، يتجلّى هذا الصوت بوضوح، إذ تتحول القصائد إلى شهادات على خراب البلاد وأحزان الناس. في قصيدة "غزل حلي"، التي افتتح بها الديوان، يربط الشاعر بين ولادته وانتمائه لمدينة الحلة، ويكتب: "أرجو أن لا يخاف أحد/ها أنا أُحبّ الحلة/فما زلت جنيناً في رحمها/أسمع صوت أمي في هسهسة الخبز"، قبل أن يعود إلى نهر الحلة الذي "تلبس أمواجه عباءات الثكالى"، في إشارة رمزية إلى الحروب التي تركت أثرها في كل زاوية من الوطن.
وفي قصيدة "أبواب"، يتحدث الشاعر عن قسوة الحصار التي خلّفت جوعاً روحيّاً وماديّاً، قائلاً: "فلا خبز في الدار/ولا أب يهبط من صورته في المساء"، ويصور الأبواب في المدن العراقية وقد تحولت إلى شواهد على الموت: "بابنا لم يحلق لحيته/فلقد اشتبكت بلحى الأزقة التي تنام في التوابيت". في قصيدة "صور شمسية"، تبلغ اللغة ذروتها في تصوير الخراب، ويتساءل الشاعر بنبرة تجمع بين الغضب والسخرية: "هل رضعنا حليب جهنم وتنشقنا يحمومها؟/ فاستأسد الجمر فينا.../لدرجة جعلت العراقيين يطلبون اللجوء الإنساني إلى جهنم"، في تعبير صادم عن حجم الألم.
من أبرز أعماله الشعرية المطبوعة: "عبديئيل" (2000)، و"بالتربان ولا بالعربان" (2005)، و"غزل حلّي" (2007)، و"سعدي الحلي في جنائنه" (2016)، كما أصدر مجموعة قصصية بعنوان مُشتاق عام 2018، ضمّت نصوصاً نثرية تتناول الحياة اليومية والبيئة الشعبية التي نشأ فيها.
وفي بادرة لافتة، شُيّد تمثال له في مدينة الحلة أثناء حياته، وهو ما اعتُبر تكريماً نادراً في الوسط الثقافي العراقي، إذ تُمنح هذه المبادرات عادة بعد وفاة المبدعين. برحيل موفق محمد، يفقد العراق أحد أبرز شعرائه الذين ربطوا الكلمة الشعرية بالحياة اليومية، وجعلوا من القصيدة وسيلة للتعبير عن الغضب، والاحتجاج، والأمل المؤجل.
The post مــوفـق مـحـمـد... رحيل شاعر الهم العراقي appeared first on جريدة المدى.