ARTICLE AD BOX
يحتفل الناس عادةً عند الحصول على الفرصة، يعرفون أن الوصول بها إلى التحقّق يتطلب جهوداً ومشقّة، ستواجهه عقبات، ويخالطه تعثّر، ولكنهم يفرحون، لأنها فرصة.
يرقصون في حفلات زواجٍ سينتهي بالطلاق، ويحتفلون بقدوم مولود سيكبر ليصبح مجرماً، أو عاقّاً، وبرسو مناقصة مشروع سيشهد تنفيذه إصابات عمّال، وتأخير مدفوعات، وتصدّعات في التربة، وأحوالاً جوية معطّلة. هذا طبع الناس، وهذي طباع الفرص، لا بأس.
حصلنا، نحن السوريين، خلال ستة أشهر على فرصتين كبيرتين، تحمل كلٌّ منهما في داخلها الصفات النموذجية للفرصة الحقيقية، تفتح الباب الذي يفضي إلى المستقبل، وتنثر الأهوال في الطريق، تحضّر الألغام التي قد تنفجر بنا ونحن نحقق فرصتنا، تلوح بعصاها وبجزرتها، وتتربص بنا وبها.
سقط نظام الأسد، هذه فرصة كبيرة أجل، سنمضي السنوات المقبلة ونحن نحاول فهم حجم ما تتيحه لنا، وسنحاول استثمارها، سنتعثر، ونواجه التحدّيات، سنفهمها خطأً، سنتقلّب بين تحويلها إلى استقلال جديد، وبلد جديد، وبين تحويلها إلى صراع جديد، وبلد قديم للغاية.
إعلان ترامب فرصة ثانية لا تقل حجماً عن الأولى، بآفاقها وبمخاطرها، ولكنها مجرد فرصة، وليست إنجازاً بحد ذاتها.
حين مرّت بلدان مثل اليونان والبرازيل والأرجنتين بأزماتٍ اقتصاديةٍ كبرى، كادت تودي بها، لم تكن خاضعة لعقوبات أميركية، وحين انفجرت صراعات في قبرص وكوسوفو والنيجر ومالي، لم تكن خاضعة لعقوبات. وحين انهارت اقتصادات سنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان، لم تكن معاقبة. وحين سارت الصين على طريق التنمية لتصبح أكبر اقتصاد في العالم، كانت مكبّلة بخصومة الولايات المتحدة.
لذلك ليست العقوبات وحدها ما تؤخّر مسار البلدان، وليس رفع العقوبات وحده من يصنع مستقبل الشعوب، هذه أشياء متعلقة بها، وبإرادتها، وبرغبتها الحقيقية في بناء بلدٍ حُرمت طويلاً من المشاركة في قراره ومقدراته.
رفع العقوبات بترجمة عملية بسيطة يعني أن في وسع السوريين اليوم استقبال استثمارات وتلقّي أموال، استيراد بضائع، تصديرها، وأشياء طبيعية مثل هذه تحصل في كل أنحاء العالم كل يوم. وهي تحصل بصعوبة طبعاً، وبشكل أقرب إلى القتال، في مناخ تنافسي شرس، ولذلك الفرصة ليست رفاهية مغلّفة بعلبة ملوّنة ومربوطة بشريط هدايا، بل هي تذكرة دخول لحلبة صراع فيها رابحون وخاسرون.
لن تقف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في طريق الاستثمارات، ولكن هل تريد هذه الاستثمارات أن تأتي؟ أو ماذا تريد كي تأتي؟
يعرف كل طالب اقتصاد في السنة الثانية أن النمو استثمار، والاستثمار مناخ، والمناخ عملية واسعة تضم تشريعات ونمط علاقات، وبنية تحتية، وطاقة، وأماناً، واستقرار مجتمع، وبشراً قابلين للاجتماع في مكانٍ واحد للعمل معاً، منظومة تعليمية تجدّد دماء القوة العاملة. والأهم الأهم ألا تسيل الدماء على الطرقات.
نحن أمام فرصة، ليس أكثر من ذلك، وهي فرصة أُعطيت لبلد. ولكي نلتقطها ينقصنا بلد فقط. كي نركّبها عليه.
وشروط امتلاك بلد بسيطة للغاية، مواطنون متساوون ينظرون للمستقبل فيما تظللهم جميعاً بنية دستورية قانونية تحميهم وتضمن حقوقهم، وآلية تكفل مشاركتهم في صنع قراره.
نحن في أول الطريق، وحالتنا اليوم تشبه احتفال مجموعة مهندسين رَسَت عليهم مناقصة مشروع "بناء بلد تسليم مفتاح باليد"، وبقي عليهم تنفيذه.
