ARTICLE AD BOX

<p class="rteright">الرئيس الأميركي دونالد ترمب أثناء صعوده إلى طائرة الرئاسة قبل جولته الخليجية (رويترز)</p>
مما لا شك فيه أن رحلة الرئيس دونالد ترمب الجارفة إلى دول الخليج الأسبوع الماضي قد خلفت آثاراً كبيرة في النصوص والنفوس، داخل المنطقة وخارجها، وفي الولايات المتحدة وأوروبا. وانتشرت "انتصارات" ترمب، كما يسميها، على كل الجبهات: المالية، والاقتصادية، والدبلوماسية بشكل واضح. وهذه أهمها.
على الصعيد المالي، وهو الأهم للرئيس الأميركي، فقد حقق بنظر الرأي العام الأميركي "فتحاً مبيناً" إذا جمعنا حجم الاستثمارات. فقد وقعت إدارته اتفاقيات بحجم يتراوح ما بين 600 مليار إلى تريليون مع المملكة العربية السعودية، وهي القائدة التاريخية للتحالف العربي. وجاء الاستثمار السعودي كإشارة إلى سائر الخليج للاستثمار الضخم في أميركا. فخرجت قطر باتفاقات بحجم تريليون و100 مليار، وقعتها مع زيارة ترمب إلى الدوحة. والصفقة الأكبر كانت في آخر يوم من زيارة ترمب إلى الإمارات العربية المتحدة، حيث وقعت أبو ظبي على عقود وصل حجمها إلى تريليون و400 مليار.
مجموع الاستثمارات قد يصل إلى نحو 3 تريليون و500 مليار تقديرياً، وهو حجم بات يؤثر على الدين العام الأميركي. وهبت الصحافة الأميركية لمدح الرئيس "للمكاسب" التي أتى بها إلى أميركا، فنالت دول الخليج الثلاث دعماً حكومياً واضحاً وقوياً لأمنها وسيادتها، فاق كل تصورات مؤتمر الرياض في مايو (أيار) 2017. هكذا استثمارات ضخمة في أميركا باتت الحامية القصوى للدول الثلاث أميركياً، وعصب العلاقات الجديدة بين الخليج وواشنطن. فالعقود العسكرية ستوفر أفضل التسليح للخليجيين لردع الخطر الإيراني، والدبلوماسية الأميركية ستضع غلافاً سياسياً وقانونياً فوق تحالف الجزيرة العربية. هذا لا شك فيه. ومن أهم الدفاعات الأميركية هو حماية مباشرة لساحل تلك الدول من رأس الخيمة إلى الكويت من أي هجوم إيراني، وقد تذهب هكذا حماية إلى ضربات استباقية ضد إيران إذا قررت طهران في مستقبل ما أن تغير مسارها إلى التصادم مع دول الخليج. فستجد نفسها في صدام مباشر مع أميركا نفسها.
الشراكة الاستثمارية التي أطلقها ترمب مع الخليج حولت العلاقة مع أميركا إلى علاقة "شبه أطلسية"، وهذه انتصار للطرفين. وستستفيد منه الدول العربية الخليجية أيضاً في تحراًكها حيال غزة والصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، وبالطبع حيال الحلول المطروحة. بكلام آخر، فالاستثمارات باتت قوة إضافية لثقل الموقف الخليجي في واشنطن. ولكن حدود هذا النفوذ تقع حيال ملفات تديرها الإدارة مع القيادة الإيرانية، وعلى رأسها المفاوضات التي يديرها المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف مع طهران، فهذه يعتبرها ترمب حلبة أخرى قد تنتج صفقة أخرى منفصلة عن اتفاقيات الخليج. وسيتم ربط محادثات اليمن بالتفاوض مع إيران، وكذلك مستقبل "حزب الله" في لبنان، وإلى حد ما جزء من ملف غزة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولكن كيف يتلقى الرأي العام في الولايات المتحدة أخبار الاستثمارات الكبيرة التي أعلن عنها؟ بشكل عام، فالقاعدة الشعبية لترمب استقبلت أنباء العقود بحفاوة، وكذلك أكثرية الكونغرس والصحافة. إلا أنه في النقاشات التي تلت الرحلة، بدت تمايزات تتعلق بالتفاصيل، وستدخل على متن سياسات الأجنحة السياسية داخل أميركا، وأهمها الخلافات حول الاستثمارات القطرية.
ففي النقاشات بين أعضاء الكونغرس والإعلام، انقسم المعلقون على قبول أو رفض هدية الطائرة القطرية للرئيس، ولكن هذا الأخير حسم الموضوع لصالح قبول وزارة الدفاع للهدية. ولكن النقاش الأكبر الذي لا يزال قائماً في الإعلام ركز على ما وصفوه بـ"القلق من الاستثمار القطري". ويتبين أن هناك مصدرين لهكذا انتقاد: الأول يأتي من أوساط مؤيدة لإسرائيل التي تتواجه مع الدوحة في الإعلام حول غزة وملفات أخرى، والمصدر الثاني هو كتلة من المحافظين المسيحيين في الكونغرس الذين يخشون مما يسمونه "التأثير الجهادي"، ولا سيما حيال التيارات الإسلامية داخل أميركا وحيال الأقليات في المنطقة.
إلا أن التأثير العام هو لصالح ترمب في ما يتعلق بمصلحة أميركا.
الملف الثاني الذي حركه ترمب خلال القمم كان حول تجميع دول خليجية ثلاث حول الموقف الأميركي المواجه لإيران، ولكن في تموضع تفاوضي للضغط على إيران من أجل توقيع اتفاق جديد بين واشنطن وطهران، بدلاً من الاتفاق النووي الذي أبرمه باراك أوباما منذ 10 سنوات. ويمكن فهم استراتيجية ترمب بأنها أرادت أن تُحدث تسونامي من الاتفاقات مع العرب وتستعمل نجاحها لإقناع إيران بأن العرب سيحصلون على معظم "الكعكة" ما لم تُسرع إيران في توقيع صفقات هي أيضاً. أي إن ترمب قد استفاد من ثقل الاستثمارات العربية في أميركا لكي يضع ضغطاً على طهران لتقتنع بالدخول في اتفاقية مع إدارة ترمب. وإلا، فستشعر القيادة الإيرانية بأنها الطرف الوحيد الذي بات بحكم المحاصر في المنطقة.
هذا، والمبعوث ويتكوف يجلس على الطاولة وينتظر الأجوبة. ماذا لو دخلت السعودية وسيطاً بين ترمب وإيران؟ كل شيء ممكن، وقد تعتبر إيران هكذا سيناريو ممكناً في حال فشل ويتكوف.
أما على صعيد اتفاقات أبراهام، فقد حقق ترمب تقدماً بمجرد أنه طرح على السعودية وقطر الدخول إلى المعاهدة وتوسيعها عربياً وإسلامياً، وعرض الانضمام على الرئيس السوري كطلب خاص بعد رفع العقوبات عن سوريا. ما سُمع في أميركا هو عبارة: "ترمب طلب من السيد الشرع الانضمام للمعاهدة"، مما نشر جواً من التأييد لدى قواعد ترمب الشعبية والحزبية.
ولكن التحدي هنا أن تقوم سلطة دمشق بإيجاد خطاب بإمكانه أن يقنع الأكثرية الأميركية بأنها فعلاً عازمة على تنفيذ شروط ترمب، وعلى رأسها: الاعتراف بإسرائيل، الدخول في معاهدة أبراهام، إخراج المقاتلين الأجانب، وحماية المكونات.
سنرى في مقال آتٍ.