ARTICLE AD BOX
من المعروف أن لاعبي خط الوسط يشكلون القلب النابض لأي فريق، نظراً لتأثيرهم الكبير على مستوى الأندية والمنتخبات، إذ يُعتبرون "العقل المدبر" و"المدربين فوق أرضية الميدان"، نظراً لدورهم المحوري حلقة وصل بين الدفاع والهجوم، وتنظيم الإيقاع، واتخاذ القرارات داخل المباراة. ومع تطور كرة القدم الحديثة وازدياد التركيز على الجانب التكتيكي، برزت قيمة لاعبي الوسط بشكل أكبر، ليس فقط خلال مسيرتهم كلاعبين، بل أيضاً بعد اعتزالهم، إذ تحوّل عدد كبير منهم إلى مدربين ناجحين كتبوا التاريخ مع الأندية التي أشرفوا على تدريبها. وقد ساهم فهمهم العميق للعبة، الناتج عن موقعهم المركزي داخل الملعب، في تشكيل رؤى تدريبية متقدمة مكّنتهم من قيادة فرقهم نحو البطولات، ليصبحوا اليوم من بين نخبة المدربين في عالم كرة القدم الحديثة.
ويأتي في مقدمة هؤلاء المدربين، الملهم الأول لهذا الجيل دون منازع، الإسباني بيب غوارديولا (54 عاماً)، الذي أعاد تعريف كرة القدم الحديثة من خلال فلسفته الخاصة المعتمدة على الاستحواذ والضغط العالي، والمعروفة باسم "تيكي تاكا". وخلال مسيرته من برشلونة إلى بايرن ميونخ، ثم مانشستر سيتي، ترك غوارديولا بصمته الواضحة في كل محطة، محققاً معظم الألقاب الممكنة محلياً، بالإضافة إلى نجاحات أوروبية لافتة. وتميزت فتراته التدريبية بأسلوب لعب واضح يعكس رؤيته التكتيكية العميقة، ما جعله مصدر إلهام للعديد من المدربين الشبان الذين حرصوا على حضور تدريباته والتعلّم من أساليبه، التي باتت مرجعاً في عالم التدريب الحديث.
وبلغة التتويجات، يبرز اسم آخر من أساطير خط الوسط، النجم الفرنسي زين الدين زيدان (52 عاماً)، الذي كتب التاريخ مع ريال مدريد لاعباً أولاً، ثم مدرباً لاحقاً. فبعد سنوات من التألق فوق العشب الأخضر، انتقل زيدان إلى دكة البدلاء ليقود النادي الملكي إلى إنجاز غير مسبوق، تمثل في التتويج بثلاثة ألقاب متتالية في دوري أبطال أوروبا بين عامي 2016 و2018، وهو إنجاز لم يتحقق منذ انطلاق المسابقة بنظامها الحديث. وتميز زيدان بقدرته على إدارة غرفة الملابس، مستفيداً من رؤيته بصفته لاعب خط وسط سابقاً، وتمكن من استخلاص أفضل ما لدى نجوم الفريق بأسلوب هادئ وفعّال، واليوم، يترقّب عشاق الكرة الوجهة المقبلة لـ"زيزو"، وسط تكهنات بإمكانية توليه قيادة المنتخب الفرنسي مستقبلاً.
وإلى جانب غوارديولا وزيدان، شهدت الملاعب الإسبانية بروز نجمين آخرين من لاعبي الوسط السابقين الذين بصموا على مسيرات تدريبية ناجحة للغاية. فالأرجنتيني دييغو سيميوني (55 عاماً) غيّر ملامح أتلتيكو مدريد بشكل جذري، محوّلاً الفريق من نادٍ متوسط إلى قوة كبرى على الساحتين الإسبانية والأوروبية. وبفضل شخصيته الصارمة وأسلوبه القتالي، قاد "الروخيبلانكوس" للتتويج بلقب "الليغا" مرتين، وكسر هيمنة برشلونة وريال مدريد، فضلاً عن بلوغه نهائي دوري أبطال أوروبا مرتين (2014 و2016). أما الإسباني لويس إنريكي (55 عاماً)، فكتب فصلاً ذهبياً مع برشلونة بقيادته الفريق إلى خماسية تاريخية في موسم 2015. ورغم تجربته المتباينة مع منتخب "لا روخا"، عاد بقوة مع باريس سان جيرمان، وقاده إلى نهائي دوري الأبطال هذا الموسم، إلى جانب التتويج بالدوري الفرنسي.
وفي إيطاليا، يبرز اسم أنطونيو كونتي (55 عاماً)، لاعب وسط يوفنتوس السابق، كأحد أبرز المدربين الذين عرفوا كيف يحوّلون الفرق إلى منظومات جماعية متماسكة. وقاد كونتي كلاً من يوفنتوس، تشلسي، وإنتر ميلان إلى ألقاب الدوري المحلي، معتمداً على انضباطه التكتيكي العالي وأسلوبه القتالي، واليوم، يسير بخطى ثابتة مع نابولي، الذي ينافس بقوة على لقب "الكالتشيو"، ولا يمكن الحديث عن النجاح التدريبي للاعبي الوسط دون التوقف عند الإيطالي روبرتو مانشيني (60 عاماً)، الذي قاد "الأتزوري" إلى التتويج ببطولة يورو 2020، محققاً واحدة من أطول سلاسل اللاهزيمة في تاريخ المنتخبات، كما وضع بصمته في الدوري الإنكليزي، بمنح مانشستر سيتي لقب "البريمييرليغ" في موسم 2011-2012، بعد نهاية دراماتيكية لا تُنسى.
وقد فتحت نجاحات هذا الجيل من المدربين الباب أمام الجيل الجديد من صانعي اللعب لاقتحام عالم التدريب، مستثمرين رؤيتهم التكتيكية التي صقلوها داخل المستطيل الأخضر. ويبرز في هذا السياق اسم تشابي ألونسو (43 عاماً)، لاعب وسط ريال مدريد وليفربول السابق، الذي بصم على موسم أسطوري 2024-2025 مع باير ليفركوزن، قاد خلاله الفريق للتتويج بلقب "البوندسليغا" دون هزيمة، منهياً بذلك هيمنة بايرن ميونخ، وبفضل هوية تكتيكية تقوم على الانضباط والواقعية، بات ألونسو مرشحاً بقوة لتدريب ريال مدريد في المستقبل القريب.
وفي إنكلترا، يواصل ميكيل أرتيتا (43 عاماً)، لاعب وسط أرسنال وإيفرتون السابق، إثبات جدارته على رأس القيادة الفنية للمدفعجية، بعدما قدّم موسماً استثنائياً نافس فيه بقوة على لقب الدوري، مقدّماً كرة هجومية منظمة ومشروعاً طموحاً للبناء، ويُعد أرتيتا أحد أبرز "تلامذة غوارديولا"، حيث يمزج بين الانضباط التكتيكي والطموح الهجومي، ما جعله محط أنظار أكبر الأندية الأوروبية، وفي السياق نفسه، يشقّ سيسك فابريغاس (38 عاماً)، لاعب وسط برشلونة وتشلسي السابق، طريقه بنجاح في عالم التدريب، بعد قيادته نادي كومو الإيطالي إلى الصعود لدوري الدرجة الأولى. نجاحه اللافت جعله على رادار باير ليفركوزن، ليكون المرشح الأبرز لخلافة ألونسو الذي أعلن رحيله عن النادي، وسط ترقب لترسيم انضمامه إلى ريال مدريد.
