منازل لمجتمع الحُكم

1 week ago 5
ARTICLE AD BOX

تنتشر إعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي في العراق تروّج بيع وحدات سكنية (بيوت وشقق) في مدينة الورد قيد الإنشاء)، تشرف على بنائها شركة مصرية مملوكة لرجل الأعمال المصري نجيب ساويرس. ومن المؤمّل أن يكتمل الجزء الأول من المشروع ما بين منتصف العام المقبل ونهايته، غير أن اكتمال المشروع سيستغرق ربع قرن، حسب بيانات الشركة.
في الإعلانات، لم تقلّ أسعار أرخص الوحدات السكنية في هذا المشروع عن 350 مليون دينار عراقي (بحدود 234 ألف دولار)، وهو مبلغ كبير بالنسبة لمتوسّط الدخل في العراق، الذي لا يتجاوز 550 دولاراً في الشهر، حسب تقرير لمؤسّسة نومبيو الصربية لبيانات تكلفة المعيشة (2023). وهو متوسّط دخل أقلّ بكثير من نظيره العالمي، وحتى العربي.
الأمر الذي يثير التساؤل، إلى من توجّه هذه الوحدات السكنية الجديدة، يا تُرى، في بلد يعاني من أزمة سكن حادّة، وتذبذب في قيمة العملة المحليّة المرتبطة بمصدر أساس، قلق وغير ثابت، للدخل، وهو النفط؟
ما سوى مشروع مدينة الورد، الذي لم يرَ النور بعد، هناك مشاريع إسكان كثيرة في بغداد والمحافظات العراقية، أشهرها ربّما "بوّابة بغداد" في قلب العاصمة، الذي قد تصل فيه أسعار الشقق ذات الـ250 متراً إلى نصف مليون دولار (!).
عملياً، ينظر العامّة من الناس إلى هذه العمائر الحديثة من الخارج باستغراب، وإعجاب أحياناً، من دون أن يجرؤوا على الحلم بأن يشتروا متراً واحداً فيها. ومن يعبر أبواب هذه المجمّعات السكنية الفارهة فسيعرف طبيعة ساكنيها، فهم في الأعمّ الأغلب إمّا من عوائل الطبقة السياسية، ورجال الدولة، والتجّار ورجال الأعمال المقرّبين من السياسيّين، أو الفصائل المسلّحة. وقد نجد أن شخصيةً ما لديها عدّة شقق في هذه المجمّعات.
في حال استمرّ نهج البناء والإعمار بهذه الطريقة، هناك فاصلٌ طبقيٌّ جديدٌ يبدأ بالظهور إلى العلن، بعد أن كان غير مرئي لسنوات سابقة، يفصل عامّة الشعب عن فئة أخرى، يمكن أن نسميّها "مجتمع الحكم". بمقارنة هذه الحال مع دولة مجاورة مثل تركيا، على سبيل المثال لا أكثر، سنجد أن متوسّط الدخل فيها في حدود 965 دولاراً، ويستطيع المواطن شراء وحدة سكنية معقولة بسعر 70 ألف دولار، من خلال قروض ميسّرة من شبكة المصارف الأهلية والحكومية، وهناك إنفاق ضمن برنامج حكومي رسمي لتيسير الحصول على وحدات سكنية رخيصة للمواطنين. طبعاً مع وجود عقارات أخرى أغلى ثمناً تلبّي احتياجات الأثرياء. وبالمقارنة مع دولة مجاورة أخرى لها طبيعة اقتصادية مشابهة للعراق مثل السعودية، فإن الأمر مشابهٌ للوضع في تركيا بالخطوط العامّة، إذ تقدّم شبكة المصارف عادةً دعماً بالقروض للمواطنين، ويستطيع المواطن الحصول على وحدة سكنية معقولة ومناسبة بحدود الثلث من قيمة العقار نفسه في بغداد.
يتعلق جزءٌ من استشراء البناء غالي الثمن في بغداد، وبقية المحافظات، بالوفرة المالية لدى الطبقة الحاكمة وأذرعها الاقتصادية والتجارية، والجزء الآخر له علاقة بغسيل الأموال، وأيضاً للتكيّف مع العقوبات الدولية المشدّدة (الأميركية تحديداً) على حركة الدولار من العراق إلى خارجه. فتبقى هذه الأموال محجوزةً في الغالب داخل العراق. وليس أنسب من تحويل الأموال إلى أصول عقارية ثابتة، مهما كان سعرها.
خلف الجدار الرمزي الهائل لعالم "مجتمع السلطة"، بشققه وبيوته الفارهة، انشطرت بيوتٌ كثيرة في حيّ المنصور، الذي كان يعتبر حيّاً راقياً في بغداد، ليتحوّل بيتٌ من 600 متر إلى عشرة بيوت مثلاً. وقبلها بعقدين وأكثر، انشطرت نسبة كبيرة من بيوت حيّ الصدر في بغداد، الحيّ الشعبي الأكثر كثافةً سكّانيّة، لنجد بيوتاً بمساحة 25 متراً مربّعاً لا أكثر، وقد باع أحد الأصدقاء بيته واشترى بثمنه قطعة أرض بنى عليها ما يشبه العمارة الصغيرة، له ولأولاده المتزوّجين. وليس ببعيد منه نجد حالة متكرّرةً، أن يبيع أحدهم الطابق العلوي من البيت، ويمدّ سلّماً حديدياً منه إلى الشارع، وعشرات الحالات الغريبة والشاذّة، التي تراكم البشر فوق بعضهم بعضاً، وتضغط على الخدمات بشكل غير معقول، وتساهم في زيادة الغضب الشعبي على الأحوال المتردّية.

Read Entire Article