ARTICLE AD BOX
أثار استمرار حضور فادي صقر، وهو المتهم بارتكاب جرائم ومجازر بحق مدنيين، في المشهد السوري الغضب وأثار تساؤلات حول جدية الإدارة السورية في التعاطي مع ملف "العدالة الانتقالية"، ومحاسبة المتهمين بارتكاب جرائم حرب بين عامي 2011 و2024. وزاد غضب الشارع ما قاله حسن صوفان، وهو أحد أعضاء لجنة شكّلتها الإدارة السورية لـ"السلم الأهلي" الخاصة بالساحل السوري، في مؤتمر صحافي له، أول من أمس الثلاثاء، في دمشق، عن إعطاء فادي صقر الأمان من قبل "القيادة"، بدل توقيفه "بناء على تقدير المشهد، على أن يكون ذلك سبباً في حقن الدماء، سواء لدى جنود الدولة أو للمناطق الساخنة والحواضن المجتمعية". وظهر فادي صقر مجدداً في واجهة المشهد السوري قبل أيام، حين رافق محافظ دمشق ماهر مروان في تقديم العزاء في حي عش الورور، في دمشق لذوي خمسة شبان خُطفوا أثناء عودتهم من عملهم بأحد مطاعم العاصمة. وتسبب ظهور صقر وآخرين متهمين بارتكاب جرائم حرب تحت حماية من الإدارة السورية بموجات غضب.
عبد الناصر حوشان: "الأمان" له طابع أمني وعسكري في فترة غياب الدستور
عقوبات أميركية على فادي صقر
وسبق أن فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على فادي صقر مع آخرين كانوا ضمن الدائرة الضيقة حول بشار الأسد، لدوره في عمليات القمع التي مورست بحق المدنيين السوريين، والتي وصلت إلى حد القيام بعمليات تصفية واسعة النطاق من قبل قوات النظام المخلوع ومليشيات الدفاع الوطني التي كان لصقر وسواه دور في تشكيلها بعد مرور أشهر على انطلاق الثورة في عام 2011، وضمت العناصر الأكثر ولاء وقسوة المعروفين محلياً بـ"الشبيحة". وأعرب محامو حمص عن استنكارهم عدم توقيف فادي صقر وإحالته الى القضاء، مشيرين في بيان إلى أن "منح صكوك العفو والغفران لشخص متهم بارتكاب جرائم حرب يشكل استفزازاً مباشراً للضحايا وذويهم". كما أشاروا إلى أن "الضحايا وأولياء الدم وحدهم من يملكون حق تقرير مصيرهم القانوني والحقوقي، ولا يجوز سلبهم هذا الحق تحت أي ذريعة أو مبرر سياسي أو أمني".
في السياق، طالب عديد من الجهات والفعاليات السورية بـ "توقيف مجرم الحرب فادي صقر وإحالته إلى محكمة علنية دون تأخير"، فـ"استمرار وجوده في المشهد العام إهانة لآلاف الضحايا وتفريط بحقوقهم". كذلك طالبت بـ"إقالة" صوفان من لجنة السلم الأهلي، مشيرة إلى أن هذا السلم "لا يُبنى على أكتاف المجرمين"، فـ"الاعتماد عليهم يقوّض أي مسار للعدالة والمصالحة". وكان فادي صقر قائد ما كان يسمى "الدفاع الوطني" في العاصمة إبان سنوات الحرب التي شنها النظام المخلوع على السوريين ما بين عامي 2011 و2024. وتُتهم هذه المليشيا بارتكاب مجازر بحق المدنيين في العاصمة وريفها، لعل أبرزها مجزرة "التضامن التي كُشف النقاب عنها في إبريل/ نيسان 2022. وكان هذا الحي الواقع في جنوب دمشق قد شهد تظاهرة حاشدة في فبراير/ شباط الماضي، احتجاجاً على زيارة قام بها صقر إلى الحي برفقة مسؤول أمني من الإدارة الجديدة. ويؤكد ساكنو "التضامن" أن المليشيا التي كان يقودها صقر أسهمت في حصار حي اليرموك والغوطة الشرقية للعاصمة دمشق، فضلاً عن قيامها بعمليات اعتقال وتغييب قسري للسكان في جنوب دمشق طيلة سنوات.
وتعليقاً على منح "الأمان" لفادي صقر، بيّن المحامي عبد الناصر حوشان في حديث مع "العربي الجديد" أن "الأمان لا يعني العفو"، مضيفاً أن الأمان يمنحه قائد الجيش المنتصر لإيقاف إراقة الدماء، ومن ثم له طابع أمني وعسكري لا أكثر في فترة غياب الدستور. وتابع: إدارة العمليات العسكرية في سورية أعطت الأمان قبل أن تتشكل حكومة، ويصبح للبلاد رئيس جديد، ومن ثم ليس له مفاعيل العفو الذي تنظمه القوانين والدستور. العفو له أحكام وشروط.
زيدون الزعبي: نجاة الدولة لا تكمن فقط في رفع العقوبات، بل هي تكمن في التماسك الاجتماعي
ولا يقتصر الأمر على صقر، بل يصل إلى عدد من ضباط النظام المخلوع الذين أُفرج عنهم في الآونة الأخيرة من قبل الإدارة السورية، التي أصدرت الشهر الماضي قرار تشكيل الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية، بهدف كشف وتوثيق "الانتهاكات" الجسيمة التي "ارتكبها النظام المخلوع"، ومحاسبة المسؤولين عنها، و"تعويض الضحايا". ولم تشرع هذه الهيئة بعد في عملها، فهي بصدد وضع نظام داخلي، وتشكيل فريقها القانوني وهي "تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، وتمارس مهامها في جميع أنحاء الأراضي السورية"، وفق ما نص مرسوم تشكيلها.
تعاطٍ غير استراتيجي
وأبدى الخبير في مجالات الحوكمة زيدون الزعبي اعتقاده في حديث مع "العربي الجديد" أن الإدارة السورية "تتعامل مع ملف العدالة الانتقالية بطريقة غير استراتيجية"، مضيفاً: "علينا التعامل مع هذا الملف بنفس الطريقة التي تعاملنا بها مع ملف العقوبات الغربية التي كانت مفروضة على سورية". وبرأيه أن العدالة الانتقالية "لا تقلّ خطراً عن العقوبات"، مضيفاً: هناك حاجة جديدة للتعامل استراتيجياً مع هذا الملف لأنه يؤثر على مسألة السلم الأهلي والتماسك الاجتماعي. نجاة الدولة لا تكمن فقط في رفع العقوبات، بل هي تكمن في التماسك الاجتماعي.
ومنذ سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، يطالب سوريون الإدارة الجديدة بإيلاء العدالة الانتقالية الاهتمام الكافي للحد من عمليات الانتقام الفردي، وترسيخ الثقة بالقانون والقضاء، إلا أنها تأخرت في وضع هذا الملف في قائمة الأولويات. ولكن الباحث السياسي عرابي عبد الحي عرابي نفى في حديث مع "العربي الجديد" فرضية تعاطي الإدارة بـ"خفة" مع ملف العدالة الانتقالية، وهو الأكثر حساسية لدى عموم السوريين. وأشار إلى أن هناك خلطاً جرى ما بين لجنة "السلم الأهلي"، وهيئة "العدالة الانتقالية". وبيّن أن اللجنة "معنية بالساحل السوري وما جرى فيه في مارس/ آذار الماضي أثناء التصدي لمحاولة تمرد من فلول النظام"، مضيفاً أن هدفها هو ترسيخ حالة من التوافق الوطني في منطقة الساحل، وهو بعيد عن مسار العدالة الانتقالية التي تحتاج إلى محاكم خاصة وخبراء قانونيون وتوثيق وإحصاء وتحقيق. ولفت إلى أنه مع بدء هيئة العدالة عملها ستنتهي مهمة لجنة السلم الأهلي.
