ARTICLE AD BOX

<p>مدينة كسلا إحدى المدن التي استقبلت آلاف النازحين الفارين من جحيم المعارك (اندبندنت عربية - حسن حامد)</p>
يعيش النازحون في مدينة كسلا شرق السودان أياماً عصيبة وحالاً من الترقب، عقب هجوم مسيرات "الدعم السريع" على مواقع استراتيجية داخل المدينة، إذ أدت أصوات الانفجارات وألسنة اللهب وأعمدة الدخان المتصاعدة إلى المخاوف من انتقال الحرب شرقاً وتكرار مآسي النزوح.
في ضوء هذا التوتر بدأت أعداد من النازحين في جمع أمتعتها بخاصة الذين يقيمون في المعسكرات الواقعة بالقرب من مطار المدينة، في حين لا يزال البعض منهم حيارى ولا يدرون ماذا يفعلون وأين ستكون وجهاتهم الجديدة حال استمرار استهداف المسيرات لهذه المدينة في ظل توقف أعمالهم وقلة المال الذي يحاصرهم منذ فقدان مصادر دخلهم، ما يضعهم أمام خيارات مقلقة في النزوح.
وتعد مدينة كسلا إحدى المدن التي استقبلت آلاف النازحين الفارين من جحيم المعارك التي شهدتها ولايات الخرطوم والجزيرة وسنار والنيل الأبيض وما صاحبها من انتهاكات وحشية في حق المدنيين ارتكبها طرفا الصراع خصوصاً قوات "الدعم السريع" التي تتحمل القدر الأكبر منها.
محنة النازحين الآن في كسلا مثال معبر عن الأزمة الإنسانية الأوسع نطاقاً في البلاد، بخاصة بعد أن كثفت "الدعم السريع" هجماتها بالمسيرات على مدن الولايات الآمنة الأمر الذي أثار حفيظة مجتمع النازحين في المدينة من أن تسقط إحدى الطائرات المسيرة داخل المعسكرات أو استهدافها بشكل مباشر، مثلما حدث في مدينة عطبرة بولاية نهر النيل خلال أبريل (نيسان) 2025، الذي أسفر عن مقتل 10 أشخاص وإصابة 22 من بينهم أطفال.
خيارات قاسية
تقول النازحة منى عبد الغني وهى أم لخمسة أطفال، ولا تزال تقيم في أحد معسكرات الإيواء بمدينة كسلا "أجبرتنا الحرب التي اندلعت في الخرطوم في منتصف أبريل 2023 على النزوح إلى ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة خوفاً من القتال والانتهاكات البشعة بخاصة ضد النساء، وبعد سقوط ود مدني في يد ’الدعم السريع‘ فضلنا التوجه إلى مدينة كسلا باعتبارها من المدن الآمنة".
وتابعت النازحة قولها "لكن في الفترة الأخيرة تأثرت قطاعات كثيرة بالحرب بخاصة في الجانب الصحي الذي حدث له شبه انهيار، مما فاقم أوضاع النازحين بسبب انتشار الأمراض والأوبئة، إلى جانب النقص الحاد في الغذاء وعدم توافر مياه نظيفة للشرب، لكننا كنا نواجه هذه المحن بالصبر والصمود باعتبار أن المدينة بعيدة من الانتهاكات والفوضى التي صاحبت الحرب".
وأضافت عبد الغني "من المؤسف أن كسلا حالياً لم تعد مدينة آمنة بعد استهدافها بالمسيرات من قبل قوات ’الدعم السريع‘، الأمر الذي جعل آلاف النازحين الذين لا يزالون في مراكز الإيواء بخاصة القريبة من المطار يشعرون بالخوف والذعر وكأن الموت يقترب منهم، إلى جانب التلوث البيئي بسبب الدخان الكثيف الذي بدوره أدى إلى حالات اختناق وسط الأطفال وكبار السن".
وأوضحت عبد الغني "معظم النازحين بدأوا لملمة أطرافهم وجمع أمتعتهم بحثاً عن وجهة جديدة فيما يكسو الحزن ملامحهم، حيث أنهكهم التفكير في البحث عن ملاذات آمنة في ظل تضيق فرص النزوح، فضلاً عن أن الحرب تصر على ملاحقتنا أينما ذهبنا وتعمل على تفاقم أحوال الأسر التي تحولت إلى مأساة".
وأشارت النازحة إلى أن "النازحين حيارى في تدبير أوضاعهم بخاصة في الجانب المادي، فالغالبية صرفوا كل ما بحوزتهم من أموال، حتى دخل الأنشطة التي كانوا يزاولونها خلال فترة إقامتهم بهذه المدينة، وبالتالي فإن السفر إلى مدينة أخرى ليس بالأمر السهل، ولكن إذا ساءت الأحوال فلن يكون لدينا خيار غير النزوح لوجهة جديدة مهما كلف الأمر".
أوضاع متعسرة
من جانبه، أوضح المواطن محمد نصر الدين، الذي نزح من ضاحية أمبدة إلى كسلا، قائلاً "نزوحنا من مدينة أم درمان كان بعد ثلاثة أشهر من اندلاع الحرب بسبب الفزع الناتج من المشاهد المروعة التي رأيناها أمام أعيننا، علاوة على التعديات على المواطنين حتى داخل المنازل من قبل عناصر ’الدعم السريع‘، لكن كان العزاء بأنه لا تزال هناك مدن لم تصلها هذه الحرب اللعينة، إذ آثرنا الابتعاد ما أمكن وكانت وجهتنا مدينة كسلا التي وصلنا إليها بصعوبة بالغة في ظل اشتداد المعارك بين الطرفين (الجيش و’الدعم السريع‘) وعمليات التفتيش من خلال ارتكازات عديدة لكل طرف في مواقع سيطرته".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأردف نصر الدين "مع وصولنا مدينة كسلا تم استقبالنا بواسطة فرق شبابية وتسكيننا في أحد مراكز الإيواء، لكن من المؤسف أن الأوضاع المعيشية في تلك المراكز كانت مزرية للغاية ولا تصلح للإقامة وأيقنا أننا سنكون في مجابهة واقع أليم، وظللنا نجابه متاعب النزوح وسوء الأحوال من شتى الجوانب قرابة العامين، وما إن بدأ الجيش يحقق انتصارات بتحريره ولاية الجزيرة وأجزاء واسعة من ولاية الخرطوم لاح أفق الأمل بالعودة إلى أم درمان، لكن انقطاع الكهرباء التام وعدم توافر المياه جعلنا نتأنى قليلاً حتى تتضح الأمور وبعدها نقرر إلى أين سنتجه".
ولفت المواطن إلى أنه "بالتأكيد استمرار استهداف مدينة كسلا خلال هذه الأيام يجبرنا على مغادرتها من دون أدنى شك، لكن إلى أين نتجه، هذا هو محل تفكيرنا بخاصة وأن المسيرات باتت تستهدف كل مناطق السودان، حتى أم درمان لم تسلم من هجومها".
مأساة متجددة
في السياق، قالت عضو غرفة الطوارئ بمدينة كسلا ميساء إبراهيم "المؤسف أن الحرب اتخذت مساراً جديداً يصعب التنبؤ بتطوراته، فهذا الاستهداف المتواصل بالمسيرات على المدن الآمنة بما فيها مدينة كسلا يعقد المشهد ويضع المواطنين بخاصة النازحين أمام اختبار صعب في شأن القرارات التي يجب اتخاذها بحثاً عن السلامة والأمان، فهذه الحرب زعزعت استقرار المواطن وتشريده وجعلته يفقد المأوى، فضلاً عن أنها بثت فيه الرعب والهلع، فالآن النازحون واللاجئون في معسكرات الإيواء بدأوا فعلياً في تغيير مساراتهم والبحث عن الأمان بسبب دخول المسيرات في الحرب بصورة عنيفة".
وأردفت إبراهيم "النازحون الذين لجأوا إلى مدينة كسلا منذ اندلاع الحرب في العاصمة الخرطوم عاشوا فترات عصيبة في المعسكرات البالغ عددها نحو 418 معسكراً، فهي تفتقر لأبسط مقومات الحياة من أكل وشرب ودواء، إلى جانب أن المخيمات لم تكن مهيئة وتوفر الحماية من شدة حرارة الصيف أو البرد أو الأمطار وكانوا معرضين للدغات الحشرات والبعوض والأمراض، إضافة إلى سوء التغذية وسط الأطفال والمسنين والنساء، بخاصة المخيمات الطرفية الواقعة خارج المدينة".
ولفتت عضو غرفة الطوارئ إلى أن" حكومة الولاية بذلت جهوداً مقدرة من أجل توفيق أوضاع النازحين بالتنسيق مع المنظمات المحلية والدولية ومحاولة دمجهم في مجتمع المدينة وإلحاق الأطفال بالتعليم، لكن كثافة النازحين شكلت ضغطاً زائداً على الولاية بالنظر إلى محدودية الإمكانات وشح الموارد".