نزوح مكلف لسكان غزة... فرار قاسٍ إلى الغلاء والجوع

1 day ago 2
ARTICLE AD BOX

تشهد مناطق واسعة من شمالي قطاع غزة ومدينة خانيونس جنوباً موجات نزوح جديدة تتّسم بالقسوة والمرارة، مع اشتداد القصف المدفعي الإسرائيلي وتكثيف إنذارات الإخلاء التي يوزعها جيش الاحتلال على الأحياء السكنية، في وقت لا يجد فيه الأهالي خياراً سوى ترك ما تبقى من منازلهم أو خيامهم ومراكز الإيواء والفرار إلى المجهول، غالباً سيراً بفعل الارتفاع الكبير في تكاليف النزوح وعجزهم عن تحمل كلفة المواصلات.

قذائف البطالة والانهيار الاقتصادي

ما يزيد المعاناة أن الخطر لا يقتصر على سقوط القذائف، بل يمتد ليشمل الضائقة المالية الخانقة التي تحاصر السكان، ففي ظل بطالة مرتفعة وانهيار اقتصادي، بات كثيرون عاجزين حتى عن توفير أجرة مركبة تنقلهم إلى مكان آمن، ما يفاقم من أزمة النزوح القسري ويجعلها معركة بقاء يومية.
وركز الاحتلال خلال الأيام الماضية على مناطق بيت حانون وبيت لاهيا ومخيم جباليا شمالاً والمناطق الشرقية والوسطى من مدينة خانيونس جنوباً، حيث وزع إنذارات بالإخلاء دفعت نحو 200 ألف فلسطيني للنزوح تحت وقع الخوف والقصف، فيما بقيت عائلات أخرى رهينة العجز المالي، غير قادرة على الهروب أو حماية أبنائها من خطر وشيك.

ووجد الفلسطيني يوسف حماد نفسه محاصراً في مخيم جباليا شمالي غزة، غير قادر على مغادرته رغم تصاعد القصف الإسرائيلي وتكرار إنذارات الإخلاء، قائلاً: "الجيش يحذّر بضرورة الإخلاء، يقول يجب أن نخرج، لكن أين أذهب؟ لا أملك الـ 400 شيكل (الدولار 3.55 شواكل) تكلفة النقل بالسيارة، حتى لو أريد الهروب من الموت، لست قادراً (على دفعها)".
وقال حماد لـ"العربي الجديد": "من الضروري تشكيل مبادرات تضمن المواصلات للمواطنين وإيصالهم إلى وسط مدينة غزة"، مشيراً إلى أن هناك حالة استغلال كبيرة من بعض السائقين وأصحاب العربات ما أدى إلى مضاعفة الأسعار، "صاحب المركبة كان يطلب قبل النزوح 100 شيكل، حالياً يطلب 400 شيكل".
ويعد المبلغ المطلوب للنزوح عقبة حقيقية أمام مئات الأسر، خاصة في ظل الانهيار الاقتصادي، وغياب أي دعم مالي أو خدمات نقل مجانية، ومع استمرار التصعيد، تتزايد المخاوف من تحول منطقة شمال غزة إلى مصائد موت لسكان لا يملكون ثمن النجاة.

ترك المنازل مدمرة

في حين، اضطر الفلسطيني منار دحلان إلى إخلاء منزله في منطقة تل الزعتر شرقي مخيم جباليا سيراً، بعدما تعذّر عليه تأمين تكلفة وسيلة نقل تقله مع عائلته إلى غرب مدينة غزة، في ظل القصف العنيف وإطلاق النار الكثيف الذي رافق تحركه.
وقال دحلان لـ"العربي الجديد": "تركت أغلب حاجياتي في المنزل شبه المدمر، لا يوجد مواصلات ولا أملك نقوداً.. حملت ملابس قليلة ومشينا لمدة خمس ساعات، والأطفال لم يستطيعوا أن يكملوا مشياً".
وأوضح أن استئجار "توكتوك" لنقل بعض ممتلكاته المتبقية سيكلفه 350 شيكلاً، وهو مبلغ كبير في ظل الظروف الاقتصادية القاسية التي يعيشها، "فمنذ الأشهر الأولى للحرب، توقفت عن العمل بعد تدمير مصنع الحلويات الذي كنت أعمل به في مدينة غزة"، ما جعله من دون أي دخل يعينه على مواجهة تبعات النزوح.
ولم يكن أمام الأربعينية أم جمال ريحان، وهي أم لخمسة أطفال، خيار سوى النزوح من بلدة بيت لاهيا بعد اشتداد القصف الإسرائيلي على المنطقة، لكنها لم تكن تملك ما يكفي لتأمين وسيلة نقل، فلجأت إلى الاستدانة لتتمكن من إنقاذ أطفالها من الموت المحقق.
وقالت أم جمال لـ"العربي الجديد": "لم يكن لدينا شيء، استدنت كي أتمكن من إخراج أولادي، واليوم ليس لدينا لقمة نأكلها. نحن نعيش مجاعة حقيقية، نعيش خطر القصف من جهة وانعدام المقومات الأساسية للحياة من جهة أخرى".

تفاقم الكارثة في غزة

بدوره، حذّر المختص في الشأن الاقتصادي عماد لبد، من تفاقم الكارثة الاقتصادية والإنسانية بسبب أوامر الإخلاء من مناطق عدة في قطاع غزة، مشيراً إلى أن المساعدات الغذائية والإنسانية متوقفة منذ أكثر من 80 يوماً عن نحو 95% من سكان القطاع، الذين يواجهون أصلاً واقعاً اقتصادياً منهاراً.

وقال لبد لـ"العربي الجديد" إن ما يقرب من 83% من السكان يعانون البطالة، بينما تجاوزت نسبة الفقر حاجز الـ90%، ما يجعل عمليات النزوح الحالية بمثابة نقل للمعاناة من مكان إلى آخر، في ظل غياب الحد الأدنى من مقومات البقاء.
وأضاف: "العائلات النازحة لا تملك ما يمسك رمقها، الكثير منها يضطر إلى الاستدانة أو المشي لساعات طويلة للوصول إلى أماكن أقل خطورة، مع انعدام وسائل النقل المجانية وغياب أماكن إيواء مناسبة، في وقت زاد فيه استنزاف المواطنين مادياً بسبب ارتفاع الأسعار وتكاليف الحرب الباهظة".
ولفت إلى أن أسعار المواصلات في قطاع غزة شهدت ارتفاعاً غير مسبوق تجاوز ستة أضعاف، وذلك بسبب نفاد الوقود بشكل شبه كامل، بالتزامن مع تواصل الحرب والحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ أكثر من عام ونصف العام.
وأوضح لبد أن أزمة النقل تفاقمت بسبب الارتفاع الجنوني في أسعار الوقود، الذي زاد بنسبة تفوق 1000% مقارنة بما قبل الحرب، إضافة إلى الدمار الواسع الذي لحق بالطرق، ما جعل الوصول إلى المناطق الآمنة أو مراكز الإيواء أمراً بالغ الصعوبة.
وأشار إلى أن السائقين يواجهون ظروفاً شبه مستحيلة في ظل طرق مدمرة، وعدم توفر قطع غيار للمركبات وندرة الوقود في السوق، ما أدى إلى قفزات كبيرة في تكاليف النقل يتحملها المواطن الفقير أصلاً، أو يجبر على النزوح سيراً.
وختم حديثه: "ما يدفعه المواطن اليوم في أجرة السيارة لا يعقل. نحن نتحدث عن أسعار خيالية، بينما 90% من السكان يعيشون تحت خط الفقر ولا يملكون ثمن الخبز، فكيف لهم أن يدفعوا تكاليف النزوح؟".

Read Entire Article