نفوذ المليشيات والتهميش يؤخران عودة النازحين إلى سهل نينوى

2 hours ago 1
ARTICLE AD BOX

رغم مرور أكثر من شهرين على النداء المشترك لأحزاب وقوى عراقية مسيحية في محافظة نينوى، شمالي العراق، مطالبة بإخراج الجماعات المسلحة من قرى ومدن سهل نينوى الذي يعد الموطن التاريخي لمسيحيي العراق، وإسناد مهمة الأمن لأبناء المنطقة للمساعدة في عودة النازحين من أهلها إليها، بعد مغادرتهم إثر احتلال تنظيم داعش لها عام 2014، إلا أن أي شيء لم يتغير بالمشهد في تلك المناطق التي تُشكل أكثر من ربع جغرافية محافظة نينوى.

ودعت القوى المسيحية التي شكلت، يوم 13 شباط/فبراير الماضي، "التحالف المسيحي"، ويضم كلاً من "المجلس القومي الكلداني" و"حركة تجمع السريان" و"الاتحاد الديمقراطي الكلداني" و"الجمعية الأرمنية" و"الرابطة الكلدانية العالمية" و"تيار شلاما" و"الهيئة الإدارية لطائفة الأرمن الأرثوذكس"، رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان، إلى التدخل في "سحب" المليشيات المسلحة من مناطق سهل نينوى، وإسناد الملف الأمني إلى أبناء المكونين المسيحي والأيزيدي من سكان سهل نينوى. وذكّر البيان بما تعرّض له مسيحيو العراق سابقاً من "سلسلة من المجازر والجرائم"، والاعتداءات التي نفذتها "التنظيمات الإرهابية مثل القاعدة وداعش، إضافة إلى المليشيات المسلحة والمنفلتة". ودعت إلى "الحفاظ على التنوع الديني والقومي، وتعزيز قيم التعايش المشترك والسلم الأهلي، بما ينسجم مع الدستور العراقي الدائم والاتفاقيات الدولية".

لم يلق هذا النداء المدعوم من الكنيسة الكلدانية وكنائس أخرى وازنة في العراق، أي تجاوب من الحكومة لغاية الآن، رغم اقتران الدعوة إلى سحب الجماعات المسلحة، بعودة سكان سهل نينوى إلى مناطقهم. وتتكون منطقة سهل نينوى من الأراضي الممتدة شرق مدينة الموصل وجنوب وشمال شرقها باتجاه أربيل. وتشمل إلى جانب أكثر من عشر بلدات، أربعة أقضية إدارية وهي الحمدانية وتلكيف ومخمور والشيخان، إضافة إلى ناحية بعشيقة التابعة لمدينة الموصل، وعشرات القرى الصغيرة، فيما سكانها من الغالبية المسيحية العراقية. وتتبع منطقة سهل نينوى الخصبة وذات الطبيعة الخلابة، إدارياً محافظة نينوى ومركزها مدينة الموصل. من أبنائها العديد من كبار علماء ومفكري وسياسيي العراق، أبرزهم العلاّمة والباحث واللغوي الأب إنستاس الكرملي، والبروفسور متّى عقراوي، أول رئيس لجامعة بغداد، والوزير يوسف رزق الله غنيمة، والباحثان كوركيس عواد وميخائيل عواد، والصحافي والسياسي روفائيل بطي، ويوسف سلمان، أحد مؤسسي الحزب الشيوعي العراقي، والمطربة الكبيرة عفيفة إسكندر، والمدرب واللاعب العراقي الشهير عمو بابا، ووزير الخارجية العراقي الراحل طارق عزيز.

ينحصر النفوذ الأمني في تلك المنطقة في فصيلين مسلحين تابعين لـ"الحشد الشعبي"، الأول هو "حشد الشبك" (الشبك هم إحدى قوميات العراق التي تتمركز في محافظة نينوى) أو ما يعرف باللواء 30 والذي يقوده النائب وعد القدو المُدرج على لائحة العقوبات الأميركية. والثاني مليشيا "بابليون"، المعروفة باللواء 50 والتي يقودها ريان الكلداني، وهو مدرج أيضاً على لائحة العقوبات الأميركية. يعد القدو والكلداني، حليفين وثيقين لتحالف "الإطار التنسيقي" الحاكم، ويشاركان في اجتماعاته الدورية. وبعد سلسلة جرائم لتنظيم داعش، من بينها فرض "الجزية" عليهم، نزح العراقيون من المكون المسيحي من المنطقة. لكن حتى بعد تحريرها وطرد التنظيم منها، لم يعد أكثر من 30% منهم إلى مناطق برطلة والقوش وباقوفا وكرمليس وتلسقف وباطنايا، وإلى جانب مركز مدينة الموصل مثل منطقة حاوي الكنسية. بينما لا يزال الآخرون نازحين، في بغداد وإقليم كردستان- العراق وتركيا ودول أوروبية مختلفة، أبرزها السويد وفرنسا والمملكة المتحدة. 

رامي نوري: سهل نينوى يخضع لسيطرة جماعات مسلحة اكتسبت شرعيتها خلال الحرب على "داعش"

يؤكد النائب في برلمان إقليم كردستان، رامي نوري، أن خضوع منطقة سهل نينوى لسيطرة ونفوذ المليشيات المسلحة، هو السبب الأول في بقاء السكان خارجها. ويقول في حديث لـ"العربي الجديد": إن "سهل نينوى يخضع لسيطرة جماعات مسلحة على هامش الدولة اكتسبت شرعيتها خلال الحرب على داعش"، مضيفاً "بعد التحرير واستتباب الأمن صادرت المنطقة ولم تسمح لمؤسسات الدولة بإدارتها وظلت تدير الأمور فيها أمنياً واقتصادياً وإدارياً حسب ما تقتضيه أجندة تلك الفصائل".

وثمة جهة تزعم تمثيل المكون المسيحي، وتمتلك نفوذا ماليا وسلاحا، بحسب نوري، فيما "سبق الحديث عن رفض المسيحيين، على مختلف المستويات الاجتماعية أو الدينية المسيحية، أن تكون لهم مليشيا، والذين يرون أن مرجعهم هو الدولة"، في إشارة إلى "بابليون". ويبيّن أن هذه المليشيا "تختزل التمثيل المسيحي بها، وتستعدي المجتمعات الأخرى باسم المسيحيين". أما عودة الأهالي إلى مناطقهم في سهل نينوى، بحسب نوري، فهي مرهونة "بوجود سلطة القانون ومؤسسات الدولة والتي تغيب اليوم بشكل كامل"، إلى جانب عوامل أخرى مثل "غياب الشعور بالاستقرار والوضع الاقتصادي المتردي وانعدام فرص العمل وسوء الوضع المعيشي والخدمي والتهميش الذي يتعرض له المسيحيون حتى من خلال القوانين النافذة". وبحسب تقرير للمفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، خلال مارس/آذار 2021، هناك نحو 250 ألف مسيحي فقط في جميع أنحاء العراق من أصل 1.5 مليون كانوا موجودين قبل عام 2003. ويشير التقرير إلى مقتل واختطاف الآلاف منذ الغزو الأميركي للعراق، متحدثاً عن فترة سوداوية خلال سيطرة "داعش" على مدينة الموصل بين عامي 2014-2017.

أثيل النجيفي: إجماع من رجال الدين المسيحيين على رفض وجود الفصائل المسلحة في نينوى

يقول محافظ نينوى الأسبق، أثيل النجيفي، إن "هذه الحشود (مليشيا بابليون وحشد الشبك) لا تمثل إرادة المسيحيين في سهل نينوى، الذين يرفضون وجود هذه الفصائل في المنطقة". ويضيف في حديث لـ "العربي الجديد"، أن هذه الفصائل تحظى بـ"فرصتي ترغيب وترهيب المواطنين، بسبب امتلاكها المال كعنصر جذب بالإضافة إلى نفوذها مع بقية الحشود والفصائل المسلحة".

مستقبل على المحك

يرى الكاتب والصحافي العراقي جرجيس توما، أن "سيطرة تنظيم داعش ثم سيطرة المليشيات على سهل نينوى، تسببت في إفراغه من المكوّن المسيحي وتراجع أعداد المسيحيين في المنطقة إلى 50 ألف مسيحي فقط في أحسن الأحوال، في الفترة الحالية". ويشرح في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه في السابق كان يمنع التملك في سهل نينوى لمن هم من خارجه "لتجنب أي مشاريع تغيير ديمغرافي"، لكن في الفترة التي أعقبت طرد تنظيم داعش، "عبثت الفصائل المسلحة التابعة للحشد الشعبي"، وأبرزها لواءا 30 و50، و50 وهما "حشد الشبك"، و"بابليون" بالمنطقة عبر "المنع (دخول مواد البناء للترميم)، أو التملك، أو البناء، أو استغلال السكان لعقاراتهم وأملاكهم تحت ذرائع مختلفة".

جرجيس توما: لا مستقبل سياسيا للمسيحيين في سهل نينوى لأن الغلبة ستكون حتماً للشبك 

ويضيف توما، الذي يقيم خارج العراق، أن "سيطرة تلك الجهات على السهل، مقابل تراجع وجود المسيحيين، جعل الكفة السكانية تميل وبنحو كبير للمكوّن الشبكي"، لافتاً إلى أن نفوذ الأخير منع الكثير من المسيحيين النازحين في مناطق أخرى داخل العراق والمهاجرين إلى الخارج من العودة". وبرأي توما "لا مستقبل سياسيا للمسيحيين في سهل نينوى، أو حتى إداريا في حال تحوّل إلى كيان إداري كمحافظة على سبيل المثال، لأن الغلبة ستكون حتماً للشبك الذين تصل أعدادهم إلى قرابة 300 ألف، في حين لا تتجاوز أعداد المسيحيين بأفضل حال 50 ألفاً في الوقت الراهن".

غياب تمثيل سياسي حقيقي

ثمة من يربط مشاكل المكوّن المسيحي في سهل نينوى، بغياب التمثيل السياسي الحقيقي وتهميشهم بسبب قانون الانتخابات الذي يحرم عراقيي الخارج من التصويت (يصوت عراقيو الخارج لصالح دوائرهم الانتخابية باستخدام البطاقة البيومترية حصراً والتي لا تصدر سوى من داخل العراق)، رغم أن 70% من مسيحيي العراق الآن هم خارج البلاد. يقول النائب السابق يونادم كنا،(من الحركة الديمقراطية الآشورية)، إن "إرادة المكوّن المسيحي، مُصادرة في البرلمان الاتحادي بسبب عدم الاستجابة لمطالب تعديل قانون الانتخابات الخاصة بفقرات الكوتا". ويضيف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "كتل الأغلبية ومفوضية الانتخابات لم تلتزم بمضمون المادة القانونية لتخصيص مقاعد الكوتا للمكوّن المسيحي وفق روح قانون الانتخابات ومبررات الكوتا لإنصاف المكوّن". وبرأيه فقد "تقصدت الأغلبية البرلمانية عدم حصر التصويت في أبناء المكوّن المسيحي وإتاحة المجال والفرصة لكل العراقيين للتصويت على مقاعد الكوتا، وبالتالي مصادرة إرادة المكوّن في انتخاب ممثليه". وتسببت مخرجات (البرلمان)، وفق كنا، بـ"خيبة الأمل وزرع الإحباط في أوساط المكوّن المسيحي وإشعاره بالتهميش والإقصاء وفرض إرادات الكتل الحاكمة ومن يمثلها أو يواليها على المكوّن".

تحرك أميركي في سهل نينوى

كشف الباحث والحقوقي العراقي، مصطفى سعدون، منتصف مايو/أيار الحالي، عن رسائل أميركية إلى حكومة بغداد، عبر رئيس جهاز المخابرات العراقي، حميد الشطري، الذي زار الولايات المتحدة أخيراً، تضمنت الضغط لإعادة ترتيب الأوضاع العسكرية لفصائل الحشد (لواء الشبك وبابليون) في سهل نينوى. وكتب سعدون، المقيم في الولايات المتحدة، على منصة إكس، أن "الشطري زار واشنطن حاملاً حقيبة ثقيلة من القضايا المعقّدة، على رأسها ملف سهل نينوى، الحشد الشعبي، والبشمركة، وبحث خلال لقاءات مغلقة جمعته بمسؤولين في وكالة الاستخبارات الأميركية هذه الملفات".

وبيّن أن سهل نينوى كان عنواناً متكرراً على طاولة الحوار، مضيفاً أن "الأميركيين أوصلوا رسالة واضحة" مفادها بأنه يجب ترتيب الوجود العسكري في سهل نينوى، خصوصاً ما يتعلق بلواء 30، التابع للشبك ولواء 50، المرتبط بريان الكلداني". ولفت إلى أن موضوع سهل نينوى "ليس سوى جزء من صورة أكبر اسمها الحشد الشعبي، إذ يدور في الكواليس حديث جدي عن ضرورة إعادة تنظيم هذا الجسم. الجانب الأميركي يضغط باتجاه تحويل الحشد إلى قوة خاضعة لسلطة الدولة كلياً، وهذا ما لا يبدو سهلاً في ظل التوازنات الحساسة في المشهد العراقي". وأشار سعدون إلى أن "الملف الآخر الذي طُرح بجدية هو تواجد قوات البشمركة في المناطق المتنازع عليها، إذ يرى الأميركيون أن التعاون بين الجيش العراقي والبشمركة هو ضرورة أمنية مؤقتة، خصوصاً في ظل الفراغات التي خلفها انسحاب بعض التشكيلات أو ضعف التنسيق الأمني".

(شارك في التقرير من بغداد: محمد علي)

Read Entire Article