نوادي القراءة في تونس والاستدامة المنشودة

19 hours ago 2
ARTICLE AD BOX

تلعب نوادي القراءة دوراً هاماً في تنشيط الحركة الثقافية في البلدان العربية، بتسليطها الضوء على الإصدارات الأدبية والفكرية والتجارب المهمّة في الكتابة، مستفيدةً من تنامي دور وسائل التواصل الاجتماعي التي تمنح المشاركين فيها ميزات كالسرعة والمرونة، أو حتى إقامة هذه الأنشطة في الفضاء الرقمي كلّياً، على غرار مبادرة "كتبجي" في الأردن، و"الجمعية اللبنانية للقراء"، و"نادي طلال فيصل" في مصر.

أما في تونس، فقد ظهرت نوادٍ كثيرة بعد ثورة عام 2011، ركّز بعضها على اللقاءات الميدانية في المقاهي والفضاءات المفتوحة ودور الثقافة، بينما اهتمّت أُخرى بالعمل في الفضاء الافتراضي. لكنّ الكثير منها ركّزت على اللقاءات في الفضاءات المفتوحة إذ اتّصف نشاطها بالتذبذب وعدم الانتظام، وافتقرت عادة إلى القدرة على التنظيم والاستمرارية، ما جعل الحضور يكون في مجمله ضعيفاً، بالإضافة إلى أن عدم توفّر مكان قارّ لتنظيم هذه النشاط، وإن بدا إيجابياً من وجهة نظر أنّ القراءة هي عملّية تحرّر من سلطة الزمان ورتابة الأمكنة، إلّا أن ذلك أضرّ بالتزام الأعضاء وبديمومة الأنشطة.

مبادرات تظهر ثم تندثر في غياب التفرّغ والموارد الماليّة

من بين هذه النوادي التي قامت بعمل لافت، بدءاً من العقد الماضي، مبادرة "تونس تقرأ"، التي تأسست عام 2017، ونظّمت لقاءات نقاش وقراءات جماعية لدراسات مهمّة، وتنقّلت بين المقاهي والكلّيات والحدائق العامة وحاولت دعم اللامركزية الثقافية، عبر زيارة ما أمكنها من مناطق وقرى معزولة في العمق التونسي، وقد حظيت هذه المبادرة بتغطية إعلامية لافتة من وسائل إعلام خاصة ومن التلفزيون الرسمي كذلك، وسعى مؤسّسوها إلى توسعتها لتصبح "العالم العربي يقرأ"، بتنسيق لقاءات افتراضية مع شغوفين بالقراءة من خارج تونس. هذه المبادرة على أهميّتها افتقرت إلى الانتظام في اللقاءات، وهو أمر ناتج عن قلّة الأفراد المشرفين على التنظيم وعدم التفرّغ، فضلاً عن عدم التجديد في طُرق ومواضيع الطرح والحضور الرقمي.

من جهة أُخرى تبرز تجربة "جمعية عشّاق الكتب" في سوسة مثالاً ناجحاً على انتظام انعقاد أنشطتها وتنوّع مضامينها، مثل نشاط "أيام القراءة" الذي يلتقي فيه المنخرطون ليتحدث كلٌّ عن الكتاب الذي قرأه طيلة الشهر، ونشاط "Reading Date" الذي يرتّب لقاءات تلقائية في توقيتها ومكانها، بين منتسبي النادي لمشاركة قراءاتهم، فضلاً عن أنشطة أُخرى متنوّعة واستضافات لكتّاب ومترجمين تونسيين وعرب للخوض في تجاربهم الإبداعية، على غرار الروائي الحبيب السالمي والمترجم بسام البزاز.

منذ جائحة كورونا بدأت ثقافة المنتديات واللقاءات الافتراضية تترسخ في الوسط الثقافي التونسي أكثر من قبل، فبرزت مبادرات عديدة للنقاش حول المؤلفات، نأخذ منها مثال نادي "سرديّات"، الذي استطاع في ظرف وجيز أن يبني سمعة جعلت عدداً كبيراً من التونسيّين ومن المغتربين العرب في فرنسا وكندا وإيطاليا وغيرها يقبلون على أنشطته الافتراضية، وجعل الكثير من الكتّاب يقبلون دعوات القائمين عليه، من أمثال التونسية أميرة غنيم والسوداني حمّور زيادة، والسوري ممدوح عزام، الذي قال عن النادي في آخر لقاء معه إنه يمثّل حالة فريدة في العالم العربي الذي تتضاءل فيه قيمة القراءة. جرى اختيار هذا النادي كذلك من الهيئة المشرفة على جائزة بوكر العربية، من بين نخبة من النوادي في العالم العربي لإجراء مداخلات ومناقشات افتراضية حول روايات القائمة القصيرة للجائزة، وقد مثلت النادي السيدة هاجر الرابعي بمداخلة حول رواية "ملمس الضوء" للروائية الإماراتية نادية النجار.

ومن المشاريع اللافتة ضمن هذا السياق، مشروع "الشبكة الوطنية لنوادي القراءة"، الذي أطلقته جمعية "صفحات" في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 ويمتدّ لسنتين. ويتمثّل في إنشاء نوادٍ للقراءة في مختلف أنحاء ومدن تونس، ومدّها بالإحاطة والتكوين لإدارة النقاشات ودعم الحضور الرقمي للنادي. تواصلت "العربي الجديد" مع رئيس الجمعية هشام بن عليّة الذي أوضح أن الإصرار على أن تكون المبادرة في شكل شبكة أندية تتفاعل في ما بينها ويستفيد كلّ واحد منها من خبرة الآخر يخدم استدامتها، خاصة أن المُشرفين على هذه النوادي يتعيّن عليهم أن يكونوا أعضاء في الجمعيّة الأُمّ. 

إلى حدود إبريل/ نيسان الماضي بلغ عدد هذه النوادي عشرة، وتطمح الجمعية إلى بلوغ العدد أربعة وعشرين، أي نادٍ لكلّ محافظة تونسية في نهاية مدّة المشروع. وقد بدأت هذه النوادي الجهوية تنشط بالفعل، إذ نظّم نادي مدينة الكاف، مؤخراً، جلسة مناقشة لرواية "زرّيعة إبليس" للكاتبة نسرين المؤدب. تستفيد "صفحات" من الدعم المادي الذي يقدمه مشروع "مساري" بالتعاون مع المعهد الفرنسي، ويشمل المشروع تأطيراً وتمويلاً لمبادرات أُخرى على صلة بالثقافة والفّن.

وحصيلةً لهذه القراءة السريعة لمبادرات القراءة في تونس، يحتاج هذا النشاط إلى وضع استراتيجية جادّة من الدولة والقطاع الخاص، لدعم النوادي التي تظهر ثم تندثر في غياب التفرّغ والموارد الماليّة، وإعادة النظر في برامج مثل "البطولة الوطنية للمطالعة" التي ترصد لها ميزانيات ضخمة، في حين تتمحور فلسفتها حول تلخيص الكتب بطرق مدرسية عفا عليها الزمن حسب ما يراه كثير من المهتمّين.

Read Entire Article