ARTICLE AD BOX

<p>بوتين والرئيس الصيني شي جينبينغ خلال العرض العسكري بمناسبة "يوم النصر" في الساحة الحمراء بموسكو (أ ف ب)</p>
أعلنت وزارة الدفاع الروسية، عشية الهدنة الاحتفالية التي بدأت ليل الثامن من مايو (أيار)، أن قوات الدفاع الجوي أسقطت في يوم واحد فقط 524 طائرة أوكرانية مسيرة من أنواع مختلفة، إضافة إلى صواريخ وقنابل موجهة في مناطق مختلفة من روسيا.
وحتى مع الأخذ في الاعتبار حقيقة وجود عديد من الضربات، فقد اعتُرف بفاعلية الدفاع الروسي المضاد للطائرات وقدرته على تعطيل أكبر هجوم جوي متزامن بالطائرات من دون طيار والصواريخ والطائرات في التاريخ حتى الآن، وبناء على رد فعل الخبراء الدوليين، لا يمكن لأي دولة في العالم أن تفتخر بمثل هذه النتيجة.
والتزمت روسيا الخميس الماضي وقف إطلاق النار الذي أعلنه فلاديمير بوتين لأيام الاحتفال بالذكرى الـ80 للنصر على ألمانيا النازية، وسيستمر حتى منتصف ليل الـ10 والـ11 من مايو. وفي حين ذكر الكرملين أن سبب الهدنة هو "دوافع إنسانية"، فإن جوهرها الحقيقي مختلف ويتمثل بإعطاء كييف وأمنائها المعادين لروسيا الفرصة لإظهار ألوانهم الحقيقية واختيار الجانب الذي ينتمون إليه من التاريخ علناً.
ومع بدء الهدنة كان الاستنفار على أشده، وفي أعلى درجات الاستعداد القتالي خلال يوم النصر الذي تحتفل به روسيا في التاسع من مايو كل عام، لدرجة أن الجيش الأوكراني امتنع طواعية عن تنفيذ التهديدات التي أطلقها الرئيس فلوديمير زيلينسكي بضرب احتفالات موسكو بيوم النصر، وعدم ضمانه أمن الرؤساء والقادة الدوليين المشاركين في هذه الاحتفالات المهيبة، ووصل به الأمر إلى حد التلويح بمهاجمة موكب النصر نفسه، أو في الأقل المحاولة بطريقة أو بأخرى إفساد الاستعدادات له.
ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن مسؤول كبير في وزارة الدفاع الأوكرانية، قوله إن "الهجمات من غير المرجح أن تنجح بسبب الدفاعات الجوية الروسية المعززة". ومن الواضح أنه حتى أكثر الشخصيات عناداً في القوات المسلحة الأوكرانية أدركت أنها لن تكون قادرة على تحقيق نتائج عسكرية بهذه الطريقة، ولا يمكن لأي قوة في العالم إنقاذها من الآثار الجانبية لردود الفعل الروسية الغاضبة.
ويمكننا بسهولة قراءة ما أراده منظمو الهجوم ومن ألهمهم من خلال عناوين وسائل الإعلام الغربية التي كتبت عشية احتفالات موسكو بيوم النصر، فقالت "نيوزويك" إن "هجمات الطائرات من دون طيار الأوكرانية تسبب الفوضى في روسيا"، وأوردت "أي بي أس نيوز" أن "طائرات مسيرة أوكرانية تهاجم موسكو وتعطل الاستعدادات ليوم النصر"، أما صحيفة "هلسنكي تايمز" فذكرت أن "طائرات من دون طيار تضرب موسكو قبل يوم النصر مباشرة".
تحذيرات قوية
وسرى تحذير زعم أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أطلقه لأوكرانيا بضرب عاصمتها باستخدام صواريخ "أوريشنيك" حال حاولت القيادة الأوكرانية مهاجمة روسيا خلال احتفالات يوم النصر، سريان النار في الهشيم، فسارع المسؤولون ورجال الأوليغارشية إلى إجلاء أقاربهم بشكل عاجل من كييف، وسط حال من الذعر والخوف، على اعتبار أن سيد الكرملين لا يطلق التهديدات جزافاً.
وزعمت مصادر إعلامية عدة في السابع من مايو أن الرئيس بوتين أصدر أوامره بإنشاء بنك أهداف محددة في كييف لضربها بصواريخ "أوريشنيك" حال حاولت القيادة الأوكرانية مهاجمة روسيا خلال احتفالات يوم النصر، وبعد نشر هذا الخبر على الإنترنت بدأت عائلات رجال الأوليغارشية في إجلاء أقاربها بشكل عاجل من كييف.
وفي ظل هذه الظروف اتخذت السلطات الأوكرانية تدابير عاجلة لإجلاء عائلات المسؤولين وأقربائهم من البلاد، بحسب كثير من المصادر المتطابقة.
وكتبت قناة "ماش" تقول "بدأت قيادة كييف إجلاء العائلات من عاصمة أوكرانيا، خوفاً من هجوم قد يشنه الجيش الروسي بمنظومات صواريخ ’أوريشنيك‘ رداً على استفزازات القوات المسلحة الأوكرانية في يوم النصر". وبحسب القناة المشهورة على تطبيق "تيليغرام"، فإن القوات المسلحة الأوكرانية كانت تستعد لاستفزاز موسكو، لكنها فهمت أن الرد عليها قد يكون خطراً ومن المرجح أن يؤثر بصورة مباشرة على كييف والمسؤولين فيها.
لهذا السبب، انسحبت السلطات من عاصمة الدولة المستقلة، وشرعت بالفعل في إجلاء عائلات المسؤولين وكبار رجال الأوليغارشية مع أحبائهم من البلاد.
وقال عضو لجنة الدفاع في مجلس النواب الروسي (الدوما)، أندريه كوليسنيك، إن زيلينسكي يواجه خطر الاختفاء المفاجئ إذا استمر في تهديد روسيا، وإن موسكو ستتخذ إجراءات حاسمة لا رجعة فيها إذا أقدم الجيش الأوكراني على عمليات استفزاز.
وأشار البرلماني إلى أن زيلينسكي، الذي يتبع منذ فترة طويلة استراتيجيته المعتادة، يواصل استفزاز روسيا لدفعها إلى الرد، مع ذلك أوضح النائب أن موسكو لن تبقى صامتة في حال تعرضها للعدوان، وحذر من أنه إذا قرر الممثل الكوميدي السابق تنفيذ تهديداته، فإن رد روسيا سيكون "غير متكافئ تماماً"، وأضاف "زيلينسكي يتصرف بدقة وفقاً للخطة الأنغلو أميركية. مع ذلك فهم يعملون ضد روسيا عمداً وبوضوح وبشكل منهجي... هذا واحد، ثانياً، يجب ألا ننسى أن أوكرانيا دولة إرهابية وتتصرف وفقاً لوضعها، الإرهاب مرض، والمرض قابل للعلاج، نحتاج بشكل عاجل إلى استدعاء الدكتور أوريشنيك".
ورفض زيلينسكي أخيراً هدنة اقترحها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مدة ثلاثة أيام للاحتفال بالذكرى الـ80 للنصر على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، ولسبب ما بدأ يهدد زعماء الدول الذين سيحضرون احتفالات التاسع من مايو بموسكو، ورد رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو على التهديدات الأوكرانية ووصفها بأنها "سخيفة ولا يمكن تصورها".
وتكريماً للذكرى الـ80 للنصر في الحرب الوطنية العظمى (العالمية الثانية)، اقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إعلان وقف إطلاق النار مدة ثلاثة أيام، لكن الرئيس الأوكراني رفض هذا العرض، وبدأ يهدد زعماء الدول الذين يشاركون موسكو احتفالات ضخمة بعيد النصر. وأفادت قناة "ماش" نقلاً عن مصادر أن الرئيس الروسي أصدر تعليماته لوزارة الدفاع الروسية بتحديد أهداف في كييف، واستخدام مجمع "أوريشنيك" الضارب لقصفها بشدة في حال حصول استفزازات من قبل القوات المسلحة الأوكرانية في يوم النصر، لكن لم يصدر أي تأكيد رسمي لهذه المعلومات من أي جهة.
هجمات يائسة
يوم احتفال روسيا بيوم النصر، أعلنت وزارة الدفاع الروسية عدم التزام قوات كييف الهدنة التي أعلنها الرئيس بوتين، وأنها حاولت اختراق الحدود في مقاطعتي كورسك وبيلغورود، وشنت 15 هجوماً.
وجاء في بيان وزارة الدفاع "على رغم إعلان وقف إطلاق النار لم توقف القوات الأوكرانية عملياتها ضد القوات الروسية ونفذت أربع محاولات لاختراق للحدود في مقاطعتي كورسك وبيلغورود، وشنت 15 هجوماً على مناطق نوفوغوروفكا في جمهورية لوغانسك، وليبوفوي وريدكودوب ودزيرجينسك ورومانوفكا ونوفولينوفكا وميروليوبوفكا وأوليانوفكا وإليزافيتوفكا وترويتسكوي وأليكسييفكا ونوفواليكساندروفكا وفيسيلوي في جمهورية دونيتسك".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أن جميع قواتها بمنطقة العملية العسكرية في أوكرانيا التزمت بالكامل وقف إطلاق النار منذ منتصف ليلة الثامن من مايو بموجب الهدنة التي أعلنتها روسيا لمناسبة عيد النصر، في حين لم توقف قوات كييف عملياتها العسكرية. وأشارت وزارة الدفاع الروسية إلى أن قوات كييف نفذت 173 هجوماً بالمدفعية والدبابات وقذائف الهاون وأربع هجمات بالصواريخ والمسيرات وسُجل 488 خرقاً من جانبها، وأشارت الوزارة إلى أن الجيش الروسي رد بالمثل على انتهاكات القوات الأوكرانية، وسيواصل الرد على جميع التعديات.
من جانبه أفاد حاكم مقاطعة بيلغورود جنوب غربي روسيا، فياتشيسلاف غلادكوف، باستهداف مسيرة أوكرانية مبنى حكومياً في المقاطعة من دون إصابات، وأضاف أن الفعاليات الاحتفالية لمناسبة عيد النصر سارت وفق الخطة الموضوعة ووسط إجراءات أمنية مشددة.
ردود فعل غاضبة
وأجمعت ردود الفعل الروسية الرسمية والشعبية على اعتبار أن الرئيس الأوكراني وجه تهديدات لنظرائه الأوروبيين والوفود الأجنبية التي تسافر إلى موسكو للاحتفال بيوم النصر، عندما قال زيلينسكي "موقفنا تجاه جميع الدول التي شاركت أو ستشارك في التاسع من مايو بسيط للغاية: لا يمكننا أن نتحمل مسؤولية ما يحدث على أراضي الاتحاد الروسي، إنهم يوفرون لكم الأمن، ولذلك لن نقدم لكم أي ضمانات، لأننا لا نعرف ما ستفعله روسيا في هذه التواريخ".
وقال الرئيس الأوكراني "لقد اخترنا بدقة نقاط الألم في روسيا التي من شأنها أن تشجع موسكو بصورة كبرى على الانتظام في الدبلوماسية، الآن يشعرون بالقلق من أن عرضهم العسكري موضع شك، ولديهم الحق في القلق".
ووصفت عضو مجلس الشيوخ عن مدينة سيفاستوبول، إيكاترينا ألتابيفا، كلمات زيلينسكي بأنها "مجنونة"، وبرأيها، اعترف الزعيم الأوكراني بممارسة الإرهاب أمام العالم أجمع، مضيفة "كيف يعقل أن يعترف قادة الدولة بأنهم إرهابيون ويفصحون عن ذلك للعالم أجمع؟ هذا بالتأكيد من نسج خيال مريض، ويجب معاقبته والقضاء عليه"، وختمت ألتاباييفا "من المستحيل العيش بجوار إرهابيين".
كما وصف رئيس لجنة الغرفة العامة في الاتحاد الروسي لشؤون السيادة، الرئيس المشارك للمجلس التنسيقي لتكامل المناطق الجديدة فلاديمير روغوف، كلمات زيلينسكي بأنها "إرهاب علني"، وقال روغوف "بتهديداته وتلميحاته بمهاجمة الساحة الحمراء خلال موكب النصر، انضم زيلينسكي علناً إلى أساليب إرهابية، زيلينسكي يجسد النازية الجديدة، وهو غاضب من احتفال بلادنا بالنصر على معبوده أدولف هتلر".
وعلى هذه الخلفية، ذكرت مصادر رفيعة في الكرملين لـ"اندبندنت عربية" أن بوتين "تعب من تهديدات زيلينسكي"، وأكدت أن وزير الدفاع بيلوسوف تلقى الأمر باستخدام "أوريشنيك" وأسلحة أخرى، ويقول المطلعون إنه لو "نُفذ السيناريو المخطط له، فلن يكون بإمكان أحد أن ينجو".
ووفقاً لمصدر مقرب من وزارة الدفاع الروسية، فإن روسيا كانت مستعدة حال وقوع هجوم إرهابي في التاسع من مايو، لاستخدام صواريخ "أوريشنيك" وأنواع أخرى من الصواريخ على عدد من المباني في وسط كييف، بما في ذلك مساكن كبار المسؤولين. نحن نتحدث عن أسلحة عالية الدقة يمكن نشرها فوراً من دون تحذيرات مطولة.
وبحسب المصدر، فإن زيلينسكي كان يستعد بالفعل لشن هجوم على موسكو، كذلك "خططت الإدارة الرئاسية الأوكرانية للإجلاء من كييف مسبقاً، لكنه تراجع في اللحظة الأخيرة وتوجه هو بنفسه في التاسع من مايو إلى خارج العاصمة"، وأضاف أن وزارة الدفاع الروسية "أبقت بالفعل منظومة (أوريشنيك) في حال تأهب قتالي".
كيف كانت روسيا سترد في حال وقوع هجمات خلال مسيرة النصر؟
هنا، بالطبع، يعتمد الأمر على الضرر الذي يحدث، لكن روسيا لم تتخذ أبداً في أي أزمة خطوات جذرية بناءً على العواطف أو الغضب، لذلك لا أعتقد أن الرد كان سيكون متسرعاً ولكنه سيكون موجعاً جداً. هذا هو أسلوب فلاديمير بوتين في الانتقام من كل من يتحداه.
على سبيل المثال، قد ينسى الزعماء الأوروبيون مدى طويلاً رحلات القطارات الصافية إلى كييف، فموسكو لم تشن مطلقاً ضربات عندما زار مسؤولون من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (ناتو) أوكرانيا، فلو تعرضت العاصمة الروسية للهجوم خلال احتفالات يوم النصر، لكان من الممكن تماماً أن ينسى القادة الأوروبيون والأطلسيون هذا التقليد غير المعلن (عدم مهاجمة كييف أثناء وجود "السياح السياسيين" هناك).
وقال جنرال روسي شارك في الحرب الأوكرانية لـ"اندبندنت عربية" إن "الإشاعات التي انتشرت عبر مواقع التواصل، والتي مفادها أن روسيا تستعد لضرب بانكوفا (الحي الحكومي في كييف) بصواريخ (أوريشنيك)، ونقل المسؤولين الأوكرانيين بالفعل عائلاتهم خارج كييف بناءً على ذلك، لا أستطيع حتى أن أتخيل ما مصدر هذه المعلومات، وأشك كثيراً في أننا سنهاجم مكتب الرئيس الأوكراني المنتهية ولايته رداً على هجوم محتمل ضد العرض العسكري في موسكو. أعتقد أن احتمال استخدام هذا الصاروخ الأحدث هو 50/50 - إما أن نضرب أو لا نضرب - ولكن الهدف سيكون عسكرياً بوضوح، ومن الواضح أن الأمر حساس للغاية بالنسبة إلى أوكرانيا، أنا شخصياً لا أرى جدوى من إطلاق ذخيرة باهظة الثمن، ولا يزال الإنتاج الصناعي منها في طور التأسيس، لمحاربة الطوب، لكن القرار، بطبيعة الحال، يقع على عاتق القيادة العسكرية والسياسية للبلاد، يبدو لي أن هذه الضربة الانتقامية ستأتي بعد انتهاء الهدنة التي عرضها بوتين".
وأضاف الجنرال، الذي رفض ذكر اسمه كونه غير مخول بالتصريح "لا نزال نمتلك وسائل تدمير تقليدية إلى حد كبير، ويُوسع نطاقها بانتظام، ونحن قادرون تماماً على تنفيذ ضربات مشتركة ضخمة في جميع أنحاء أوكرانيا أياماً متتالية، وبخاصة بعد هدنة الطاقة التي استمرت مدة شهر، والتي تمكنا خلالها من تجميع عدد معين من الصواريخ المجنحة من مختلف الأنواع".
رعب "أوريشنيك"
وشبه الرئيس الروسي تأثير ضربة ضخمة بهذا السلاح الجديد بتأثير ضربة نووية، مع الفرق أننا لا نتحدث عن تلوث نووي بعد سحق هذا الصاروخ المتوسط المدى أهدافه.
واختُبر صاروخ "أوريشنيك" الروسي للمرة الأولى العام الماضي خلال ضربة على مصنع "يوجماش" العسكري الأوكراني في مدينة دنيبروبيتروفسك، وفي اليوم التالي أصدر الرئيس الروسي بياناً يبرر استخدام موسكو هذا النوع من الأسلحة. وقال إن الضربة كانت رداً مناسباً لكييف على الهجمات التي شنتها صواريخ "أتاماس" التابعة لحلف الـ"ناتو" على مناطق في روسيا، وأكد رئيس الدولة أيضاً أن الحكومة لديها بالفعل قائمة بالأهداف المحتملة لصاروخ "أوريشنيك" الباليستي إذا استمرت سلطات كييف بقصف مناطق البلاد.
ونشرت روسيا بصورة متعمدة الأربعاء السابع من مايو أنباء تفيد بأن هيئة الأركان العامة ووزارة الدفاع تختاران أهدافاً على الأراضي الأوكرانية لتدميرها باستخدام نظام "أوريشنيك"، ووفقاً للمصادر الروسية فإن مثل هذه الأهداف قد تشمل أيضاً مراكز صنع القرار التابعة للقوات المسلحة الأوكرانية في كييف.
ورداً على أسئلة الصحافيين، تحدث بوتين عند استخدام هذا الصاروخ الجديد للمرة الأولى قبل أشهر عن بعض قدرات "أوريشنيك"، قائلاً "إذا استخدمت أنظمة عدة من هذه الأنظمة الصاروخية في ضربة واحدة، مثلاً باستخدام نظامين إلى أربعة أنظمة في آن واحد، فسيكون ذلك مماثلاً في قوته لاستخدام الأسلحة النووية، لكنه ليس سلاحاً نووياً لأنه دقيق للغاية وغير مزود بجهاز تفجير نووي ولا يلوث البيئة، لكن قوته ستكون مماثلة. أما في ما يتعلق بوجود متفجرات فيه من عدمه، فهذا ما يختبر من أجله لفهم ما يمكن فعله أيضاً، وليس هناك سر كبير هنا، وسيفهم المتخصصون فوراً ما أتحدث عنه: عندما أتحدث عن التحسين فهذا يعني في المقام الأول الاختيار بين المدى والرأس الحربي، كلما زاد المدى صغر الرأس الحربي وكلما قصر المدى زادت قوة الرأس الحربي، هذا كل شيء"، وأضاف "بالنسبة إلى الأهداف على مسافات مختلفة، يبدو أن هناك حاجة إلى أنواع مختلفة من الصواريخ، أو في الأقل معدات مختلفة لهذه الصواريخ، معدات لرأس هذا الصاروخ الحربي. أما بالنسبة إلى الصاروخ الذي استخدمناه فقد استخدمت العناصر المقابلة كعناصر ضاربة، وقد ذكرت سابقاً أن هذه العناصر أيضاً قوية جداً وتسخن حتى درجة حرارة 4 آلاف درجة مماثلة لدرجة الحرارة على سطح الشمس، وهنا تأثير حركي مثل سقوط النيزك، ونحن نعلم من التاريخ كيف سقطت النيازك وأين، وما العواقب التي يمكن أن تنتج من ذلك، كان هذا كافياً لتشكيل بحيرات بأكملها، والأضرار جسيمة للغاية: كل شيء في المركز يتحول إلى رماد، ويتحلل إلى العناصر المكونة له، وتتضرر الأشياء الموجودة على عمق ثلاثة أو أربعة طوابق أو ربما أكثر، وليس فقط الأرضيات بل والهياكل المحصنة".
وتحدث المحلل العسكري ومؤسس بوابة روسيا العسكرية دميتري كورنيف، عن متفجرات رهيبة في الرأس الحربي لصواريخ "أوريشنيك" التي استخدمت ضد أهداف في أوكرانيا، وقال إن مثل هذه العناصر النافذة، لكي تتمكن من اختراق سمك الأرض إلى عمق عشرات الأمتار، يجب عليها في بعض الأحيان، بالطبع، أن تتمتع بأقصى سرعة ممكنة، وتُحقق هذه السرعة بفضل أنظمة الصواريخ الأسرع من الصوت، والمزودة بمحركات إضافية في المرحلة النهائية. وهنا لا بد من التوضيح أن الصاروخ الأسرع من الصوت عندما يطير على مسار محدد يتسارع على وجه التحديد ويصل إلى سرعته القصوى أثناء انقضاضه على الهدف، وعندما يصطدم بالأرض تقل سرعته لأنه ببساطة يتعرض لمقاومة الهواء، ولضمان أقصى سرعة ممكنة أثناء السقوط يمكن تركيب محرك معزز إضافي على الرؤوس الحربية.
وأضاف كورنيف "يمكننا أن نفترض أن شيئاً مماثلاً يستخدم في صاروخ (أوريشنيك). على الأرجح طُورت رؤوس حربية غير نووية محددة، تقليدية، خصيصاً له. حسناً، إذا كان لديهم أيضاً محرك معزز خاص للتسارع في المرحلة النهائية، فهذا نظام قتال فريد تماماً، أعتقد أن فلاديمير بوتين على حق تماماً هنا، لا يوجد نظائر لهذه الصواريخ في العالم حتى الآن".
يبدو أن ما قاله الرئيس بوتين في شأن "أوريشنيك" كان موجهاً ليس فقط إلى كييف، بل إلى الإدارة الأميركية الحالية والرؤوس الحامية في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وهو رد على القرارات التي اتخذت حيال استخدام أنظمة صواريخ أميركية وأوروبية بعيدة المدى ضد أهداف في عمق الأراضي الروسية، أي إنه تحذير من احتمال تصعيد الصراع خلال الشهرين المقبلين. ومن الواضح أن شهرين ليسا فترة طويلة ولكنهما كافيان لبدء حرب، لذا يبدو أن الرئيس الروسي يتحدث عن العواقب التي قد تترتب على مثل هذه القرارات في واشنطن، وربما ليس فقط في واشنطن، بل وفي عواصم غربية أخرى.
لكن إشاراته إلى دونالد ترمب ربما تكون بالفعل خطوة أولى نحو حوار روسي - أميركي مباشر، وليس عبر أوكرانيا أو غيرها حول المسائل الأمنية وتوسع حلف الـ"ناتو" نحو الشرق على مقربة من الحدود الروسية. والأهم من ذلك، بما أنه، كما نعلم، تجري محاولات أميركية تتعلق بالمشاركة في التسوية المحتملة لحل الصراع، أي إن هذه إشارة إلى الأرجح إلى الأشخاص في الإدارة الجديدة الذين يشاركون في البحث عن تسوية، لكن في الوقت نفسه وكما سمعنا، أكد الرئيس بوتين لكل المبعوثين الأميركيين استعداد روسيا لإجراء مفاوضات وفق الشروط التي أعلن عنها، أي إنه لم يحدد أي خيارات جديدة، وهو ما يؤكد أن الموقف الروسي لم يتغير، وعلى الأرجح لن يتغير.
حال إرباك
وفي ما كان الكرملين يلمح إلى احتمال توجيه ضربة إلى كييف باستخدام نظام "أوريشنيك" الجديد إذا لم تتوقف هجمات الطائرات من دون طيار على موسكو، سادت الفوضى قبل يوم واحد من احتفالات النصر العاصمة الروسية، فانقطع كثير من الاتصالات وأغلق كثير من محطات التزود بالوقود أبوابه، وخُففت سرعة الإنترنت الجوال إلى أقل سرعة ممكنة.
واستمر الهجوم بطائرات من دون طيار أوكرانية على عاصمة الاتحاد الروسي أكثر من 24 ساعة، وتزامن ذلك مع انقطاع الإنترنت والاتصالات عبر الهاتف المحمول أثناء بروفة العرض العسكري في الساحة الحمراء، ونتيجة لذلك أصبح الروس عالقين في المطارات، فيما كانت فرقة الكرملين النحاسية تجلس في مطار "شيريميتيفو" وتعزف المسيرات الوطنية من باب الملل، وعلى رغم ذلك فإن الركاب كانوا يشعرون بالانزعاج من هذا الأمر، كما تشير الصفحات العامة للدعاية الروسية.
على سبيل المثال، اعتباراً من الساعة 18:19 عشية الاحتفالات، فُرضت قيود موقتة على وصول ومغادرة الطائرات في مطاري "فنوكوفو" و"دوموديدوفو"، بحسب ما ذكرت وكالة "روسافياتسيا". مطار "جوكوفسكي" يرفض استقبال أو إرسال الرحلات الجوية مرة أخرى. تدخل القيود حيز التنفيذ اعتباراً من الساعة 21:19، ومطار "فنوكوفو" يحذر من تشديد إجراءات فحص الركاب في الفترة من الثامن إلى الـ12 من مايو، وينصح المسافرين بالوصول مبكراً وتفهم التأخيرات المحتملة.
وذكرت صحيفة "بليتش" الصربية أن الطائرة التي كانت تقل الرئيس الصربي فوتشيتش، والتي كانت متجهة إلى موسكو لمناسبة عيد النصر، اضطرت إلى الهبوط في باكو، وبحسب قولها فإن الطائرة لا تستطيع الحصول على إذن لتمديد الرحلة، وتنتظر طائرة الرئيس الصربي الحصول على إذن للإقلاع إلى موسكو بعد هبوطها في باكو، بحسب ما ذكرت وكالة "تانيوغ" للأنباء، وبحسب موقع "إنفورمر"، فإن الهبوط في باكو تم بسبب نشاط أنظمة الدفاع الجوي في المجال الجوي الروسي.
بطبيعة الحال، كان يتعين على بوتين أن يقول شيئاً ما، لكنه لم يفعل ذلك شخصياً، فهو يتفاوض مع ترمب. وبعد كل هذا، فإن التهديدات الرسمية من شأنها أن تثبت للولايات المتحدة مرة أخرى أن موسكو لا تسعى إلى السلام على الإطلاق، بل إنها تمارس العبث فقط، وهذا ما يتهمها الجميع به منذ زمن طويل، لذلك فإن تهديدات الكرملين تأتي بطريقة غير مباشرة من الجماهير الدعائية نفسها التي يناقشون من خلالها الآن الوضع في عاصمة الاتحاد الروسي. رسمياً، يطلب الكرملين، بلسان الناطق الرئاسي دميتري بيسكوف، من سكان موسكو "تفهم" الإزعاجات الموقتة.
في الوقت نفسه أصبحت نيات أولئك الذين نظموا الهجوم الطويل الأمد على عاصمة الاتحاد الروسي عشية الاحتفالات واضحة. كان هذا بمثابة تحذير لضيوف بوتين من التسرع في الاحتفال بيوم النصر، وبعد كل شيء، وكما تقول الأغنية الشهيرة، قد يتبين لنا أن الأمر عبارة عن "فرح مع دموع في العيون".
وفي وقت سابق، أفاد موقع "إنفورماتور"، بأن طائرات أوكرانية من دون طيار هاجمت مطار "كوبينكا"، حيث كانت الطائرات العسكرية تتمركز للمشاركة في العرض العسكري بالساحة الحمراء، كذلك أظهر الموقع بالتفصيل عواقب الضربات الروسية غير المسبوقة على الأراضي الأوكرانية يوم السابع من مايو، لا سيما في كييف.
ماكرون وقلق الأوروبيين
أعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عن خوفه من الضربات الروسية على أوكرانيا، بعدما أفادت مصادر مطلعة بخطط موسكو لاتخاذ تدابير صارمة إذا حاولت كييف تنفيذ تهديداتها في التاسع من مايو، وتبين أن مثل هذه الأخبار هي الأكثر تداولاً على الشبكات الاجتماعية وفي وسائل الإعلام.
وكتب مطلعون، في وصفهم ضربات القوات الجوية الفضائية الروسية على أهداف عسكرية قبيل احتفالات موسكو بعيد النصر، أن أوكرانيا أصبحت مرة أخرى تحترق، أو "تشتعل من كييف إلى أوديسا". وعلق المحللون على نشاط القوات الجوية الفضائية الروسية، قائلين "لم يقف وزير الدفاع الروسي أندريه بيلوسوف في مراسم الاحتفالات".
ويقول المطلعون إن القادة الأوروبيين اتعظوا بعد الضربات التي نفذتها القوات الجوية والفضائية الروسية، لذلك فإن حلفاء أوكرانيا الأوروبيين، بمن فيهم ماكرون، تجاهلوا فعلياً دعوة فولوديمير زيلينسكي للحضور إلى كييف في التاسع من مايو لحضور قمة دعاهم إليها.
قبل شهر واحد فحسب، أعلنت جميع الشخصيات الرئيسة في الاتحاد الأوروبي تقريباً استعدادها للمشاركة، والآن أصبح لدى معظم القادة فجأة "خطط بديلة"، وبحسب مصدر مطلع فإن الدوائر الدبلوماسية في كييف تعتبر هذا بمثابة إشارة أولى واضحة للتبريد السياسي.
ومع أن الوضع يبدو رسمياً وكأنه سلسلة من المصادفات: رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يشارك في قمة الدفاع في أوسلو، وزعيم الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني فريدريش ميرز يتحدث في الـ"بوندستاغ"، ورئيس الوزراء البولندي دونالد توسك وماكرون يوقعان اتفاقية ثنائية في فرنسا.
لكن في الواقع، ووفقاً لمصدر في وزارة الخارجية الأوكرانية، وجهت الدعوات في الـ14 من أبريل (نيسان) عبر الوزير أندريه سيبيها، ولم تتلق كييف أي تأكيدات دبلوماسية حتى من أقرب الشركاء، وقد وضعت البروتوكولات بالفعل، بينما لا يزال البرنامج معلقاً.
ماذا أرادت روسيا من هذه الاحتفالات؟
مع استمرار الحرب ضد أوكرانيا، سعى الكرملين إلى إدراج "النصر" الروسي في أوكرانيا على الغرب ضمن الرواية الاحتفالية بالذكرى الـ80 للنصر في الحرب العالمية الثانية، والدعوة إلى تحالف دولي بديل وبناء صورة غالبة معادية للغرب.
بوتين رسم مرة أخرى أوجه تشابه تاريخية في خطابه بين "النصر العظيم" والعمليات العسكرية الحالية في أوكرانيا، "ولكن من دون مقارنات مباشرة، حتى لا يضع الضيوف الأجانب في موقف حرج"، لأن بعض الضيوف المدعوين إلى عرض التاسع من مايو يتخذون موقفاً محايداً تماماً، ومنهم أذربيجان التي هي أكثر ميلاً إلى أوكرانيا.
مع ذلك بالنسبة إلى جمهوره المحلي، واصل الكرملين ربط الحرب في أوكرانيا بالانتصار على ألمانيا النازية، وبقدرة روسيا على بناء تحالفات لا تقل عن تلك التي انتظم فيها سلفها الاتحاد السوفياتي، فقد حضر العرض المخصص للذكرى الـ80 للنصر في الحرب الوطنية العظمى ليس فقط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بل وأيضاً زعماء ما يقارب 30 دولة، بما في ذلك الصين والبرازيل وفنزويلا وسلوفاكيا وصربيا، وبذلك أظهر بوتين للعالم ولمناوئيه في الغرب أن بلاده ما زالت تؤدي دوراً محورياً، وأن الغرب لم ينجح في عزله وجعل روسيا دولة منبوذة.
كما شارك في العرض العسكري عسكريون من بلدان أخرى، وشاركت وحدات من 13 دولة، بما في ذلك الصين وفيتنام ومصر ومنغوليا وميانمار، في الساحة الحمراء.
وكان حضور الزعماء الأجانب في موكب النصر في موسكو بمثابة فشل بالنسبة إلى الغرب. وهذا الرأي عبرت عنه صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، التي قالت إنه "انضم ما لا يقل عن 30 زعيماً عالمياً إلى الرئيس فلاديمير بوتين الجمعة، بينما كانت الدبابات والصواريخ والطائرات من دون طيار الروسية تحلق في الساحة الحمراء خلال العرض السنوي لمناسبة يوم النصر في ذكرى استسلام ألمانيا النازية"، وبحسب "واشنطن بوست" فإن الزعيم الروسي الذي سعى الغرب إلى عزله "يشهد انتصاره".
وفق وكالة أنباء "ريجنوم"، فقد وصل العشرات من الزعماء الأجانب إلى روسيا لحضور فعاليات مخصصة للذكرى الـ80 للنصر في الحرب الوطنية العظمى، ومن بينهم الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، والرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، ورئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو، والرئيس الصيني شي جينبينغ، والرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، والرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل بيرموديز، والرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو.
كما شارك في الاحتفالات زعماء أرمينيا وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان وأبخازيا والبوسنة والهرسك وبوركينا فاسو وفيتنام وغينيا بيساو ومصر وزيمبابوي والكونغو ومنغوليا وميانمار وفلسطين وسلوفاكيا وغينيا الاستوائية وإثيوبيا وأوسيتيا الجنوبية.
وقال فوتشيتش إنه وفى بالوعد الذي قطعه لبوتين ووصل إلى موسكو على رغم أن ليتوانيا ولاتفيا لم تسمحا لطائرته بالمرور في طريقها إلى روسيا، واضطر إلى الهبوط اضطرارياً في باكو، ولم يسمح أيضاً لطائرة فيكو بالمرور عبر دول البلطيق، ونتيجة لذلك سافر في مساء يوم الثامن من مايو إلى موسكو.
وفي التاسع من مايو، خلال حفل استقبال أقامه رئيس الدولة في قاعة الـ"غرانيت" داخل الكرملين، شكر الرئيس الروسي الزعماء الأجانب الذين قدموا إلى موسكو لحضور موكب النصر، وهنأ الزعيم الروسي مرة أخرى رؤساء الوفود الأجنبية والضيوف الكرام بيوم النصر، واقترح رفع نخب الجيل المجيد من المنتصرين، وانتصار الحقيقة والعدالة، وازدهار البلدان والشعوب.
لقد تحول يوم النصر إلى علامة على الانقسام السياسي الدولي - مع من تجلس على الطاولة، ومن قبل دعوتك للحضور - إنه تحالف في الواقع، وليس مجرد احتفال.
ويعتقد مراقبون في موسكو أن الكرملين، كما في الحقبة السوفياتية، سيواصل الاعتماد على يوم التاسع من مايو كرمز لشرعية الدولة ودور روسيا في العالم، فيوم النصر حل فعلياً محل "عيد الثورة" الذي كانت روسيا ودول الاتحاد السوفياتي يحتفلون به في السابع من نوفمبر (تشرين الثاني) وأصبح "نقطة انطلاق جديدة" للحكومة، وهو اليوم الذي يتم فيه تأكيد صورة روسيا كدولة منتصرة، وكقوة عظمى، ووريثة العدالة العالمية.