هل تعيد القرارات الجديدة الثقة بالقطاع المصرفي السوري؟

1 week ago 5
ARTICLE AD BOX

في ظل الأزمة المصرفية التي ترهق السوريين، باتت سياسة المصرف المركزي القائمة على حبس السيولة النقدية جزءاً أساسياً من معاناة يومية تواجه المواطنين. فمنذ سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، حاول المركزي ضبط سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار عبر فرض قيود صارمة على السحب والإيداع، إلا أن امتداد هذه السياسة لسنوات خلق فجوة عميقة بين السعر الرسمي والسعر الحقيقي في السوق، ما زاد من الضغوط الاقتصادية وأثر بشكل مباشر على الظروف المعيشية.

ومع تفاقم الأزمة المصرفية واستمرار قيود السحب، اضطر المواطنون إلى البحث عن بدائل معقدة للحصول على أموالهم، وسط معاناة تجسّدها قصص يومية لآلاف الأشخاص. حسن الأيوبي، الموظف الحكومي، يقضي أياماً في محاولة سحب راتبه، بينما ليلى الأطرش، صاحبة المحل التجاري، تخشى انهيار تجارتها بسبب تعثر تحويل الأموال. في المقابل، يجد أبو محمد، عبد الله الجزماتي، الرجل المسن الذي يحتاج إلى عملية جراحية عاجلة، نفسه عالقاً في دوامة الإجراءات المصرفية، فيما يرى يوسف المحمد، الشاب الطموح، أحلامه بالتوسع في مشروعه تتلاشى أمام عراقيل السحب البنكي.

حبس السيولة

في محاولة لمعالجة أزمة السيولة النقدية واستعادة الثقة بالقطاع المصرفي، أصدر مصرف سورية المركزي قراراً يقضي برفع سقف السحب النقدي للحسابات المغذاة بإيداعات جديدة بعد 7 أيار/مايو 2025. هذه الخطوة، التي تأتي وسط تراجع ثقة المواطنين بالمصارف نتيجة القيود المشددة على السحب، تطرح تساؤلات حول مدى فاعليتها في التخفيف من وطأة الأزمة النقدية.

ويؤكد مصدر مسؤول في المصرف المركزي أن القرار يهدف إلى معالجة الوضع الراهن الناجم عن شح السيولة، مشدداً على أن حقوق المودعين، سواء أصحاب الحسابات القديمة أو الجديدة، ستظل مصانة، إذ سيجرى التعامل مع الودائع القديمة بشكل تدريجي لضمان استقرار سعر الليرة السورية وتجنب مخاطر التضخم. ويكشف المصدر لـ"العربي الجديد" أن عدد الحسابات المصرفية الجديدة المفتوحة والمفعلة قبل صدور القرار بلغ حوالي 2.5 مليون حساب، وسط توقعات بأن يشهد القطاع المصرفي إقبالاً واسعاً على فتح حسابات جديدة بعد القرار سعياً للاستفادة من التسهيلات المالية الممنوحة.

ورغم أن الخطوة تتماشى مع المعايير المالية الدولية، إلا أن الخبراء يحذرون من أن استمرار سياسة تجفيف السيولة وعدم منح القطاع المصرفي حرية ممارسة دوره الحقيقي في تمويل المشاريع الإنتاجية سيؤثر سلباً على الاستثمارات، خاصة في ظل عزوف الصناعيين والمستثمرين عن إيداع أموالهم في المصارف بسبب العقوبات وعدم توفر فروع خارج البلاد.

حلول مؤقتة

ويرى خبراء الاقتصاد أن هذه الإجراءات قد تساعد مؤقتاً في احتواء الأزمة المصرفية، لكنها لا تشكل حلاً جذرياً لمشكلة نقص السيولة التي تعاني منها البلاد. ويشددون على أن دعم الإنتاج وتحرير نشاط المصارف من القيود هما الطريق الأمثل للنهوض بالاقتصاد بعيداً عن الحلول المرحلية التي لا تعالج جذور الأزمة. وقال الخبير الاقتصادي حازم عبد الكريم إن التعميم الأخير الصادر عن المصرف المركزي السوري لا يمثل تخلياً عن سياسة حبس السيولة النقدية التي اتبعها المصرف خلال السنوات الماضية، بل يعد توجهاً جديداً يضيف سياسة ثانية إلى المشهد المصرفي، إذ تستمر القيود على الحسابات القديمة، فيما تُتاح حرية أكبر للإيداعات الجديدة.

وأشار الاقتصادي السوري في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن هذا النموذج، الذي يُعتبر استنساخاً جزئياً لتجارب دول عربية واجهت أزمات مصرفية، يتبع أسلوباً يقوم على تقسيم الحسابات البنكية إلى قسمين: الأول يضم الإيداعات القديمة وتُعامل على أنها ديون طويلة الأجل تُسدَّد وفق تحسن الظروف المالية للمصارف، فيما يتيح القسم الثاني حرية الإيداع والسحب من دون قيود. لكنه يرى أن هذه السياسة، رغم محاولتها تحفيز التعاملات المصرفية، قد تؤدي إلى نتائج سلبية في ظل استمرار القيود على السيولة، خاصة مع عزوف المستثمرين والصناعيين عن إيداع أموالهم في المصارف بسبب العقوبات وعدم توفر فروع خارج البلاد.

وحذر عبد الكريم من تأثيرات تجفيف السيولة النقدية على السوق، إذ يؤدي نقص السيولة بين أيدي المستوردين والعملاء إلى اختلال في حركة البيع والشراء، ما يخلق ظروفاً استثنائية قد تفضي إلى خسائر أو أرباح غير محسوبة. ويضيف أن هذه السياسة ليست سوى إجراء مرحلي لمعالجة العجز المالي، لكنها لا تصلح نظاماً دائماً، إذ تقلل فرص الاستثمار وتحدّ من دور القطاع المصرفي في تمويل المشاريع الإنتاجية، وهو أمر أساسي في دفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام.

إعادة هيكلة

وشدد الاقتصادي السوري على ضرورة تفعيل دور القطاع المصرفي في عملية النهوض الاقتصادي، مؤكداً أن استمرار سياسة تجميد الأموال في المصارف سيقلل من الفرص الاستثمارية ويؤدي إلى تراكم الأزمات المالية. ويرى أن الحل لا يكمن في السياسات النقدية وحدها، بل في دعم الإنتاج الحقيقي، مشيراً إلى أن استمرار تقييد نشاط القطاع المصرفي سيؤثر سلباً على النمو الاقتصادي، خاصة في ظل الحاجة إلى منح القروض للمستثمرين لدفع عجلة الإنتاج. كما يؤكد أن الخدمات المصرفية في سورية حالياً تُعتبر في أدنى مستوياتها، وهو ما ينعكس على توقعات العملاء وثقتهم بالقطاع المالي.

ولفت عبد الكريم إلى أهمية تجاوز البحث عن مبررات للعجز، والانتقال إلى خطوات عملية لإصلاح المنظومة المالية بما يسهم في دعم الاقتصاد بشكل مستدام. مع استمرار سياسة حبس السيولة وانقسام الحسابات البنكية بين قديمة وجديدة، يواجه الاقتصاد السوري تحديات تتطلب حلولاً جذرية، لا تقتصر على تعديلات إدارية وإنما تمتد إلى إعادة هيكلة القطاع المالي وضمان قدرته على دعم الإنتاج والاستثمار، وبينما ينتظر المواطنون تنفيذ القرار، تبقى التجربة هي المعيار الحقيقي للحكم على مدى نجاح هذه السياسات في كسر القيود المصرفية وتحقيق انفراج اقتصادي حقيقي.

Read Entire Article