ARTICLE AD BOX

<p>تساور تل أبيب شكوك حيال التنظيمات الإسلامية ووصولها إلى الحكم في دول مجاورة لها (اندبندنت عربية)</p>
منذ الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024 حين هرب رئيس النظام السوري السابق، بشار الأسد ولجوئه إلى العاصمة الروسية موسكو، طوت سوريا صفحة من تاريخها بعد استئثار الحكم الأسدي بالسلطة لنصف قرن من الزمن. ومنذ ذلك اليوم فُتحت شهية تل أبيب، وسط الفوضى العارمة التي تعيشها سوريا الجديدة، للهجوم على نقاط استراتيجية في دمشق وبقية المحافظات سعياً لتدمير البنية العسكرية التحتية للجيش النظامي بعد تفكيكه وهرب قادته وعناصره.
جدار بشري على الحدود
اليوم تحاول إسرائيل ومنذ سقوط النظام البائد التلويح بورقة الجماعات الإسلامية المتشددة في أعقاب وصولها إلى سدة الحكم، ولعل "أمنها القومي" بات من أبرز الذرائع لتوغل عسكري طاول محافظتي القنيطرة ودرعا، جنوب سوريا، إضافة إلى تدخلها بشؤون سورية داخلية لا سيما ما يتعلق بحماية الأقليات وفي مقدمها طائفة الموحدين الدروز، التي هددت تل أبيب بالتدخل لحماية أبنائها إثر أحداث مدينة جرمانا إحدى ضواحي العاصمة دمشق، حيث جرت اشتباكات بين قوات الأمن العام السوري ومجموعات مسلحة درزية.
وتشي المعلومات الواردة من الجبهة الجنوبية السورية عن نية تل أبيب تشكيل فرقة عسكرية من أبناء المنطقة تمثل جداراً بشرياً وذراعاً لها، بما يشبه إلى حدٍ كبير إنشاء "ميليشيات لحد" في جنوب لبنان أو ما سُمي بـ "جيش لبنان الجنوبي" الذي تشكل إثر اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، بقيادة أنطوان لحد، من عام 1984 وحتى انهياره عام 2000 حيث فرّ جزء من عناصره إلى إسرائيل بعد انسحابها من جنوب لبنان في مايو (أيار) من ذلك العام.
حماية الحدود
وتعليقاً على ذلك، تحدث الباحث السوري في الشؤون العسكرية، المسؤول السابق في سلاح الطيران قبل انشقاقه عن جيش النظام السابق، العقيد محسن حمدان لـ "اندبندنت عربية"، عن "وجود نوايا لدى إسرائيل لتعزيز الجبهة الجنوبية، بخاصة أنها تخوض معركة لم تستطع حسمها منذ عام ونصف العام على جبهة غزة بينما ما زالت تَلحق بها خسائر فادحة لذلك لا بد من تعويض تلك الخسائر". وأضاف في مستهل حديثه عن أهداف من وراء تشكيل تل أبيب ميليشيات سورية تتبع لها، أن "إسرائيل تحاول زج قوات جديدة في جنوب سوريا، من خلال نقل لواء مقاتل، والعمل على تشكيل الفرقة الشرقية بهدف حماية حدودها الشرقية من كافة الخروقات، لا سيما عمليات التسلل التي حدثت بكثرة في الفترة الماضية، بخاصة وأن لواء غولاني خسر أكثر عناصره وقوته عقب اشتراكه بحرب غزة، وكان تمركزه سابقاً على تلك الجبهة، فلا بد من وجود قوة جديدة لضبط الحدود الشرقية وتأمينها. وهذا أبرز أهداف الفرقة الشرقية التي تنوي إسرائيل تشكيلها".
وكانت سوريا وإسرائيل وقعتا على اتفاقية وقف إطلاق نار في عام 1974 وحضرت قوات أممية (أندوف) لمراقبة وقف إطلاق النار، إلا أن القوات الإسرائيلية خرقت المعاهدة الدولية بشكل صارخ، وانتشرت في القنيطرة، وتوغلت إلى مركز المحافظة، بينما واجهت مقاومة شعبية في ريف محافظة درعا عبر مجموعات مسلحة شعبية، بينما أعلن تشكيل عسكري مسلح سمى نفسه "أولي البأس" نشاطه بعد سلسلة اجتماعات في جنوب سوريا والعاصمة دمشق لتشكيل "مقاومة إسلامية شعبية" يحمل رموزاً تشبه إلى حدٍ كبير "حزب الله" اللبناني. في المقابل تحاول حكومة دمشق بث رسائل تهدئة بدت جلية في تصريحات الرئيس السوري أحمد الشرع إعلان حكومته نيتها إنشاء علاقات طيبة مع كل دول المنطقة.
لواء المظليين
ويشرح العقيد حمدان عن الغاية من التحركات الاستراتيجية للجيش الإسرائيلي على الحدود السورية، وهي تحركات وصفها بـ "الملفتة للنظر، حيث أنهت إسرائيل بنك أهدافها في الجنوب السوري عبر تدمير كافة الأهداف التي حددتها بواسطة لواء المظليين الذي أُسندت إليه مهمات عدة كونه قادراً على الحركة بمرونة، ولا يحتاج إلى استخدام أسلحة ثقيلة كالدبابات لذلك ضمنت تدمير مراكز السيطرة والقيادة". وأضاف: "كان للواء المظليين دور في نقل ما يراه مهماً، سواء معلومات تقنية أو غيرها، وما رافق ذلك من تنفيذ مهمة نقل جثمان جندي إسرائيلي قُتل في عام 1982 أثناء حرب لبنان الأولى طبعاً بالتعاون مع بعض المخربين، فيما لم يعد للواء غولاني حاجة على الجبهة السورية، بخاصة وأن الجميع يعي الظروف الحالية للجيش السوري الذي يحتاج إلى فترة طويلة لإعادة تنظيمه وتسليحه".
وكان الجيش الإسرائيلي أعلن يوم الأحد 11 مايو (أيار) الجاري عن سحب قوة المظليين من الأراضي السوري بعد خمسة أشهر من العمليات في منطقة الجولان، تمهيداً لتوسيع المناورة البرية في قطاع غزة، بينما قال خبراء إن منطقة جنوب سوريا لا سيما درعا والسويداء والقنيطرة تعيش حالة غليان، وتعج بالفصائل والميليشيات المحلية حتى منذ ما قبل سقوط النظام، وبعض تلك المجموعات المسلحة يرفض الانخراط بالجيش السوري الجديد.
وأكمل "لواء المظليين" مهماته على الحدود الشمالية بحسب بيان نشره الجيش على موقعه الرسمي، وأسفرت عن مصادرة وتدمير مئات الوسائل القتالية. ومن المقرر حالياً دمج المظليين ضمن الفرقة 98 النخبوية للمشاركة في عمليات بغزة، مع مواصلة قوات الاحتياط نشاطها على الساحة السورية.
تغيير الخريطة الأمنية
في الأثناء، كشف قائد القيادة المركزية في إسرائيل، اللواء آفي بلوت عن تشكيل عسكري جديد باسم "الفرقة الشرقية"، قائلاً إن "التهديد من سوريا تغير وعلينا أن نتغير نحن أيضاً والتحضيرات جارية لتأسيس الفرقة الشرقية".
وأشار بحسب وسائل إعلام عبرية إلى "تغيرات في الوضع الأمني أو العسكري بسوريا، منها وجود جماعات جديدة، وأساليب قتال مختلفة، أو تحركات عسكرية جديدة"، منوهاً بـ"حاجة الجيش إلى التكيف مع هذه التغيرات".
ولفت مدير "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، رامي عبد الرحمن إلى أن هناك "سوريين يتعاملون مع إسرائيل، وهم من المقاتلين السابقين من أبناء المنطقة الجنوبية الذين عالجتهم تل أبيب في السابق وهم متعاونون معها". وهذا ما يفسر بحسب رأيه "الاطمئنان الإسرائيلي في توغله جنوباً، وتجوال قواته في المنطقة من دون مخاوف من استهدافها بخاصة حين دفعت بقواتها واحتلت محافظة القنيطرة". وأضاف عبد الرحمن أن "الفرقة الشرقية لم تتبلور بعد، وبحسب المعلومات يمكن تشكيل قوات سورية مرغوب بها إسرائيلياً لتوجيه رسالة إلى دمشق مفادها أن نسبة إمكانية استهداف إسرائيل من الأراضي السورية هي صفر".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تحولات في السياسة
وعلى رغم ورود معلومات تشير إلى حراك استخباراتي وأمني لتشكيل "درع بشري" من جهة الجبهة الجنوبية في سوريا، فإنه في المقابل تشهد الدبلوماسية الإسرائيلية تحولاً لافتاً بما يخص الملف السوري بعدما عبّر وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر عن رغبة بلاده في إقامة "علاقات جيدة مع الحكومة السورية الجديدة"، في تحول في لهجة تل أبيب القاسية تجاه الرئيس السوري أحمد الشرع في السابق. ويرى مراقبون أن "ذلك يرتبط مع إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تسلم رفات الرقيب أول، تسفي فيلدمان، والذي فُقد في الحرب اللبنانية الأولى".
وعاد الحديث بقوة عن "ممر داوود" وهو المشروع الإسرائيلي التوسعي الذي يأتي مع التوغل في درعا والقنيطرة وهو مشروع جيوسياسي يفضي إلى "إسرائيل الكبرى" ويمتد من الجولان عبر الجنوب السوري ومن ثم إلى الحدود العراقية.
ويربط مراقبون تشكيل "الفرقة الشرقية" مع تنفيذ مخطط "ممر داوود"، حيث تفرض تل أبيب نفوذاً على مناطق غنية بالثروات علاوة عن أهمية الطريق الاستراتيجية، إذ يمتد من الجولان ويمر بدرعا والقنيطرة والسويداء ويدخل البادية السورية عبر المثلث الحدودي مروراً بقاعدة التنف (تسيطر عليها قوات أميركية) ويكمل الممر طريقه إلى ريف دير الزور، الذي تقع أجزاء منه بيد "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وبالتالي تستطيع إسرائيل دعم "قسد" التي يقودها المكون الكردي في المنطقة الشمالية الشرقية من البلاد.
ممر داود وقوة الشرقية
وبالحديث عن ارتباط "ممر داوود" بالميليشيات الشرقية فإنها قوات محلية يحتاجها الجيش الإسرائيلي في المستقبل، ويعتقد الناشط السياسي من أبناء درعا، أحمد الحوراني أن "القوات العسكرية المحلية من أبناء المنطقة ستكون مفيدة للإسرائيليين، فهؤلاء على دراية بطرقات المنطقة التي تمتد من مرتفعات الجولان مروراً بالبادية السورية، ولديهم القدرة على حماية الطريق بالشكل الأمثل بخاصة وأن المنطقة القريبة من البادية الشامية تتمركز بها فلول لتنظيم دولة داعش". وأضاف أن "الميليشيات المحلية التي يُنتظر تشكيلها من المتوقع أن يكون لها نفوذ لحماية حدود إسرائيل من جهة وحماية الطريق الذي سيكون له دور مستقبلي، عدا عن تحقيق حلم إسرائيل الكبرى، إضافة إلى دور اقتصادي لمصلحة تل أبيب التي ستصل إلى أراضٍ غنية بالنفط والغاز والوفرة الزراعية، بينما ستتمكن من تقويض النفوذ الإيراني بالمنطقة، وقطع خطوط الإمداد من طهران والعراق إلى سوريا ولبنان".
من جهة أخرى، فإن إنشاء درع بشري يتمثل بالفرقة الشرقية أو مشروع "ممر داوود"، يدفع تركيا إلى الوقوف بوجهه لا سيما لأنه يعود بالنفع والفائدة على فصائل كردية انفصالية تصفها أنقرة بـ "الإرهابية". وقال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان إن "التوسع الإسرائيلي يشكل خطراً على أمن واستقرار ومستقبل سوريا". وأضاف خلال لقاء جمعه مع نظيريه السوري أسعد الشيباني والأردني أيمن الصفدي، "نطالب إسرائيل بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها والالتزام بتنفيذ القرارات الدولية، ووحدة الأراضي السورية لا تقبل المساومة".
وفي هذا التوقيت الحساس تتجه الأنظار إلى قوة الولايات المتحدة، وقرارها سحب قواتها من شمال شرقي سوريا ورفع العقوبات عن دمشق مما يمكّن الحكومة الجديدة من رفع أسهمها بشكل تستطيع معه وبزمن قياسي أن تعيد بناء جيش جديد يمكنه لجم شهوة إسرائيل للتمدد أكثر وإنهاء كل أشكال التقسيم التي تلوح بالأفق.