ARTICLE AD BOX
بطريقة مفاجئة حتى للإسرائيليين، أوقف ترامب العمليات العسكرية ضد "أنصار الله" (الحوثيين) في 6 أيار/مايو، أي بعد نحو يومين على قصفهم مطار بن غوريون. يشتهر الرئيس الأميركي بصبر محدود في التعاطي مع الملفات الشائكة. لا يشذ إضعاف الحوثيين عن هذه القاعدة. لكن ذلك لم يكن السبب الوحيد لوقف الغارات.
من جهة، كان ترامب يستعد لزيارة تاريخية إلى الخليج العربي، وكان الهدوء والأمن شرطاً أساسياً لإنجاح الزيارة. من جهة أخرى، يبدو أن الأثمان الاقتصادية للغارات لم تكن مستدامة. هي كلفت الخزانة الأميركية بين مليار وملياري دولار بحسب تقديرات مختلفة بالرغم من أن الرقم الأخير قد يكون أقرب إلى الواقع. ربما كلفت الذخائر وحدها ما يساوي 750 مليون دولار. وهذا من دون احتساب كلفة سحب الأصول من مسارح أخرى على المصالح الأميركية.
فهل حقق ترامب أهدافه؟
تسرد الباحثة في شؤون الخليج واليمن ضمن "معهد الولايات المتحدة للسلام" أبريل لونغلي ألاي عدداً من الأسباب التي تبرّر تقديم إجابة نافية. فالحوثيون يستطيعون القول إنهم واجهوا قوة عظمى بشكل متكافئ، كما سمح لهم وقف هجماتهم على السفن في البحر الأحمر بالتركيز أكثر على مهاجمة إسرائيل. علاوة على ذلك، وكما كتبت ألاي في مجلة "فورين أفيرز"، أدى وقف واشنطن عملياتها العسكرية إلى حرمان القوات الحكومية اليمنية من فرصة شن هجوم بري على الحوثيين. وثمة أيضاً واقع أن الاتفاق لم يلحظ وقفاً للهجمات الحوثية على سفن غير أميركية في البحر الأحمر، وفي مقدمتها السفن الإسرائيلية.
بالرغم من أن موقف الحوثيين لم يتبدل كثيراً قبل وبعد انتهاء الغارات، يبقى أن انتصارهم لم يكن كاملاً.
لم تطرح واشنطن منذ البداية فكرة إطاحة الحوثيين من الحكم، أو حتى إضعاف قبضتهم عليه، كي تُقيَّم سياستها على هذا الأساس. كل ما أرادته كان وقف العمليات العسكرية في البحر الأحمر ضد الملاحة الدولية، وقد حصلت بالحد الأدنى على حماية سفنها التجارية.
بالمقابل، ثمة سؤال آخر يفرض نفسه. صحيحٌ أن الحوثيين يستفيدون من وقف إطلاق النار في البحر الأحمر من خلال تركيز مواردهم وجهودهم على إسرائيل. لكن هذا التوزيع الدقيق للموارد لم يكن موجوداً في السابق. كان الحوثيون مرتاحين في تقسيم جهودهم بين المسرحين. عملياً، ثمة ما غيّر هذه الحسابات: الغارات الجوية المكثفة على الحوثيين. وهذا ما رجّحه جيمس هولمز، رئيس كرسي جيه سي وايلي للاستراتيجيّة البحريّة في "كلية الحرب البحريّة" الأميركيّة.
"بهذا المعنى الضيق والجزئي، إن القوة الجوية غير المرفقة بهجوم بري ربما دفع حسابات الحوثيين نحو نتيجة مرضية لواشنطن"، كما كتب هولمز منذ يومين في مجلة "ناشونال إنترست".
ما يستطيع ترامب ادعاءه
على المدى القصير، كانت نتيجة الغارات متباينة. تمكن الطرفان من ادعاء النصر في مكان ما. فرض ترامب على الحوثيين عدم استهداف سفنه بينما يواصل هؤلاء الضغط على حليفته إسرائيل. على المدى البعيد، الصورة معقّدة، وبشكل جزئيّ، لأنّ ترامب يفتقر إلى استراتيجية بخصوص اليمن.
ربما عزز وقف إطلاق النار موقع الحوثيين كي يتحركوا ضد مناطق أخرى لا يسيطرون عليها مثل مأرب. و"بعض التآكل" الذي تكبده الحوثيون على مستوى قدراتهم قد يستعيدونه عما قريب، بحسب تقرير لـ "نيويورك تايمز". وعلى الصعيد السياسي، ربما يحصل الحوثيون مستقبلاً على اعتراف أميركي ولو غير مباشر بشيء من الشرعية. كان لافتاً للنظر توصيف ترامب للحوثيين بأنهم مقاتلون "أشداء".
في الوقت نفسه، لا يمكن تجاهل احتمال أن تكون الضربات قد عطلت القيادة والتنسيق بين الحوثيين مما يعرقل خططهم التوسعيّة المحتملة في المدى المنظور. ويبدو أن إسرائيل مستمرة في غاراتها الجوية المتقطعة لإضعاف القدرات الحوثية، ممّا يعني أنّه لا يزال باكراً على "أنصار الله" الاحتفال بشكل كامل.
من السابق لأوانه إطلاق استنتاجات نهائية بشأن الغارات الأميركية على الحوثيين، بينما لم يمضِ سوى نحو أسبوعين فقط على إعلان ترامب وقف الغارات. لكن النتائج الأولية تشير إلى أن ترامب لم يخرج بما يكفي للقول إنه كبح جماح الحوثيين تماماً.
مع ذلك، هو يستطيع ادّعاء أنه حقق نتائج أفضل من تلك التي حققها الرئيس السابق جو بايدن. في نهاية المطاف، وبالنظر إلى حديثه الذي لا يتوقف عن سلفه، ربما هذا ما يهمّ ترامب بالدرجة الأولى.