هيئة المفقودين... سوريون ينتظرون العدالة ومداواة الجراح

2 hours ago 1
ARTICLE AD BOX

خلفت سنوات الحرب الأهلية السورية مأساة إنسانية عميقة، وجاء المرسوم الرئاسي القاضي بتشكيل "هيئة عامة للمفقودين"، ليفتح ملفاً شائكاً يمس الآلاف من العائلات التي تبحث عن أبنائها المفقودين، وخطوة رسمية تهدف إلى توثيق حالات الاختفاء القسري على أمل الكشف عن مصير الضحايا. 
يبعث مرسوم إحداث هيئة المفقودين الأمل لدى العائلات التي لا تعرف مصير أبنائها منذ سنوات، رغم أن هناك دلائل تشير إلى وفاة الكثيرين منهم، خصوصاً مع عدم العثور عليهم أحياء في أي من سجون نظام الأسد بعد إسقاطه في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، لكن العائلات تعول على إنشاء الهيئة في إتاحة فرصة، ولو محدودة، لمعرفة أماكن وجود جثامين ذويهم كي يتسنى لهم دفنهم وفق الأصول والشرائع، ومن أجل الحفاظ على كراماتهم وتخليد ذكراهم.
فقد سامر دياب، من مدينة الزبداني بريف دمشق، شقيقيه وسام ورامي، وابن عمه جلال في عام 2014، والثلاثة جرى اعتقالهم من قبل قوات النظام بعد مداهمتها المدينة، على خلفية مشاركتهم في تظاهرة للمعارضة.
يقول دياب لـ"العربي الجديد": "رغم مرور كل تلك السنوات، لم نعرف عن مصيرهم أي معلومة، ولم نتمكن من الوصول إلى الجهة الأمنية التي اعتقلتهم. كل ما نريده الآن هو معرفة الحقيقة، ومعرفة مكان وجودهم، سواء كانوا على قيد الحياة أم لا. لدينا أمل كبير بأن تساعدنا هذه الهيئة".
بدورها، فقدت فرح شرشار، من مدينة دمشق، شقيقها نديم في عام 2017، إذ تم اعتقاله على يد دورية أمنية عند دوار كفر سوسة، وتؤكد لـ"العربي الجديد"، أن عائلتها لم تتمكن من معرفة أي معلومة عن شقيقها سوى أن تهمته هي التعامل مع المعارضة، وتضيف: "منذ تاريخ اعتقاله حتى الآن، نبحث عن أي معلومة عنه، لكن من دون جدوى، وكنا نأمل بأن نجده ضمن المجموعات التي خرجت من السجون، أو حتى معرفة معلومة عنه من خلال من خرجوا أحياء، لكن للأسف لم نعثر على أي دليل".

وتوضح شرشار قائلة: "رغم عدم وجود أثر يدل على أن شقيقي لا يزال على قيد الحياة إلا أن عدم وجود جثمان أو دليل قطعي على وفاته يبقينا في حالة شك بشأن احتمال إيجاده حياً، ما يبقينا في حالة بحث دائم عن أي خيط يوصلنا إلى معرفة مصيره، وبعد سماع قرار تشكيل هيئة المفقودين، أصبح لدينا أمل أكبر، فلسنا العائلة الوحيدة التي تبحث عن مفقودين، وأتمنى أن نصل من خلال الهيئة إلى نتيجة".
أما السوري عمار مظلوم، من مدينة الزبداني، فهو يأمل بمعرفة مصير والده المفقود منذ عام 2018، ويقول لـ"العربي الجديد": "كان والدي مرشد مظلوم تاجراً انحاز إلى الثورة السورية منذ بدايتها، لكنه تلقى تهديدات بالخطف والقتل، فتوقف عن المشاركة في أي نشاط، وفي عام 2018، اعتقلته جهة أمنية من المنزل، ولم نعرف شيئاً عن مصيره ولا عن الجهة الأمنية التي أخذته رغم الأموال الطائلة التي دفعناها رشاوى لضباط ومتنفذين. سنتواصل مع هيئة المفقودين الجديدة لمعرفة مصيره، على أمل أن تعمل بجدية لكشف الحقائق وطمأنة ذوي المفقودين عن أبنائهم، علها تساهم في إراحة قلوبهم المتعبة". 

يشكك حقوقيون سوريون بمدى استقلالية هيئة المفقودين أو قدرتها على تحقيق العدالة

في المقابل، يشكك حقوقيون ومتابعون لملف المفقودين بمدى استقلالية الهيئة وشموليتها، أو قدرتها على تحقيق العدالة، وإن اعتبروا أن تشكيلها يمثل خطوة إيجابية في ظل غياب أي إطار رسمي للتعامل مع الملف.
تقول المحامية السورية عتاب محسن لـ"العربي الجديد": "هذا المرسوم يشكل خطوة في طريق حل مشكلة المفقودين بشرط أن يشمل جميع المفقودين بغض النظر عن الجهة التي تسببت في الاختفاء. عموماً، لا يمكننا الحكم على الهيئة قبل صدور نظامها الداخلي وتعليماتها التنفيذية، فهي ما زالت في مرحلة التأسيس".  
من جانبه، يرى الحقوقي غزوان قرنفل في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه "كان من الأفضل إجراء مشاورات مع منظمات المجتمع المدني التي عملت لسنوات على توثيق حالات الاختفاء القسري وملف المفقودين، والتشاور أيضاً مع روابط وعائلات الضحايا قبل الإعلان عن إنشاء الهيئة، لضمان تمثيل أوسع وأكثر شمولية". 
بدوره، يوجه مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني انتقادات للطريقة التي تقرر بها تشكيل هيئة المفقودين، وقال لـ"العربي الجديد": "كان يجب أن تشكل الهيئة بقانون من المجلس التشريعي، وليس بمرسوم رئاسي، وذلك لضمان شرعيتها واستقلاليتها، فتعيين أعضاءها من قبل السلطة التنفيذية يفقدها المصداقية، خصوصاً في ظل غياب تمثيل حقيقي لعائلات الضحايا والمنظمات الحقوقية". 

يضيف عبد الغني: "أسلوب تشكيل الهيئة يعد تكريساً للبيروقراطية في ملف العدالة الانتقالية. يفترض أن تكون هناك هيئة للمفقودين، ولجنة لجلاء الحقيقة، وأن تنسق مع لجان أخرى للمحاسبة والإصلاح والتحقيق في الانتهاكات، لكن يجب ألا تكون هناك هيئة واحدة لديها لجان منبثقة عنها لأن هذا يدخلها في تعقيدات لا نهاية لها".
ووفقاً لتقارير المنظمات الحقوقية، يقدّر عدد المفقودين في سورية بنحو 157 ألف شخص، ويتحمل النظام السابق والمليشيات التابعة له مسؤولية أكثر من 85% من حالات الاختفاء القسري. في حين يواجه تحديد هويات المفقودين في سورية تحديات أبرزها نقص المختبرات والأدوات اللازمة لتحاليل الحمض النووي، خاصة في حالات المقابر الجماعية، إضافة إلى تعقيدات جمع الأدلة وحفظها بعد تدمير العديد من السجلات الرسمية، الأمر الذي يصعّب عملية التوثيق. 
ويشكل ملف المفقودين جرحاً نازفاً في الذاكرة السورية، وتظل الحقيقة والعدالة شرطين أساسيين لأي مصالحة وطنية حقيقية، ورغم أن الهيئة الجديدة قد تكون خطوة على هذا الطريق، إلا أن مصداقيتها ستقاس بقدرتها على كسر حاجز الإفلات من العقاب التي كانت سائدة في المشهد السوري، ووضع حد لمعاناة آلاف العائلات التي تنتظر معرفة مصير أحبائها منذ سنوات، ولضمان تحقيق العدالة، ينبغي أن تتمتع الهيئة بالاستقلالية الكاملة، وأن تشمل جميع المفقودين من دون تمييز.

Read Entire Article